شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 258السوي المستوي الخلقة غير ناقص قال سبحانه فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا و المنشأ مفعول من أنشأ أي خلق و أوجد و المرعي المحوط المحفوظ. و ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار مستقر النطف و الرحم موضوعة فيما بين المثانة و المعى استقيم و هي مربوطة برباطات على هيئة السلسلة و جسمها عصبي ليمكن امتدادها و اتساعها وقت الحاجة إلى ذلك عند الولادة و تنضم و تتقنص إذا استغني عن ذلك و لها بطنان ينتهيان إلى فم واحد و زائدتان يسميان قريني الرحم و خلف هاتين الزائدتين بيضتا المرأة و هما أصغر من بيضتي الرجل و أشد تفرطحا و منهما ينصب مني المرأة إلى تجويف الرحم و للرحم رقبة منتهية إلى فرج المرأة و تلك الرقبة من المرأة بمنزلة الذكر من الرجل فإذا امتزج مني الرجل بمني المرأة في تجويف الرحم كان العلوق ثم ينمي و يزيد من دم الطمث و يتصل بالجنين عروق تأتي إلى الرحم فتغذوه حتى يتم و يكمل فإذا تم لم يكتف بما تحته من تلك العروق فيتحرك حركات قوية طلبا للغذاء فتهتك أربطة الرحم التي قلنا إنها على هيئة السلسلة و تكون منها الولادة. قوله بدئت من سلالة من طين أي كان ابتداء خلقك من سلالة و هي خلاصة الطين لأنها سلت من بين الكدر و فعالة بناء للقلة كالقلامة و القمامة. و قال الحسن هي ما بين ظهراني الطين. ثم قال و وضعت في قرار مكين الكلام الأول لآدم الذي هو أصل البشر و الثاني لذريته و القرار المكين الرحم متمكنة في موضعها برباطاتها لأنها لو كانت متحركة لتعذر العلوق. شرح نهجلبلاغة ج : 9 ص : 259ثم قال إلى قدر معلوم و أجل مقسوم إلى متعلقة بمحذوف كأنه قال منتهيا إلى قدر معلوم أي مقدرا طوله و شكله إلى أجل مقسوم مدة حياته. ثم قال تمور في بطن أمك أي تتحرك لا تحير أي لا ترجع جوابا أحار يحير. إلى دار لم تشهدها يعني الدنيا و يقال أشبه شي ء بحال الانتقال من الدنيا إلى الأحوال التي بعد الموت انتقال(10/233)
الجنين من ظلمة الرحم إلى فضاء الدنيا فلو كان الجنين يعقل و يتصور كان يظن أنه لا دار له إلا الدار التي هو فيها و لا يشعر بما وراءها و لا يحس بنفسه إلا و قد حصل في دار لم يعرفها و لا تخطر ببالهفبقي هو كالحائر المبهوت و هكذا حالنا في الدنيا إذا شاهدنا ما بعد الموت. و لقد أحسن ابن الرومي في صفة خطوب الدنيا و صروفها بقوله
لما تؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولدو إلا فما يبكيه منها و إنها لأوسع مما كان فيه و أرغدإذا أبصر الدنيا استهل كأنه بما سوف يلقى من أذاها يهدد
قال فمن هداك إلى اجترار الغذاء من ثدي أمك اجترار امتصاص اللبن من الثدي و ذلك بالإلهام الإلهي. قال و عرفك عند الحاجة أي أعلمك بموضع الحلمة عند طلبك الرضاع فالتقمتها بفمك. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 260ثم قال هيهات أي بعد أن يحيط علما بالخالق من عجز عن معرفالمخلوق قال الشاعر
رأيت الورى يدعون الهدى و كم يدعي الحق خلق كثيرو ما في البرايا امرؤ عنده من العلم بالحق إلا اليسيرخفي فما ناله ناظر و ما إن أشار إليه مشيرو لا شي ء أظهر من ذاته و كيف يرى الشمس أعمى ضرير شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 165261- و من كلام له ع لعثمان بن عفانقالوا لما اجتمع الناس إلى أمير المؤمنين ع و شكوا إليه ما نقموه على عثمان و سألوه مخاطبته و استعتابه لهم فدخل ع على عثمان فقال(10/234)
إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَ قَدِ اسْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ وَ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ وَ لَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْ ءٍ فَُخْبِرَكَ عَنْهُ وَ لَا خَلَوْنَا بِشَيْ ءٍ فَنُبَلِّغَكَهُ وَ قَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا وَ سَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا وَ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص كَمَا صَحِبْنَا وَ مَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ لَا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْخَيْرِ مِنْك وَ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا وَ قَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالَا فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ فَإِنَّكَ وَ اللَّهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًى وَ لَا تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ وَ إِنَّ الطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ وَ إِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وَ هَدَى فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً وَ أَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً وَ إِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَ إِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَ ضُلَّ بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً وَ أَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً وَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ وَ لَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَ لَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 262وَ إِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولفَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ(10/235)
يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ وَ الْقِتَالَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ يَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا وَ يَبُثُّ الْفِتَنَ فِيهَا فَلَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً وَ يَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً فَلَا تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلَالِ السِّنِّ وَ تَقَضِّي الْعُمُرِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَلِّمِ النَّاسَ فِي أَنْ يُؤَجِّلُونِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ فَقَالَ ع مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا أَجَلَ فِيهِ وَ مَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ إِلَيْهِ(10/236)
نقمت على زيد بالفتح أنقم فأنا ناقم إذا عتبت عليه و قال الكسائي نقمت بالكسر أيضا أنقم لغة و هذه اللفظة تجي ء لازمة و متعدية قالوا نقمت الأمر أي كرهته. و استعتبت فلانا طلبت منه العتبى و هي الرضا و استعتابهم عثمان طلبهم منه ما يرضيهم عنه. و استسفروني جعلوني فيرا و وسيطا بينك و بينهم. ثم قال له و أقسم على ذلك أنه لا يعلم ما ذا يقول له لأنه لا يعرف أمرا يجهله أي من هذه الأحداث خاصة و هذا حق لأن عليا ع لم يكن يعلم منها ما يجهله شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 263عثمان بل كان أحداث الصبيان فضلا عن العقلاء المميزين يعون وجهي الصواب و الخطأ فيها. ثم شرع معه في مسلك الملاطفة و القول اللين فقال ما سبقنا إلى الصحبة و لا انفردنا بالرسول دونك و أنت مثلنا و نحن مثلك. ثم خرج إلى ذكر الشيخين فقال قولا معناه أنهما ليسا خيرا منك فإنك مخصوص دونهما بقرب النسب يعني المنافية و بالصهر و هذا كلام هو موضع المثل يسر حسوا في ارتغاء و مراده تفضيل نفسه ع لأن العلة التي باعتبارها فضل عثمان عليهما محققة فيه و زيادة لأن له مع المنافية الهاشمية فهو أقرب. و الوشيجة عروق الشجرة ثم حذره جانب الله تعالى و نبهه على أن الطرق واضحة و أعلام الهدى قائمة و أن الإمام العادل أفضل الناس عند الله و أن الإمام الجائر شر الناس عند الله. ثم روى له الخبر المذكور و روي ثم يرتبك في قعرها أي ينشب. و خوفه أن يكون الإمام المقتول الذي يفتح الفتن بقتله و قد كان رسول الله ص قال كلاما هو هذا أو يشبه هذا. و مرج الدين أي فسد و السيقة ما استاقه العدو من الدواب مثل الوسيقة قال الشاعر
فما أنا إلا مثل سيقة العدا إن استقدمت بحر و إن جبأت عقر(10/237)