ثم قال ع الأئمة قوام الله على خلقه أي يقومون بمصالحهم و قيم المنزل هو المدبر له. قال و عرفاؤه على عباده جمع عريف و هو النقيب و الرئيس يقال عرف فلان بالضم عرافة بالفتح مثل خطب خطابة أي صار عريفا و إذا أردت أنه عمل ذلك قلت عرف فلان علينا سنين يعرف عرافة بالكسر مثل كتب يكتب كتابة. قال و لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه هذا إشارة إلى قوله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال المفسرون ينادى في الموقف يا أتباع فلان و يا أصحاب فلان فينادى كل قوم باسم إمامهم يقول أمير المؤمنين ع لا يدخل الجنة يومئذ إلا من كان في الدنيا عارفا بإمامه و من يعرفه إمامه في الآخرة فإن الأئمة تعرف أتباعها يوم القيامة و إن لم يكونوا رأوهم في الدنيا كما أن النبي ص يشهد للمسلمين و عليهم و إن لم يكن رأى أكثرهم قال سبحانه فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً و(10/138)


جاء في الخبر شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 155المرفوع من مات بغير إمام مات ميتة جاهليةو أصحابنا كافة قائلون بصحة هذه القضية و هي أنه لا يدخل الجنة إلا من عرف الأئمة أ لا ترى أنهم يقولون الأئمة بعد رسول الله ص فلان و فلان و يعدونهم واحدا واحدا فلو أن إنسانا لا يقول بذلك لكان عندهم فاسقا و الفاسق لا يدخل الجنة عندهم أبدا أعني من مات على فسقه فقد ثبت أن هذه القضية و هي قوله ع لا يدخل الجنة إلا من عرفهم قضية صحيحة على مذهب المعتزلة و ليس قوله و عرفوه بمنكر عند أصحابنا إذا فسرنا قوله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ على ما هو الأظهر و الأشهر من التفسيرات و هو ما ذكرناه. و بقيت القضية الثانية ففيها الإشكال و هي قوله ع و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه و ذلك أن لقائل أن يقول قد يدخل النار من لم ينكرهم مثل أن يكون إنسان يعتقد صحة إمامة القوم الذين يذهب أنهم أئمة عند المعتزلة ثم يزني أو يشرب الخمر من غير توبة فإنه يدخل النار و ليس بمنكر للأئمة فكيف يمكن الجمع بين هذه القضية و بين الاعتزال فالجواب أن الواو في قوله و أنكروه بمعنى أو كما في قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فالإنسان المفروض في السؤال و إن كان لا ينكر الأئمة إلا أنهم ينكرونه أي يسخطون يوم القيامة أفعاله يقال أنكرت فعل فلان أي كرهته فهذا هو تأويل الكلام على مذهبنا فأما الإمامية فإنهم يحملون ذلك على تأويل آخر و يفسرون قوله و لا يدخل النار فيقولون أراد و لا يدخل النار دخولا مؤبدا إلا من ينكرهم و ينكرونه. شرح نهج البلاغة ج : 9 : 156ثم ذكر ع شرف الإسلام و قال إنه مشتق من السلامة و إنه جامع للكرامة و إن الله قد بين حججه أي الأدلة على صحته. ثم بين ما هذه الأدلة فقال من ظاهر علم و باطن حكم أي حكمه من هاهنا للتبيين و التفسير كما تقول دفعت إليه سلاحا من سيف و رمح و(10/139)


سهم و يعني بظاهر علم و باطن حكم و القرآن أ لا تراه كيف أتى بعده بصفات و نعوت لا تكون إلا للقرآن من قوله لا تفنى عزائمه أي آياته المحكمة و براهينه العازمة أي القاطعة و لا تنقضي عجائبه لأنه مهما تأمله الإنسان استخرج منه بفكر غرائب عجائب لم تكن عنده من قبل. فيه مرابيع النعم المرابيع الأمطار التي تجي ء في أول الربيع فتكون سببا لظهور الكلأ و كذلك تدبر القرآن سبب للنعم الدينية و حصولها. قوله قد أحمى حماه و أرعى مرعاه الضمير في أحمى يرجع إلى الله تعالى أي قد أحمى الله حماه أي عرضه لأن يحمى كما تقول أ قتلت الرجل أي عرضته لأن يقتل و ضربته أي عرضته لأن يضرب أي قد عرض الله تعالى حمى القرآن و محارمه لأن يجتنب و مكن منها و عرض مرعاه لأن يرعى أي مكن من الانتفاع بما فيه من الزواجر و المواعظ لأنه خاطبنا بلسان عربي مبين و لم يقنع ببيان ما لا نعلم إلا بالشرع حتى نبه في أكثره على أدلة العقل
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 153157- و من خطبة له عوَ هُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ وَ يَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ بِلَا سَبِيلٍ قَاصِدٍ وَ لَا إِمَامٍ قَائِدٍ
يصف إنسانا من أهل الضلال غير معين بل كما تقول رحم الله امرأ اتقى ربه و خاف ذنبه و بئس الرجل رجل قل حياؤه و عدم وفاؤه و لست تعني رجلا بعينه. و يهوي يسقط و السبيل القاصد الطريق المؤدية إلى المطلوب. و الإمام إما الخليفة و إما الأستاذ أو الدين أو الكتاب على كل من هؤلاء تطلق هذه اللفظة(10/140)


مِنْهَا حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ وَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِيبِ غَفْلَتِهِمْ اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَ اسْتَدْبَرُوا مُقْبِلًا فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ وَ لَا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 158وَ إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَ نَفْسِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ وَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ انْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِي الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي وَ الضَّلَالَ فِي الْمَغَاوِي وَ لَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ وَ اسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَ اخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ وَ أَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيمَا جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ص مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَ لَا مَحِيصَ عَنْهُ وَ خَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ وَ دَعْهُ وَ مَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَ ضَعْ فَخْرَكَ وَ احْطُطْ كِبْرَكَ وَ اذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ وَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَ كَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ وَ مَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ وَ قَدِّمْ لِيَوْمِكَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ وَ الْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
فاعل كشف هو الله تعالى و قد كان سبق ذكره في الكلام و إنما كشف لهم عن جزاء معصيتهم بما أراهم حال الموت من دلائل الشقوة و العذاب
فقد ورد في الخبر الصحيح أنه لا يموت ميت حتى يرى مقره من جنة أو نار(10/141)


و لما انفتحت أعين أبصارهم عند مفارقة الدنيا سمى ذلك ع استخراجا لهم من جلابيب غفلتهم كأنهم كانوا من الغفلة و الذهول في لباس نزع عنهم. قال استقبلوا مدبرا أي استقبلوا أمرا كان في ظنهم و اعتقادهم مدبرا عنهم و هو الشقاء و العذاب و استدبروا مقبلا تركوا وراء ظهورهم ما كانوا خولوه من الأولاد و الأموال و النعم و في قوة هذا الكلام أن يقول عرفوا ما أنكروه و أنكروا ما عرفوه شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 159و روي أحذركم و نفسي هذه المزلة مفعلة من الزلل و في قوله و نفسي لطافة رشيقة و ذلك لأنه طيب قلوبهم بأن جعل نفسه شريكة م في هذا التحذير ليكونوا إلى الانقياد أقرب و عن الإباء و النفرة أبعد بطريق جدد لاحب. و المهاوي جمع مهواة و هي الهوة يتردى فيها. و المغاوي جمع مغواة و هي الشبهة التي يغوى بها الناس أي يضلون. يصف الأمور التي يعين بها الإنسان أرباب الضلال على نفسه و هي أن يتعسف في حق يقوله أو يأمر به فإن الرفق أنجح و أن يحرف المنطق فإن الكذب لا يثمر خيرا و أن يتخوف من الصدق في ذات الله قال سبحانه إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ فذم من لا يصدق و يجاهد في الحق. قوله و اختصر من عجلتك أي لا تكن عجلتك كثيرة بل إذا كانت لك عجلة فلتكن شيئا يسيرا. و تقول أنعمت النظر في كذا أي دققته من قولك أنعمت سحق الحجر و قيل إنه مقلوب أمعن. و النبي الأمي إما الذي لا يحسن الكتابة أو المنسوب إلى أم القرى و هي مكة. و لا محيص عنه لا مفر و لا مهرب حاص أي تخلص من أمر كان شب فيه. قوله فإن عليه ممرك أي ليس القبر بدار مقام و إنما هو ممر و طريق إلى الآخرة. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 160و كما تدين تدان أي كما تجازي غيرك تجازى بفعلك و بحسب ما عملت و منه قوله سبحانه إِنَّا لَمَدِينُونَ أي مجزيون و منه الديان في صفة الله تعالى. قوله وما تزرع تحصد معنى قد قاله الناس بعده كثيرا قال الشاعر(10/142)

37 / 151
ع
En
A+
A-