و الجلال بالضم الجليل كالطوال و الطويل أي بعد السن الجليل أي العمر الطويل. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 264و قوله ما كان بالمدينة فلا أجل فيه و ما غاب فأجله وصول أمرك إليه كلام شريف فصيح لأن الحاضر أي معنى لتأجيله و الغائب فلا عذر بعد وصول الأمر في تأخيره ل السلطان لا يؤخر أمره. و قد ذكرنا من الأحداث التي نقمت على عثمان فيما تقدم ما فيه كفاية و قد ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في التاريخ الكبير هذا الكلام فقال إن نفرا من أصحاب رسول الله ص تكاتبوا فكتب بعضهم إلى بعض أن اقدموا فإن الجهاد بالمدينة لا بالروم و استطال الناس على عثمان و نالوا منه و ذلك في سنة أربع و ثلاثين و لم يكن أحد من الصحابة يذب عنه و لا ينهى إلا نفر منهم زيد بن ثابت و أبو أسيد الساعدي و كعب بن مالك و حسان بن ثابت فاجتمع الناس فكلموا علي بن أبي طالب ع و سألوه أن يكلم عثمان فدخل عليه و قال له إن الناس... و روى الكلام إلى آخره بألفاظه فقال عثمان و قد علمت أنك لتقولن ما قلت أما و الله لو كنت مكاني ما عنفتك و لا عتبت عليك و لم آت منكرا إنما وصلت رحما و سددت خلة و آويت ضائعا و وليت شبيها بمن كان عمر يوليه أنشدك الله يا علي أ لا تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك قال بلى قال أ فلا تعلم أن عمر ولاه قال بلى قال فلم تلومني أن وليت ابن عامر في رحمه و قرابته فقال علي ع إن عمر كان يطأ على صماخ من يوليه ثم يبلغ منه إن أنكر منه أمرا أقصى العقوبة و أنت فلا تفعل ضعفت و رققت على أقربائك. شرح نهج البغة ج : 9 ص : 265قال عثمان هم أقرباؤك أيضا فقال علي لعمري إن رحمهم مني لقريبة و لكن الفضل في غيرهم. فقال عثمان أ فلا تعلم أن عمر ولى معاوية فقد وليته قال علي أنشدك الله أ لا تعلم أن معاوية كان أخوف لعمر من يرفأ غلامه له قال بلى قال فإن معاوية يقطع الأمور دونك و يقول للناس هذا بأمر عثمان و أنت تعلم ذلك فلا تعير عليه. ثم قام(10/238)
علي فخرج عثمان على أثره فجلس على المنبر فخطب الناس و قال أما بعد فإن لكل شي ء آفة و لكل أمر عاهة و إن آفة هذه الأمة و عاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون و يسرون عنكم ما تكرهون قولون لكم و تقولون أمثال النعام يتبع أول ناعق أحب مواردها إليها البعيد لا يشربون إلا نغصا و لا يردون إلا عكرا أما و الله لقد عبتم علي ما أقررتم لابن الخطاب بمثله و لكنه وطئكم برجله و ضربكم بيده و قمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم و كرهتم و لنت لكم و أوطأتكم كتفي و كففت يدي و لساني عنكم فاجترأتم علي أما و الله لأنا أقرب ناصرا و أعز نفرا و أكثر عددا و أحرى إن قلت هلم أن يجاب صوتي و لقد أعددت لكم أقرانا و كشرت لكم عن نابي و أخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه و منطقا لم أكن أنطق به فكفوا عني ألسنتكم و طعنكم و عيبكم على ولاتكم فما الذي تفقدون من حقكم و الله ما قصرت عن بلوغ من كان قبلي يبلغ و ما وجدتكم تختلفون عليه فما بالكم. فقام مروان بن الحكم فقال و إن شئتم حكمنا بيننا و بينكم السيف. فقال عثمان اسكت لا سكت دعني و أصحابي ما منطقك في هذا أ لم أتقدم إليك ألا تنطق. فسكت مروان و نزل عثمان(10/239)
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 166266- و من خطبة له ع يذكر فيها عجيب خلقة الطاوسابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ وَ مَوَاتٍ وَ سَاكِنٍ وَ ذِي حَرَكَاتٍ وَ أَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ وَ مَسَلِّمَةً لَهُ وَ نَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنَا دَلَائِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَ مَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الْأَطْيَارِ الَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ الْأَرْضِ وَ خُرُوقَ فِجَاجِهَا وَ رَوَاسِيَ أَعْلَامِهَا مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ هَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ مُصَرَّفَةٍ فِي زِمَامِ التَّسْخِيرِ وَ مُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ وَ الْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ وَ رَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ وَ مَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي الْهَوَاءِ خُفُوفاً وَ جَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفاً وَ نَسَقَهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي الْأَصَابِيغِ بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ وَ دَقِيقِ صَنْعَتِهِ فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قَالَبِ لَوْنٍ لَا يَشُوبُهُ غَيْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِيهِ وَ مِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ بِخِلَافِ مَا صُبِغَ بِهِ(10/240)
الموات بالفتح ما لا حياة فيه و أرض موات أي قفر و الساكن هاهنا كالأرض و الجبال و ذو الحركات كالنار و الماء الجاري و الحيوان. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 267و نعقت في أسماعنا دلائله أي صاحت دلائله لظهورها كالأصوات المسموعة التي تعلم يقينا. و أخاديد الأرض شقوا جمع أخدود و فجاجها جمع فج و هو الطريق بين الجبلين و رواسي أعلامها أثقال جبالها. مصرفة في زمام التسخير أي هي مسخرة تحت القدرة الإلهية. و حقاق المفاصل جمع حق و هو مجمع المفصلين من الأعضاء كالركبة و جعلها محتجبة لأنها مستورة بالجلد و اللحم. و عبالة الحيوان كثافة جسده و الخفوف سرعة الحركة و الدفيف للطائر طيرانه فويق الأرض يقال عقاب دفوف قال إمرؤ القيس يصف فرسه و يشبهها بالعقاب
كأني بفتخاء الجناحين لقوة دفوف من العقبان طأطأت شملالي(10/241)
و نسقها رتبها و الأصابيغ جمع أصباغ و أصباغ جمع صبغ. و المغموس الأول هو ذو اللون الواحد كالأسود و الأحمر و المغموس الثاني ذو اللونين نحو أن يكون أحمر و عنقه خضراء. و روي قد طورق لون أي لون على لون كما تقول طارقت بين الثوبين. فإن قلت ما هذه الطيور التي يسكن بعضها الأخاديد و بعضها الفجاج و بعضها رءوس الجبال. قلت أما الأول فكالقطا و الصدى و الثاني كالقبج و الطيهوج و الثالث كالصقر و العقاب شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 26وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْسَنِ تَعْدِيلٍ وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَ ذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ إِذَا دَرَجَ إِلَى الْأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ وَ سَمَا بِهِ مُطِلًّا عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَ يَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ يُفْضِي كَإِفْضَاءِ الدِّيَكَةِ وَ يَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ أُحِيلُكَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُعَايَنَةٍ لَا كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٍ إِسْنَادُهُ وَ لَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ وَ أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِكَ ثُمَّ تَبِيضُ لَا مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ(10/242)