و هضمه شيئا لو طبخ بالنار أبدا لما انحل. و كما سخر الحديد لجوف الظليم فأحاله سخر الصخر الأصم لأذناب الجراد إذا أراد أن يلقي بيضه غرس ذنبه في أشد الأرض صلابة فانصدع له و ذلك من فعل الطبيعة بتسخير الصانع القديم سبحانه كما أن عود الحلفاء الرخو الدقيق المنبت يلقى في نباته الآجر و الخزف الغليظ فيثقبه. و قد رأيت في مسناة سور بغداد في حجر صلد نبعة نبات قد شقت و خرجت من موضع لو حاول جماعة أن يضربوه بالبيارم الشديدة مدة طويلة لم يؤثر فيه أثرا. و قد قيل إن إبرة العقرب أنفذ في الطنجير و الطست. و في الظليم شبه من البعير من جهة المنسم و الوظيف و العنق و الخزامة التي في أنفه شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 188و شبه من الطائر من جهة الريش و الجناحين و الذنب و المنقار ثم إن ما فيه من شبه الطير جذبه إلى البيض و فيه من شبه البعير لم يجذبه إلى الولادة. و يقال إن النعامة مع عظم عظامها و شدة عدوها لا مخ فيها و أشد ما يكون عدوها أن تستقبل الريح فكلما كان أشد لعصوفها كان أشد لحضرها تضع عنقها على ظهرها ثم تخرق الريح و من أعاجيبها أن الصيف إذا دخل و ابتدأ البسر في الحمرة ابتدأ لون وظيفها في الحمرة فلا يزالان يزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر و لذلك قيل للظليم خاضب و من العجب أنها لا تأنس بالطير و لا بالإبل مع مشاكلتها للنوعين و لا يكاد يرى بيضها مبددا البتة بل تصفه طولا صفا مستويا على غاية الاستواء حتى لو مددت عليه خيط المسطر لما وجدت لبعضه خروجا عن البعض ثم تعطي لكل واحدة نصيبها من الحضن. و الذئب لا يعرض لبيض النعام ما دام الأبوان حاضرين فإنهما متى نقفاه ركبه الذكر فطحره و أدركته الأنثى فركضته ثم أسلمته إلى الذكر و ركبته عوضه فلا يزالان يفعلان به ذلك حتى يقتلاه أو يعجزهما هربا و النعام قد يتخذ في الدور و ضرره شديد لأن النعامة ربما رأت في أذن الجارية قرطا فيه حجر أو حبة لؤلؤ فخطفته و أكلته و خرمت(10/168)


الأذن أو رأت ذلك في لبتها فضربت بمنقارها اللبة فخرقتها
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 156189- و من كلام له ع خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحمفَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ وَ إِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَ مَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ وَ أَمَّا فُلَانَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ وَ ضِغْنٌ غَلَا فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ وَ لَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ وَ لَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الْأَوْلَى وَ الْحِسَابُ عَلَى اللَّهِ
يعتقل نفسه على الله يحبسها على طاعته ثم ذكر أن السبيل التي حملهم عليها و هي سبيل الرشاد ذات مشقة شديدة و مذاقة مريرة لأن الباطل محبوب النفوس فإنه اللهو و اللذة و سقوط التكليف و أما الحق فمكروه النفس لأن التكليف صعب و ترك الملاذ العاجلة شاق شديد المشقة. و الضغن الحقد و المرجل قدر كبيرة و القين الحداد أي كغليان قدر من حديد شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 19فصل في ترجمة عائشة و ذكر طرف من أخبارها(10/169)


و فلانة كناية عن أم المؤمنين عائشة أبوها أبو بكر و قد تقدم ذكر نسبه و أمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة تزوجها رسول الله ص قبل الهجرة بسنتين بعد وفاة خديجة و هي بنت سبع سنين و بنى عليها بالمدينة و هي بنت تسع سنين و عشرة أشهر و كانت قبله تذكر لجبير بن مطعم و تسمى له و كان رسول الله ص رأى في المنام عائشة في سرقة من حرير عند متوفى خديجة فقال إن يكن هذا من عند الله يمضه روي هذا الخبر في المسانيد الصحيحة و كان نكاحه إياها في شوال و بناؤه عليها في شوال أيضا فكانت تحب أن تدخل النساء من أهلها و أحبتها على أزواجهن في شوال و تقول هل كان في نسائه أحظى مني و قد نكحني و بنى علي في شوال ردا بذلك على من يزعم من النساء أن دخول الرجل بالمرأة بين العيدين مكروه. و توفي رسول الله ص عنها و هي بنت عشرين سنة و استأذنت رسول الله ص في الكنية فقال لها اكتني بابنك عبد الله بن الزبير يعني ابن أختها فكانت تكنى أم عبد الله و كانت فقيهة راوية للشعر ذات حظ من رسول الله ص و ميل ظاهر إليها و كانت لها عليه جرأة و إدلال لم يزل ينمي و يستشري حتى كان منها في أمره في قصة مارية ما كان من الحديث شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 191الذي أسره إلى الزوجة الأخرى و أدى إلى تظاهرهما عليه و أنزل فيهما قرآنا يتلى في المحاريب يتضمن وعيدا غليظا عقيب تصريح بوقوع الذنب و صغو القلب و أعقبتها تلك الجرأة و ذلك الانبساط و حدث منها في أيام الخلا العلوية ما حدث و لقد عفا الله تعالى عنها و هي من أهل الجنة عندنا بسابق الوعد و ما صح من أمر التوبة. و(10/170)


روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب في باب عائشة عن سعيد بن نصر عن قاسم بن أصبغ عن محمد بن وضاح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ص لنسائه أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلي كثير و تنجو بعد ما كادت
قال أبو عمر بن عبد البر و هذا الحديث من أعلام نبوته ص قال و عصام بن قدامة ثقة و سائر الإسناد فثقة رجاله أشهر من أن تذكر. و لم تحمل عائشة من رسول الله ص و لا ولد له ولد من مهيرة إلا من خديجة و من السراري من مارية. و قذفت عائشة في أيام رسول الله ص بصفوان بن المعطل السلمي و القصة مشهورة فأنزل الله تعالى براءتها في قرآن يتلى و ينقل و جلد قاذفوها الحد و توفيت في سنة سبع و خمسين للهجرة و عمرها أربع و ستون سنة و دفنت بالبقيع شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 192في ملك معاوية و صلى عليها المسلمون ليلا و أمهم أبو هريرة و ل في قبرها خمسة من أهلها عبد الله و عروة ابنا الزبير و القاسم و عبد الله ابنا محمد بن أبي بكر و عبد الرحمن بن أبي بكر و ذلك لسبع عشرة خلت من شهر رمضان من السنة المذكورة. فأما قوله فأدركها رأي النساء أي ضعف آرائهن و
قد جاء في الخبر لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة
و جاء إنهن قليلات عقل و دين(10/171)


أو قال ضعيفات و لذلك جعل شهادة المرأتين بشهادة الرجل الواحد و المرأة في أصل الخلقة سريعة الانخداع سريعة الغضب سيئة الظن فاسدة التدبير و الشجاعة فيهن مفقودة أو قليلة و كذلك السخاء و أما الضغن فاعلم أن هذا الكلام يحتاج إلى شرح و قد كنت قرأته على الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني رحمه الله أيام اشتغالي عليه بعلم الكلام و سألته عما عنده فيه فأجابني بجواب طويل أنا أذكر محصوله بعضه بلفظه رحمه الله و بعضه بلفظي فقد شذ عني الآن لفظه كله بعينه قال أول بدء الضغن كان بينها و بين فاطمة ع و ذلك لأن رسول الله ص تزوجها عقيب موت خديجة فأقامها مقامها و فاطمة هي ابنة خديجة و من المعلوم أن ابنة الرجل إذا ماتت أمها و تزوج أبوها أخرى كان بين الابنة و بين المرأة كدر و شنئان و هذا لا بد منه لأن الزوجة تنفس عليها ميل الأب و البنت تكره ميل أبيها إلى امرأة غريبة كالضرة لأمها بل هي ضرة على الحقيقة و إن كانت الأم ميتة و لأنا لو قدرنا الأم حية لكانت العداوة مضطرمة متسعرة فإذا كانت قد ماتت ورثت ابنتها تلك العداوة و في المثل عداوة الحماة و الكنة و قال الراجز شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 19إن الحماة أولعت بالكنة و أولعت كنتها بالظنة(10/172)

43 / 151
ع
En
A+
A-