فقال ابن الزبير يا صاحب القطاة أقبل علي فما كنت لتدعني حتى أقول و ايم الله لقد عرف الأقوام أني سابق غير مسبوق و ابن حواري و صديق متبجح في الشرف الأنيق خير من طليق. فقال ابن عباس دسعت بجرتك فلم تبق شيئا هذا الكلام مردود من امرئ حسود فإن كنت سابقا فإلى من سبقت و إن كنت فاخرا فبمن فخرت فإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون أسرتنا فالفخر لك علينا و إن كنت إنما أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك و الكثكث في فمك و يديك و أما ما ذكرت شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 327من الطليق فو الله لقد ابتلي فصبر و أنعم عليه فشكر و إن كاو الله لوفيا كريما غير ناقض بيعة بعد توكيدها و لا مسلم كتيبة بعد التأمر عليها. فقال ابن الزبير أ تعير الزبير بالجبن و الله إنك لتعلم منه خلاف ذلك. قال ابن عباس و الله إني لا أعلم إلا أنه فر و ما كر و حارب فما صبر و بايع فما تمم و قطع الرحم و أنكر الفضل و رام ما ليس له بأهل.
و أدرك منها بعض ما كان يرتجي و قصر عن جري الكرام و بلداو ما كان إلا كالهجين أمامه عناق فجاراه العناق فأجهدا
فقال ابن الزبير لم يبق يا بني هاشم غير المشاتمة و المضاربة. فقال عبد الله بن الحصين بن الحارث أقمناه عنك يا ابن الزبير و تأبى إلا منازعته و الله لو نازعته من ساعتك إلى انقضاء عمرك ما كنت إلا كالسغب الظمآن يفتح فاه يستزيد من الريح فلا يشبع من سغب و لا يروى من عطش فقل إن شئت أو فدع و انصرف القوم(10/293)
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 174328- و من خطبة له عأَمِينُ وَحْيِهِ وَ خَاتَمُ رُسُلِهِ وَ بَشِيرُ رَحْمَتِهِ وَ نَذِيرُ نِقْمَتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَ أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ لَا تَنْعَقِدُ حَتَّى تَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ مَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ وَ لَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ أَلَا وَ إِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ رَجُلًا ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَ آخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ(10/294)
صدر الكلام في ذكر رسول الله ص و يتلوه فصول. أولها أن أحق الناس بالإمامة أقواهم عليها و أعلمهم بحكم الله فيها و هذا لا ينافي مذهب أصحابنا البغداديين في صحة إمامة المفضول لأنه ما قال إن إمامة غير الأقوى فاسدة و لكنه قال إن الأقوى أحق و أصحابنا لا ينكرون أنه ع أحق ممن تقدمه بالإمامة مع قولهم بصحة إمامة المتقدمين لأنه لا منافاة بين كونه أحق و بين صحة إمامة غيره. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 329فإن قلت أي فرق بين أقواهم عليه و أعلمهم بأمر الله فيه قلت أقواهم أحسنهم سياسة و أعلمهم بأمر الله أكثرهم علما و إجراء للتير بمقتضى العلم و بين الأمرين فرق واضح فقد يكون سائسا حاذقا و لا يكون عالما بالفقه و قد يكون سائسا فقيها و لا يجري التدبير على مقتضى علمه و فقهه. و ثانيها أن الإمامة لا يشترط في صحة انعقادها أن يحضرها الناس كافة لأنه لو كان ذلك مشترطا لأدى إلى ألا تنعقد إمامة أبدا لتعذر اجتماع المسلمين من أطراف الأرض و لكنها تنعقد بعقد العلماء و أهل الحل و العقد الحاضرين ثم لا يجوز بعد عقدها لحاضريها أن يرجعوا من غير سبب يقتضي رجوعهم و لا يجوز لمن غاب عنها أن يختار غير من عقد له بل يكون محجوجا بعقد الحاضرين مكلفا طاعة الإمامة المعقود له و على هذا جرت الحال في خلافة أبي بكر و عمر و عثمان و انعقد إجماع المسلمين عليه و هذا الكلام تصريح بصحة مذهب أصحابنا في أن الاختيار طريق إلى الإمامة و مبطل لما تقوله الإمامية من دعوى النص عليه و من قولهم لا طريق إلى الإمامة سوى النص أو المعجز. و ثالثها أن الخارج على الإمام يستعتب أولا بالكلام و المراسلة فإن أبى قوتل و هذا هو نص الكتاب العزيز وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ. و رابعها أنه يقاتل أحد رجلين إما رجلا(10/295)
ادعى ما ليس له نحو أن يخرج على الإمام من يدعي الخلافة لنفسه و إما رجلا منع ما عليه نحو أن يخرج على الإمام رجل لا يدعي الخلافة و لكنه يمتنع من الطاعة فقط. فإن قلت الخارج على الإمام مدع الخلافة نفسه مانع ما عليه أيضا لأنه قد امتنع من الطاعة فقد دخل أحد القسمين في الآخر. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 330قلت لما كان مدعي الخلافة قد اجتمع له أمران إيجابي و سلبي فالإيجابي دعواه الخلافة و السلبي امتناعه من الطاعة كان متميزا ممن لم يحصل له إلا القسم السل فقط و هو مانع الطاعة لا غير فكان الأحسن في فن علم البيان أن يشتمل اللفظ على التقسيم الحاضر للإيجاب و السلب فلذلك قال إما مدعيا ما ليس له أو مانعا ما هو عليه(10/296)
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ وَ خَيْرُ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّهِ وَ قَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَ لَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ وَ الصَّبْرِ وَ الْعِلْمِ بِمَوَاقِعِ الْحَقِّ فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَ قِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ وَ لَا تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَهُ غِيَراً أَلَا وَ إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَ تَرْغَبُونَ فِيهَا وَ أَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَ تُرْضِيكُمْ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَ لَا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَ لَا الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ أَلَا وَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ وَ لَا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا وَ هِيَ وَ إِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا وَ أَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا وَ سَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَ انْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا وَ لَا يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ الْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا وَ اسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ أَلَا وَ إِنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْ ءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 331أَلَا وَ إِنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْ ءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكإِلَى الْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ الصَّبْرَ(10/297)