المدائني قال لما أدبر طلحة و هو جريح يرتاد مكانا ينزله جعل يقول لمن يمر به من أصحاب علي ع أنا طلحة من يجيرني يكررها قال فكان الحسن البصري إذا ذكر ذلك يقول لقد كان في جوار عريض
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 149116- و من كلام له ع قبل موتهأَيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ وَ الْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ كَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ مُحَمَّداً ص فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ رَبٌّ رَحِيمٌ وَ دِينٌ قَوِيمٌ وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ أَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ غَفَرَ اللَّهُ لِي وَ لَكُمْ إِنْ ثَبَتَتِ الْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ فَذَاكَ وَ إِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَ مَهَبِّ رِيَاحٍ وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَ عَفَا فِي الْأَرْضِ مَخَطُّهَا وَ إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَ صَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظَكُمْ هُدُوئِي وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِي وَ سُكُونُ أَطْرَافِي فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِيغِ وَ الْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ شرح نهج البلاغة : 9 ص : 117وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلَاقِي غَداً تَرَوْنَ(10/103)


أَيَّامِي وَ يَكْشِفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي وَ تَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَ قِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي
أطردت الرجل إذا أمرت بإخراجه و طرده و طردته إذا نفيته و أخرجته فالإطراد أدل على العز و القهر من الطرد و كأنه ع جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم و إبعادهم عنه أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي و أي وقت يكون بعينه و في أي أرض يكون يوما يوما فإذا لم أجده في اليوم أطردته و استقبلت غده فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده و أطرده و أستأنف يوما آخر هكذا حتى وقع المقدور و هذا الكلام يدل على أنه لم يكن يعرف حال قتله معرفة مفصلة من جميع الوجوه و أن رسول الله ص أعلمه بذلك علما مجملا لأنه قد ثبت
أنه ص قال له ستضرب على هذه و أشار إلى هامته فتخضب منها هذه و أشار إلى لحيته(10/104)


و ثبت أنه ص قال له أ تعلم من أشقى الأولين قال نعم عاقر الناقة فقال له أ تعلم من أشقى الآخرين قال لا قال من يضربك هاهنا فيخضب هذه و كلام أمير المؤمنين ع يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته أ لا تراه يقول إن ثبتت الوطأة في هذه المزلة فذاك و إن تدحض فإنما كنا في أفياء أغصان و مهاب رياح أي إن سلمت فذاك الذي تطلبونه يخاطب أهله و أولاده و لا ينبغي أن يقال فذاك ما أطلبه لأنه ع كان يطلب الآخرة شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 118أكثر من الدنيا و في كلامه المنقول عنه ما يؤكد ما قلناه و هو قوله إن عشت فأنا ولي دمي و إن مت فضربة بضربة. و ليس قوله ع و أنا اليوم عبرة لكم و غدا مفارقكم و ما يجري مجراه من ألفاظ الفصل بناقض لما ناه و ذلك لأنه لا يعني غدا بعينه بل ما يستقبل من الزمان كما يقول الإنسان الصحيح أنا غدا ميت فما لي أحرص على الدنيا و لأن الإنسان قد يقول في مرضه الشديد لأهله و ولده ودعتكم و أنا مفارقكم و سوف يخلو منزلي مني و تتأسفون على فراقي و تعرفون موضعي بعدي كله على غلبة الظن و قد يقصد الصالحون به العظة و الاعتبار و جذب السامعين إلى جانب التقوى و ردعهم عن الهوى و حب الدنيا. فإن قلت فما تصنع بقوله ع لابن ملجم
أريد حباءه و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
و قول الخلص من شيعته فهلا تقتله فقال فكيف أقتل قاتلي و تارة قال إنه لم يقتلني فكيف أقتل من لم يقتل و كيف قال في البط الصائح خلفه في المسجد ليلة ضربه ابن ملجم
دعوهن فإنهن نوائح و كيف قال تلك الليلة
إني رأيت رسول الله ص فشكوت إليه و قلت ما لقيت من أمتك من الأود و اللدد فقال ادع الله عليهم فقلت اللهم أبدلني بهم خيرا منهم و أبدلهم بي شرا مني(10/105)


و كيف قال إني لا أقتل محاربا و إنما أقتل فتكا و غيلة يقتلني رجل خامل الذكر. و قد جاء عنه ع من هذا الباب آثار كثيرة. قلت كل هذا لا يدل على أنه كان يعلم الأمر مفصلا من جميع الوجوه أ لا ترى أنه شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 119ليس في الأخبار و الآثار ما يدل علىلوقت الذي يقتل فيه بعينه و لا على المكان الذي يقتل فيه بعينه و أما ابن ملجم فمن الجائز أن يكون علم أنه هو الذي يقتله و لم يعلم علما محققا أن هذه الضربة تزهق نفسه الشريفة منها بل قد كان يجوز أن يبل و يفيق منها ثم يكون قتله فيما بعد على يد ابن ملجم و إن طال الأمد و ليس هذا بمستحيل و قد وقع مثله فإن عبد الملك جرح عمرو بن سعيد الأشدق في أيام معاوية على منافرة كانت بينهما فعفا عمرو عنه ثم كان من القضاء و القدر أن عبد الملك قتل عمرا أيضا بيده ذبحا كما تذبح الشاة. و أما قوله في البط دعوهن فإنهن نوائح فلعله علم أنه تلك الليلة يصاب و يجرح و إن لم يعلم أنه يموت منه و النوائح قد ينحن على المقتول و قد ينحن على المجروح و المنام و الدعاء لا يدل على العلم بالوقت بعينه و لا يدل على أن إجابة دعائه تكون على الفور لا محالة. ثم نعود إلى الشرح أما قوله كل امرئ لاق ما يفر منه في فراره أي إذا كان مقدورا و إلا فقد رأينا من يفر من الشي ء و يسلم لأنه لم يقدر و هذا من قوله تعالى وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و قوله لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ و من قوله تعالى قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي َفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ و في القرآن العزيز مثل هذا كثير. قوله و الأجل مساق النفس أي الأمر الذي تساق إليه و تنتهي عنده و تقف إذا بلغته فلا يبقى له حينئذ أكلة في الدنيا. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 120قوله و الهرب منه موافاته هذا كلام خارج مخرالمبالغة في عدم النجاة و كون الفرار غير مغن و لا عاصم من الموت يقول(10/106)


الهرب بعينه من الموت موافاة للموت أي إتيان إليه كأنه لم يرتض بأن يقول الهارب لا بد أن ينتهي إلى الموت بل جعل نفس الهرب هو ملاقاة الموت. قوله أبحثها أي أكشفها و أكثر ما يستعمل بحث معدى بحرف الجر و قد عداه هاهنا إلى الأيام بنفسه و إلى مكنون الأمر بحرف الجر و قد جاء بحثت الدجاجة التراب أي نبشته. قوله فأبى الله إلا إخفاءه هيهات علم مخزون تقديره هيهات ذلك مبتدأ و خبره هيهات اسم للفعل معناها بعد أي علم هذا العيب علم مخزون مصون لم أطلع عليه. فإن قلت ما معنى قوله كم أطردت الأيام أبحثها و هل علم الإنسان بموته كيف يكون و في أي وقت يكون و في أي أرض يكون مما يمكن استدراكه بالنظر و الفكر و البحث. قلت مراده ع أني كنت في أيام رسول الله ص أسأله كثيرا عن هذا الغيب فما أنبأني منه إلا بأمور إجمالية غير مفصلة و لم يأذن الله تعالى في اطلاعي على تفاصيل ذلك. قوله فالله لا تشركوا به شيئا الرواية المشهورة فالله بالنصب و كذلك محمدا بتقدير فعل لأن الوصية تستدعي الفعل بعدها أي وحدوا الله و قد روي بالرفع و هو جائز على المبتدأ و الخبر. قوله أقيموا هذين العمودين و أوقدوا هذين المصباحين و خلاكم ذم ما لم تشردوا كلام داخل في باب الاستعارة شبه الكتاب و السنة بعمودي الخيمة و بمصباحين شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 121يستضاء بهما و خلاكم ذم كلمة جارية مجرى المثل معناها و لا ذم عليكم فقد أعذرتم و ذم مرفوع بالفاعلية معناه عداكم و سقط كم. فإن قلت إذا لم يشركوا بالله و لم يضيعوا سنة محمد ص فقد قاموا بكل ما يجب و انتهوا عن كل ما يقبح فأي حاجة له إلى أن يستثني و يقول ما لم تشردوا و إنما كان يحتاج إلى هذه اللفظة لو قال وصيتي إليكم أن توحدوا الله و تؤمنوا بنبوة محمد ص كان حينئذ يحتاج إلى قوله ما لم تشردوا و يكون مراده بها فعل الواجبات و تجنب المقبحات لأنه ليس في الإقرار بالوحدانية و الرسالة العمل بل العمل خارج عن ذلك فوجب(10/107)

30 / 151
ع
En
A+
A-