أسر ضرب ضرب الموت و نتف حاجباه و أشفار عينيه و كل شعرة في رأسه و وجهه و أخذوا السبابجة و هم سبعون رجلا فانطلقوا بهم و بعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لأبان بن عثمان اخرج إليه فاضرب عنقه فإن الأنصار قتلت أباك و أعانت على قتله فنادى عثمان يا عائشة و يا طلحة و يا زبير إن أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب على المدينة و أقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم و أهليكم و رهطكم فلا يبقى أحد منكم فكفوا عنه و خافوا أن يقع سهل بن حنيف بعيالاتهم و أهلهم بالمدينة فتركوه. و أرسلت عائشة إلى الزبير أن اقتل السبابجة فإنه قد بلغني الذي صنعوا بك قال فذبحهم و الله الزبير كما يذبح الغنم ولي ذلك منهم عبد الله ابنه و هم سبعون رجلا و بقيت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال قالوا لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم و أخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا. قال أبو مخنف فحدثنا الصقعب بن زهير قال كانت السبابجة القتلى يومئذ أربعمائة رجل قال فكان غدر طلحة و الزبير بعثمان بن حنيف أول غدر كان في الإسلام و كان السبابجة أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا قال و خيروا عثمان بن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعلي فاختار الرحيل فخلوا سبيله فلحق بعلي ع فلما رآه بكى و قال له فارقتك شيخا و جئتك أمرد فقال علي إنا لله و إنا إليه راجعون قالها ثلاثا. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 322قلت السبابجة لف معربة قد ذكرها الجوهري في كتاب الصحاح قال هم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة و حراس السجن و الهاء للعجمة و النسب قال يزيد بن مفرغ الحميري
و طماطيم من سبابيج خزر يلبسوني مع الصباح القيودا(10/288)


قال فلما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف خرج في ثلاثمائة من عبد القيس مخالفا لهم و منابذا فخرجوا إليه و حملوا عائشة على جمل فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر و يوم علي يوم الجمل الأكبر. و تجالد الفريقان بالسيوف فشد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم بن جبلة فضرب رجله فقطعها و وقع الأزدي عن فرسه فجثا حكيم فأخذ رجله فرمى بها الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله متكئا عليه خانقا له حتى زهقت نفسه فمر بحكيم إنسان و هو يجود بنفسه فقال من فعل بك قال وسادي فنظر فإذا الأزدي تحته و كان حكيم شجاعا مذكورا. قال و قتل مع حكيم إخوة له ثلاثة و قتل أصحابه كلهم و هم ثلاثمائة من عبد القيس و القليل منهم من بكر بن وائل فلما صفت البصرة لطلحة و الزبير بعد قتل حكيم و أصحابه و طرد ابن حنيف عنهما اختلفا في الصلاة و أراد كل منهما أن يؤم بالناس و خاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له و رضا بتقدمه فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت عبد الله بن الزبير و محمد بن طلحة يصليان بالناس هذا يوما و هذا يوما. قال أبو مخنف ثم دخلا بيت المال بالبصرة فلما رأوا ما فيه من الأموال قال الزبير وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ فنحن أحق شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 323بها من أهل البصرة فأخذا ذلك المال كله فلما غلب علي ع رد تلك الأموال إلى بيت المال و قسمها في المسلمين. و قد ذكرنا فيما تقدم كيفية الوقعة و مقتل الزبير فارا عن الحرب خوفا أو توبة و نحن نقول إنها توبة و ذكر مقتل طلحة و الاستيلاء على أم المؤمنين و إحسان علي ع إليها و إلى من أسر في الحرب أو ظفر به بعدها
منافرة بين ولدي علي و طلحة(10/289)


كان القاسم بن محمد بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي يلقب أبا بعرة ولي شرطة الكوفة لعيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس كلم إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق ع بكلام خرجا فيه إلى المنافرة فقال القاسم بن محمد لم يزل فضلنا و إحساننا سابغا عليكم يا بني هاشم و على بني عبد مناف كافة فقال إسماعيل أي فضل و إحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف أغضب أبوك جدي بقوله ليموتن محمد و لنجولن بين خلاخيل نسائه كما جال بين خلاخيل نسائنا فأنزل الله تعالى مراغمة لأبيك وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً و منع ابن عمك أمي حقها من فدك و غيرها من ميراث أبيها و أجلب أبوك على عثمان و حصره حتى قتل و نكث بيعة علي و شام السيف شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 324في وجهه و أفسد قلوب المسلمين عليه فإن كان لبني عبد مناف ق غير هؤلاء أسديتم إليهم إحسانا فعرفني من هم جعلت فداك
منافرة عبد الله بن الزبير و عبد الله بن العباس(10/290)


و تزوج عبد الله بن الزبير أم عمرو ابنة منظور بن زبان الفزارية فلما دخل بها قال لها تلك الليلة أ تدرين من معك في حجلتك قالت نعم عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى. قال ليس غير هذا قالت فما الذي تريد قال معك من أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد لا بل بمنزلة العينين من الرأس قالت أما و الله لو أن بعض بني عبد مناف حضرك لقال لك خلاف قولك فغضب و قال الطعام و الشراب علي حرام حتى أحضرك الهاشميين و غيرهم من بني عبد مناف فلا يستطيعون لذلك إنكارا قالت إن أطعتني لم تفعل و أنت أعلم و شأنك. فخرج إلى المسجد فرأى حلقة فيها قوم من قريش منهم عبد الله بن العباس و عبد الله بن الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف فقال لهم ابن الزبير أحب أن تنطلقوا معي إلى منزلي فقام القوم بأجمعهم حتى وقفوا على باب بيته فقال ابن الزبير يا هذه اطرحي عليك سترك فلما أخذوا مجالسهم دعا بالمائدة فتغذى القوم فلما فرغوا قال لهم إنما جمعتكم لحديث ردته علي صاحبة الستر و زعمت أنه لو كان بعض بني عبد مناف حضرني لما أقر لي بما قلت و قد حضرتم جميعا و أنت يا ابن عباس ما تقول إني أخبرتها أن معها في خدرها من أصبح في قريش بمنزلة شرح نه البلاغة ج : 9 ص : 325الرأس من الجسد بل بمنزلة العينين من الرأس فردت علي مقالتي فقال ابن عباس أراك قصدت قصدي فإن شئت أن أقول قلت و إن شئت أن أكف كففت قال بل قل و ما عسى أن تقول أ لست تعلم أني ابن الزبير حواري رسول الله ص و أن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق ات النطاقين و أن عمتي خديجة سيدة نساء العالمين و أن صفية عمة رسول الله ص جدتي و أن عائشة أم المؤمنين خالتي فهل تستطيع لهذا إنكارا. قال ابن عباس لقد ذكرت شرفا شريفا و فخرا فاخرا غير أنك تفاخر من بفخره فخرت و بفضله سموت قال و كيف ذلك قال لأنك لم تذكر فخرا إلا برسول الله ص و أنا أولى بالفخر به منك قال ابن الزبير لو شئت(10/291)


لفخرت عليك بما كان قبل النبوة قال ابن عباس
قد أنصف القارة من راماها
نشدتكم الله أيها الحاضرون عبد المطلب أشرف أم خويلد في قريش قالوا عبد المطلب قال أ فهاشم كان أشرف فيها أم أسد قالوا بل هاشم قال أ فعبد مناف أشرف أم عبد العزى قالوا عبد مناف فقال ابن عباس
تنافرني يا ابن الزبير و قد قضى عليك رسول الله لا قول هازل و لو غيرنا يا ابن الزبير فخرته و لكنما ساميت شمس الأصائل شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 326قضى لنا رسول الله ص بالفضل في قوله ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما فقد فارقناك من بعد قصي بن كلاب أ فنحن في فرقة الخير أم لا إن قلت نعم خصمت و إن قلت لا كفرت. فضحك بعض القوم فقال ابن الزبير أما و الله لو لا تحرمك بطعامنا ابن عباس لأعرقت جبينك قبل أن تقوم من مجلسك قال ابن عباس و لم أ بباطل فالباطل لا يغلب الحق أم بحق فالحق لا يخشى من الباطل. فقالت المرأة من وراء الستر إني و الله لقد نهيته عن هذا المجلس فأبى إلا ما ترون. فقال ابن عباس مه أيتها المرأة اقنعي ببعلك فما أعظم الخطر و ما أكرم الخبر فأخذ القوم بيد ابن عباس و كان قد عمي فقالوا انهض أيها الرجل فقد أفحمته غير مرة فنهض و قال
ألا يا قومنا ارتحلوا و سيروا فلو ترك القطا لغفا و ناما(10/292)

67 / 151
ع
En
A+
A-