إذا أنت لم تزرع و أدركت حاصدا ندمت على التقصير في زمن البذر
و من أمثالهم من زرع شرا حصد ندما. فامهد لنفسك أي سو و وطئ. وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ من القرآن العزيز أي و لا يخبرك بالأمور أحد على حقائقها كالعارف بها العالم بكنهها
إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللَّهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَ يُعَاقِبُ وَ لَهَا يَرْضَى وَ يَسْخَطُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عَبْداً وَ إِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَ أَخْلَصَ فِعْلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا لَاقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلَاكِ نَفْسٍ أَوْ يَعُرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ اعْقِلْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا وَ إِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا وَ إِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ الْفَسَادُ فِيهَا إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ(10/143)
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 161عزائم الله هي موجباته و الأمر المقطوع عليه الذي لا ريب فيه و لا شبهة قال ع إن من الأمور التي نص الله تعالى عليها نصا لا يحتمل التأويل و هي من العزائم التي يقطع بها و لا رجوع فيها و لا نسخ لها أن من مات و هو على ذنب من هذه الوب المذكورة و لو اكتفى بذلك ع لأغناه عن قوله لم يتب إلا أنه ذكر ذلك تأكيدا و زيادة في الإيضاح فإنه لا ينفعه فعل شي ء من الأفعال الحسنة و لا الواجبة و لا تفيده العبادة و لو أجهد نفسه فيها بل يكون من أهل النار و الذنوب المذكورة هي أن يتخذ مع الله إلها آخر فشركه في العبادة أو يقتل إنسانا بغير حق بل ليشفي غيظه أو يقذف غيره بأمر قد فعله هو. عره بكذا يعره عرا أي عابه و لطخه أو يروم بلوغ حاجة من أحد بإظهار بدعة في الدين كما يفعل أكثر الناس في زماننا أو يكون ذا وجهين و هو أيضا قوله أو يمشي فيهم بلسانين و إنما أعاده تأكيدا. لما نصب معاوية ابنه يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء و أدخل الناس يسلمون على معاوية ثم يميلون إلى قبة يزيد فيسلمون عليه بولاية العهد حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية فقال يا أمير المؤمنين أما إنك لو لم تول هذا أمور المسلمين لأضعتها و كان الأحنف جالسا فلما خف الناس قال معاوية ما بالك لا تقول يا أبا بحر قال أخاف الله إن كذبتك و أخافك إن صدقتك فما ذا أقول فقال جزاك الله عن الطاعة خيرا و أمر له بصلة جزيلة فلما خرج لقيه ذلك الرجل بالباب فقال يا أبا بحر إني لأعلم أن شر من خلق الله هذا الرجل و لكن هؤلاء شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 162قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب و الأقفال فلسنا نطمع في استخراجها إلا بما سمعت فقال يا هذا أمسك عليك فإن ذا الوجهين خليق ألا يكون وجيها عند الله غدا. ثم أمر ع بأن يعقل ما قاله و يعلم باطن خطابه و إنما رمز بباطن ا الكلام إلى الرؤساء يوم الجمل لأنهم حاولوا أن يشفوا غيظهم بإهلاكه و(10/144)
إهلاك غيره من المسلمين و عروه ع بأمر هم فعلوه و هو التأليب على عثمان و حصره و استنجحوا حاجتهم إلى أهل البصرة بإظهار البدعة و الفتنة و لقوا الناس بوجهين و لسانين لأنهم بايعوه و أظهروا الرضا به ثم دبوا له الخمر فجعل ذنوبهم هذه مماثلة للشرك بالله سبحانه في أنها لا تغفر إلا بالتوبة و هذا هو معنى قوله اعقل ذلك فإن المثل دليل على شبهه و روي فإن المثل واحد الأمثال أي هذا الحكم بعدم المغفرة لمن أتى شيئا من هذه الأشياء عام و الواحد منها دليل على ما يماثله و يشابهه. فإن قلت فهذا تصريح بمذهب الإمامية في طلحة و الزبير و عائشة. قلت كلا فإن هذه الخطبة خطب بها و هو سائر إلى البصرة و لم تقع الحرب إلا بعد تعدد الكبائر و رمز فيها إلى المذكورين و قال إن لم يتوبوا و قد ثبت أنهم تابوا و الأخبار عنهم بالتوبة كثيرة مستفيضة. ثم أراد ع أن يومئ إلى ذكر النساء للحال التي كان وقع إليها من استنجاد أعدائه بامرأة فذكر قبل ذكر النساء أنواعا من الحيوان تمهيدا لقاعدة ذكر النساء فقال إن البهائم همها بطونها كالحمر و البقر و الإبل و الغنم و إن السباع همها العدوان(10/145)
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 163على غيرها كالأسود الضارية و النمور و الفهود و البزاة و الصقور ثم قال و إن النساء همهن زينة الحياة الدنيا و الفساد فيها. نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة فقال ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الثمرة. و مرت امرأة بسقراط و هو يتشرق فالشمس فقالت ما أقبحك أيها الشيخ فقال لو أنكن من المرائي الصدئة لغمني ما بان من قبح صورتي فيكن. و رأى حكيم امرأة تعلم الكتابة فقال سهم يسقى سما ليرمي به يوما ما. و رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال نار على نار و الحامل شر من المحمول. و قيل لسقراط أي السباع أحسن قال المرأة. و تزوج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال اخترت من الشر أقله. و رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال زادت الكدر كدرا و الشر بالشر يهلك. ثم ذكر ع خصائص المؤمن فقال إن المؤمنين مستكينون استكان الرجل أي خضع و ذل. إن المؤمنين مشفقون التقوى رأس الإيمان كما ورد في الخبر. ثم قال إن المؤمنين خائفون هو الأول و إنما أكده و التأكيد مطلوب في باب الخطابة
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 154164- و من خطبة له عوَ نَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ وَ يَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ دَاعٍ دَعَا وَ رَاعٍ رَعَى فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي وَ اتَّبِعُوا الرَّاعِي
يقول إن قلب اللبيب له عين يبصر بها غايته التي يجري إليها و يعرف من أحواله المستقبلة ما كان مرتفعا أو منخفضا ساقطا و النجد المرتفع من الأرض و منه قولهم للعالم بالأمور طلاع أنجد. ثم قال داع دعا موضع داع رفع لأنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره في الوجود داع دعا و راع رعى و يعني بالداعي رسول الله ص و بالراعي نفسه ع(10/146)
قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ وَ أَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ وَ أَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ وَ نَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ نَحْنُ الشِّعَارُ وَ الْأَصْحَابُ وَ الْخَزَنَةُ وَ الْأَبْوَابُ وَ لَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 165هذا كلام متصل بكلام لم يحكه الرضي رحمه الله و هو ذكر قوم من أهل الضلال قد كان أخذ في ذمهم و نعى عليهم عيوبهم. و أرز المؤمنون أي انقبضوا و المضارع يأرز بالكسر أرزا و أروزا و رجل أروز أي منقبض و في الحديث إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها
أي ينضم إليها و يجتمع. ثم قال نحن الشعار و الأصحاب يشير إلى نفسه و هو أبدا يأتي بلفظ الجمع و مراده الواحد. و الشعار ما يلي الجسد من الثياب فهو أقرب من سائرها إليه و مراده الاختصاص برسول الله ص. و الخزنة و الأبواب يمكن أن يعني به خزنة العلم و أبواب العلم
لقول رسول الله ص أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب(10/147)