و في حديث أبي هريرة من أكل لحم أخيه حيا قرب إليه لحمه في الآخرة فقيل له كله ميتا كما أكلته حيا فيأكله و يضج و يكلح
و روي أن رجلين كانا عند باب المسجد فمر بهما رجل كان مخنثا فترك ذلك فقالا لقد بقي عنده منه شي ء فأقيمت الصلاة فصليا مع الناس و ذلك يجول في أنفسهما فأتيا عطاء بن أبي رباح فسألاه فأمرهما أن يعيدا الوضوء و الصلاة و إن كانا صائمين أن يقضيا صيام ذلك اليوم. و عنمجاهد وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الهمزة الطعان في الناس و اللمزة النمام. و عن الحسن و الله للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في الجسد. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 62بعضهم أدركنا السلف و هم لا يرون العبادة في الصوم و لا في الصلاة و لكن في الكف عن أعض الناس. ابن عباس إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك و هذا مشتق من كلام أمير المؤمنين ع. أبو هريرة يبصر أحدهما القذى في عين أخيه و لا يبصر الجذع في عين نفسه و هذا كالأول. الحسن يا ابن آدم إنك إن قضيت حقيقة الإيمان فلا تعب الناس بعيب هو فيك حتى تبدأ بإصلاح ذلك العيب من نفسك فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك و أحب العباد إلى الله من كان هكذا. و
يروى أن المسيح ع مر على جيفة كلب فقال بعض التلامذة ما أشد نتنه فقال المسيح ما أشد بياض أسنانه
كأنه نهاهم عن غيبة الكلب و نبههم إلى أنه لا ينبغي أن يذكر من كل شي ء إلا أحسنه. و سمع علي بن الحسين ع رجلا يغتاب آخر فقال إن لكل شي ء إداما و إدام كلاب الناس الغيبة و في خطبة حجة الوداع أيها الناس إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إن الله حرم الغيبة كما حرم المال و الدم
عمر ما يمنعكم إذا رأيتم من يخرق أعراض الناس أن تعربوا عليه أي تقبحوا قالوا نخاف سفهه و شره قال ذلك أدنى ألا تكونوا شهداء(10/53)


أنس يرفعه من مات على الغيبة حشر يوم القيامة مزرقة عيناه ينادى بالويل و الندامة يعرف أهله و لا يعرفونه
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 63و قال هشام بن عبد الملك في بعض ولد الوليد بن عقبةأبلغ أبا وهب إذا ما لقيته بأنك شر الناس غيبا لصاحب فتبدي له بشرا إذا ما لقيته و تلسعه بالغيب لسع العقاربمر الشعبي بقوم يغتابونه في المسجد و فيهم بعض أصدقائه فأخذ بعضادتي الباب و قال
هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت
و من كلام بعض الحكماء أبصر الناس بالعوار المعوار هذا مثل قول الشاعر
و أجرأ من رأيت بظهر غيب على عيب الرجال ذوو العيوب
قيل لشبيب بن شبة بن عقال ما بال عبد الله بن الأهتم يغتابك و ينتقصك قال لأنه شقيقي في النسب و جاري في البلد و شريكي في الصنعة. دخل أبو العيناء على المتوكل و عنده جلساؤه فقال له يا محمد كلهم كانوا في غيبتك منذ اليوم و لم يبق أحد لم يذممك غيري فقال
إذا رضيت عني كرام عشيرتي فلا زال غضبان علي لئامها
قال بعضهم بت بالبصرة ليلة مع المسجديين فلما كان وقت السحر حركهم واحد فقال إلى كم هذا النوم عن أعراض الناس و قيل لشاعر وصله بعض الرؤساء و أنعم عليه ما صنع بك فلان قال ما وفت نعمته بإساءته منعني لذة الثلب و حلاوة الشكوى. أعرابي من عاب سفلة فقد رفعه و من عاب شريفا فقد وضع نفسه. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 64نظر بعض السلف إلى رجل يغتاب رجلا و قال يا هذا إنك تملي على حافظيك كتابا فانظر ما ذا تقول. ابن عباس ما الأسد الضاري على فريسة بأسرع من الدني ء في عرض السري بعضهو مطروفة عيناه عن عيب نفسه فإن لاح عيب من أخيه تبصرا(10/54)


و قالت رابعة العدوية إذا نصح الإنسان لله أطلعه الله تعالى على مساوئ عمله فتشاغل بها عن ذكر مساوئ خلقه. قال عبد الله بن عروة بن الزبير لابنه يا بني عليك بالدين فإن الدنيا ما بنت شيئا إلا هدمه الدين و إذا بنى الدين شيئا لم تستطع الدنيا هدمه أ لا ترى علي بن أبي طالب و ما يقول فيه خطباء بني أمية من ذمه و عيبه و غيبته و الله لكأنما يأخذون بناصيته إلى السماء أ لا تراهم كيف يندبون موتاهم و يرثيهم شعراؤهم و الله لكأنما يندبون جيف الحمر. و من كلام بعض الصالحين الورع في المنطق أشد منه في الذهب و الفضة لأنك إذا استودعك أخوك مالا لم تجد بك نفسك لخيانة فيه و قد استودعك عرضه و أنت تغتابه و لا تبالي. كان محمد بن سيرين قد جعل على نفسه كلما اغتاب أحدا أن يتصدق بدينار و كان إذا مدح أحدا قال هو كما يشاء الله و إذا ذمه قال هو كما يعلم الله. الأحنف في خلتان لا أغتاب جليسي إذا قام عني و لا أدخل بين القوم فيما لم يدخلوني فيه. قيل لرجل من العرب من السيد فيكم قال الذي إذا أقبل هبناه و إذا أدبر اغتبناه. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 65قيل للربيع بن خيثم ما نراك تعيب أحدا فقال لست راضيا على نفسي فأتفرغ لذكر عيوب الناس ثم قاللنفسي أبكي لست أبكي لغيرها لنفسي في نفسي عن الناس شاغل
عبد الله بن المبارك قلت لسفيان ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة ما سمعته يغتاب عدوا قال هو و الله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها. سئل فضيل عن غيبة الفاسق فقال لا تشتغل بذكره و لا تعود لسانك الغيبة أشغل لسانك بذكر الله و إياك ذكر الناس فإن ذكر الناس داء و ذكر الله دواء. بعض الشعراء
و لست بذي نيرب في الصديق خئون العشيرة سبابهاو لا من إذا كان في مجلس أضاع القبيلة و اغتابهاو لكن أبجل ساداتها و لا أتعلم ألقابها(10/55)


و كان يقال الغيبة فاكهة القراء و قيل لإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة أي اللحمان أطيب قال لحوم الناس هي و الله أطيب من لحوم الدجاج و الدراج يعني الغيبة. ابن المغيرة لا تذكر الميت بسوء فتكون الأرض أكتم عليه منك. و كان عبد الملك بن صالح الهاشمي إذا ذكر عنده الميت بسوء يقول كفوا عن أسارى الثرى. و
في الأثر سامع الغيبة أحد المغتابين
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 66أبو نواسما حطك الواشون من رتبة عندي و ما ضرك مغتاب كأنهم أثنوا و لم يعلموا عليك عندي بالذي عابواالحسن ذم الرجل في السر مدح له في العلانية.
علي ع الغيبة جهد العاجز
أخذه المتنبي فقال
و أكبر نفسي عن جزاء بغيبة و كل اغتياب جهد من ما له جهد
بلغ الحسن أن رجلا اغتابه فأهدى إليه طبقا من رطب فجاءه الرجل معتذرا و قال أصلحك الله اغتبتك فأهديت لي قال إنك أهديت إلي حسناتك فأردت أن أكافئك. أتى رجل عمرو بن عبيد الله فقال له إن الأسواري لم يزل أمس يذكرك و يقول عمرو الضال فقال له يا هذا و الله ما رعيت حق مجالسة الرجل حين نقلت إلينا حديثه و لا رعيت حقي حين بلغت عن أخي ما أكرهه أعلمه أن الموت يعمنا و البعث يحشرنا و القيامة تجمعنا و الله يحكم بيننا
حكم الغيبة في الدين(10/56)


و اعلم أن العلماء ذكروا في حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرت نقصانا في بدنه مثل أن تقول الأقرع أو الأعور أو في نسبه نحو أن تقول ابن النبطي و ابن الإسكاف أو الزبال أو الحائك أو خلقه نحو سيئ الخلق أو بخيل شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 67أو متك أو في أفعاله الدنيئة نحو قولك كذاب و ظالم و متهاون بالصلاة أو الدنيوية نحو قولك قليل الأدب متهاون بالناس كثير الكلام كثير الأكل أو في ثوبه كقولك وسخ الثياب كبير العمامة طويل الأذيال. و قد قال قوم لا غيبة في أمور الدين لأن المغتاب إنما ذم ما ذمه الله تعالى و احتجوا بما روي أنه ذكر لرسول الله ص امرأة و كثرة صومها و صلاتها و لكنها تؤذي جارتها فقال هي في النار و لم ينكر عليهم غيبتهم إياها.
و روي أن امرأة ذكرت عنده ع بأنها بخيلة فقال فما خيرها إذن
و أكثر العلماء على أن الغيبة في أمور الدين محرمة أيضا و ادعوا الإجماع على أن من ذكر غيره بما يكرهه فهو مغتاب سواء أ كان في الدين أو في غيره قالوا و المخالف مسبوق بهذا الإجماع و قالوا و
قد روي عن النبي ص أنه قال هل تدرون ما الغيبة قالوا الله و رسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكرهه فقائل قال أ رأيت يا رسول الله إن كان ذلك في أخي قال إن كان فيه فقد اغتبته و إن لم يكن فقد بهته
قالوا و روى معاذ بن جبل أن رجلا ذكر عند رسول الله ص فقال قوم ما أعجزه فقال ع اغتبتم صاحبكم فقالوا قلنا ما فيه فقال إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه(10/57)

20 / 151
ع
En
A+
A-