شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 161222- و من خطبة له عأَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِكْمَةٌ وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَةُ يَقْضِي بِعِلْمٍ وَ يَعْفُو بِحِلْمٍ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَ تُعْطِي وَ عَلَى مَا تُعَافِي وَ تَبْتَلِي حَمْداً يَكُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَكَ وَ أَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ وَ أَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ حَمْداً يَمْلَأُ مَا خَلَقْتَ وَ يَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ حَمْداً لَا يَحْجُبُ عَنْكَ وَ لَا يُقْصَرُ دُونَكَ حَمْداً لَا يَنْقَطِعُ عَدَدُهُ وَ لَا يَفْنَى مَدَدُهُ فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ حَيٌّ قَيُّومُ لَا تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَ لَا نَوْمٌ لَمْ يَنْتَهِ إِلَيْكَ نَظَرٌ وَ لَمْ يُدْرِكْكَ بَصَرٌ أَدْرَكْتَ الْأَبْصَارَ وَ أَحْصَيْتَ الْأَعْمَالَ وَ أَخَذْتَ بِالنَّوَاصِي وَ الْأَقْدَامِ وَ مَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِكَ وَ مَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ وَ انْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ وَ حَالَتْ سَوَاتِرُ الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ أَعْظَمُ فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ وَ أَعْمَلَ فِكْرَهُ لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ وَ كَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ وَ كَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِكَ وَ كَيْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَكَ رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِيراً وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً وَ سَمْعُهُ وَالِهاً وَ فِكْرُهُ حَائِراً(10/198)


شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 223يجوز أن يكون أمره هاهنا هو الأمر الفعلي لا الأمر القولي كما يقال أمر فلان مستقيم و ما أمر كذا و قال تعالى وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وَ ما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَ فيكون المعنى أن شأنه تعالى ليس إلا أحد شيئين و هما أن يقول و أن يفعل فعبر عن أن يقول بقوله قضاء لأن القضاء الحكم و عبر عن أن يفعل بقوله و حكمة لأن أفعاله كلها تتبع دواعي الحكمة و يجوز أن يكون أمره هو الأمر القولي و هو المصدر من أمر له بكذا أمرا فيكون المعنى أن أوامره إيجاب و إلزام بما فيه حكمة و مصلحة و قد جاء القضاء بمعنى الإلزام و الإيجاب في القرآن العزيز في قوله وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أي أوجب و ألزم. قوله و رضاه أمان و رحمة لأن من فاز بدرجة الرضا فقد أمن و حصلت له الرحمة لأن الرضا رحمة و زيادة. قوله يقضي بعلم أي يحكم بما يحكم به لأنه عالم بحسن ذلك القضاء أو وجوبه في العدل. قوله و يعفو بحلم أي لا يعفو عن عجز و ذل كما يعفو الضعيف عن القوي بل هو قادر على الانتقام و لكنه يحلم. ثم حمد الله تعالى على الإعطاء و الأخذ و العافية و البلاء لأن ذلك كله من عند الله لمصالح للمكلف يعلمها و ما يعلمها المكلف و الحمد على المصالح واجب. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 224ثم أخذ في تفخيم شأن ذلك الحمد و تعظيمه و المبالغة في وصفه احتذاء بقول رسول الله ص الحمد لله زنة عرشه الحمد لله عدد خلقه الحمد لله مل ء سمائه و أرضه فقال ع حمدا يكون أرضى الحمد لك أي يكون رضاك له أوفى و أعظم من رضاك بغيره و كذلك القول في أحب و أفضل. قوله و يبلغ ما أردت أي هو غاية ما تنتهي إليه الإرادة و هذا كقول الأعرابية في صفة المطر غشينا ما شئنا و هو من فصيح الكلام. قوله لا يحجب عنك لأن الإخلاص يقارنه و الرياء منتف عنه. قوله و لا يقصر دونك أي لا يحبس(10/199)


أي لا مانع عن وصوله إليك و هذا من باب التوسع و معناه أنه بري ء من الموانع عن إثماره الثواب و اقتضائه إياه و روي و لا يقصر من القصور و روي و لا يقصر من التقصير. ثم أخذ في بيان أن العقول قاصرة عن إدراك الاري سبحانه و العلم به و أنا إنما نعلم منه صفات إضافية أو سلبية كالعلم بأنه حي و معنى ذلك أنه لا يستحيل على ذاته أن يعلم و يقدر و أنه قيوم بمعنى أن ذاته لا يجوز عليها العدم أي يقيم الأشياء و يمسكها و كل شي ء يقيم الأشياء كلها و يمسكها فليس بمحتاج إلى من يقمه و يمسكه و إلا لم يكن مقيما و ممسكا لكل شي ء و كل من ليس بمحتاج إلى من يقيمه و يمسكه فذاته لا يجوز عليها العدم و أنه تعالى لا تأخذه سنة و لا نوم لأن هذا من صفات الأجسام و ما لا يجوز عليها العدم لا يكون جسما و لا يوصف بخواص الأجسام و لوازمها فإنه لا ينته إليه نظر لأن انتهاء النظر إليه يستلزم مقابلته و هو تعالى منزه عن الجهة و إلا لم يكن ذاته مستحيلا عليها العدم و أنه لا يدركه بصر لأن إبصار الأشياء بانطباع أمثلتها في الرطوبة الجليدية كانطباع أشباح المرئيات في المرآة و الباري تعالى لا يتمثل و لا يتشبح و إلا لم يكن شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 225قيوما و أنه يدرك الأبصار لأنه إما عالم لذاته أو لأنه حي لا آفة به و أنه يحصي الأعمال لأنه عالم لذاته فيعلم كل شي ء حاضرا و ماضيا و مستقبلا و أنه يأخذ بالنواصي و الأقدام لأنه قادر لذاته فهو متمكن من كل مقدور. ثم خرج إفن آخر فقال و ما الذي نعجب لأجله من قدرتك و عظيم ملكك و الغائب عنا من عظمتك أعظم من الحاضر مثال ذلك أن جرم الشمس أعظم من جرم الأرض مائة و ستين مرة و لا نسبة لجرم الشمس إلى فلكها المائل و لا نسبة لفلكها المائل إلى فلكها المميل و فلك تدوير المريخ الذي فوقها أعظم من مميل الشمس و لا نسبة لفلك تدوير المريخ إلى فلكه المميل و فلك تدوير المشتري أعظم من مميل المريخ و لا نسبة لفلك(10/200)


تدوير المشتري إلى فلكه المميل و فلك تدوير زحل أعظم من مميل المشتري و لا نسبة لفلك تدوير زحل إلى مميل زحل و لا نسبة لمميل زحل إلى كرة الثوابت و لا نسبة لكرة الثوابت إلى الفلك الأطلس الأقصى فانظر أي نسبة تكون الأرض بكليتها على هذا الترتيب إلى الفلك الأطلس و هذا مما تقصر العقول عن فهمه و تنتهي دونه و تحول سواتر الغيوب بينها و بينه كما قال ع. ثم ذكر أن من أعمل فكره ليعلم كيف أقام سبحانه العرش و كيف ذرأ الخلق و كيف علق السماوات بغير علاقة و لا عمد و كيف مد الأرض على الماء رجع طرفه حسيرا و عقله مبهورا و هذا كله حق و من تأمل كتبنا العقلية و اعتراضنا على الفلاسفة الذين عللوا هذه الأمور و زعموا أنهم استنبطوا لها أسبابا عقلية و ادعوا وقوفهم على كنهها و حقائقها علم صحة ما ذكره ع من أن من حاول تقدير ملك الله تعالى و عظيم مخلوقاته بمكيال عقله فقد ضل ضلالا مبينا.(10/201)


شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 226و روي و فكره جائرا بالجيم أي عادلا عن الصواب و الحسير المتعب و المبهور المغلوب و الواله المتحيرمِنْهَا يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ كَذَبَ وَ الْعَظِيمِ مَا بَالُهُ لَا يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ إِلَّا رَجَاءَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَ كُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ يَرْجُو اللَّهَ فِي الْكَبِيرِ وَ يَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لَا يُعْطِي الرَّبَّ فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ أَ تَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً أَوْ تَكُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً وَ كَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا يُعْطِي رَبَّهُ فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً وَ كَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَ كَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا(10/202)

49 / 151
ع
En
A+
A-