لا يصدرون عنه إلا و هم جزر السيوف و لا يعبون بعده في حسي لأنهم هلكوا فلا يشربون بعده البارد العذب. و كان عمرو بن الليث الصفار أمير خراسان أنفذ جيشا لمحاربة إسماعيل بن أحمد الساماني فانكسر ذلك الجيش و عادوا إلى عمرو بن الليث فغضب و لقي القواد بكلام غليظ فقال له بعضهم أيها الأمير إنه قد طبخ لك مرجل عظيم و إنما نلنا منه لهمة يسيرة و الباقي مذخور لك فعلام تتركه اذهب إليهم فكله فسكت عمرو بن الليث عنه و لم يجب.
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 38و مرادنا من هذه المشابهة و المناسبة بين الكنايتينمِنْهُ فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلَادِهَا تَقُولُونَ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا وَ نَازَعْتُكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِي وَ ظَلَمَانِي وَ نَكَثَا بَيْعَتِي وَ أَلَّبَا النَّاسَ عَلَيَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا وَ لَا تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا وَ أَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيمَا أَمَّلَا وَ عَمِلَا وَ لَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ الْقِتَالِ وَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ فَغَمَطَا النِّعْمَةَ وَ رَدَّا الْعَافِيَةَ(10/33)
العوذ النوق الحديثات النتاج الواحدة عائذ مثل حائل و حول و قد يقال ذلك للخيل و الظباء و يجمع أيضا على عوذان مثل راع و رعيان و هذه عائذة بينة العئوذ و ذلك إذا ولدت عن قريب و هي في عياذها أي بحدثان نتاجها. و المطافيل جمع مطفل و هي التي زال عنها اسم العياذ و معها طفلها و قد تسمى المطافيل عوذا إلى أن يبعد العهد بالنتاج مجازا و على هذا الوجه قال أمير المؤمنين إقبال العوذ المطافيل و إلا فالاسمان معا لا يجتمعان حقيقة و إذا زال الأول ثبت الثاني. قوله و ألبا الناس علي أي حرضا يقال حسود مؤلب. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص 39و استثبتهما بالثاء المعجمة بثلاث طلبت منهما أن يثوبا أي يرجعا و سمي المنزل مثابة لأن أهله ينصرفون في أمورهم ثم يثوبون إليه و يروى و لقد استتبتهما أي طلبت منهما أن يتوبا إلى الله من ذنبهما في نقض البيعة. و استأنيت بهما من الإناءة و الانتظار. و الوقاع بكسر الواو مصدر واقعتهم في الحرب وقاعا مثل نازلتهم نزالا و قاتلتهم قتالا. و غمط فلان النعمة إذا حقرها و أزرى بها غمطا و يجوز غمط النعمة بالكسر و المصدر غير محرك و يقال إن الكسر أفصح من الفتح. يقول ع إنكم أقبلتم مزدحمين كما تقبل النوق إلى أولادها تسألونني البيعة فامتنعت عليكم حتى علمت اجتماعكم فبايعتكم ثم دعا علي على طلحة و الزبير بعد أن وصفهما بالقطيعة و النكث و التأليب عليه بأن يحل الله تعالى ما عقدا و ألا يحكم لهما ما أبرما و أن يريهما المساءة فيما أملا و عملا. فأما الوصف لهما بما وصفهما به فقد صدق ع فيه و أما دعاؤه فاستجيب له و المساءة التي دعا بها هي مساءة الدنيا لا مساءة الآخرة فإن الله تعالى قد وعدهما على لسان رسوله بالجنة و إنما استوجباها بالتوبة التي ينقلها أصحابنا رحمهم الله في كتبهم عنهما و لولاها لكانا من الهالكين(10/34)
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 13840- و من خطبة له ع يومئ فيها إلى ذكر الملاحميَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى وَ يَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ
هذا إشارة إلى إمام يخلقه الله تعالى في آخر الزمان و هو الموعود به في الأخبار و الآثار و معنى يعطف الهوى يقهره و يثنيه عن جانب الإيثار و الإرادة عاملا عمل الهدى فيجعل الهدى قاهرا له و ظاهرا عليه. و كذلك قوله و يعطف الرأي على القرآن أي يقهر حكم الرأي و القياس و العمل بغلبة الظن عاملا عمل القرآن. و قوله إذا عطفوا الهدى و إذا عطفوا القرآن إشارة إلى الفرق المخالفين لهذا الإمام المشاقين له الذين لا يعملون بالهدى بل بالهوى و لا يحكمون بالقرآن بل بالرأي شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 4مِنْهَا حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاقٍ بَادِياً نَوَاجِذُهَا مَمْلُوءَةً أَخْلَافُهَا حُلْواً رَضَاعُهَا عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا أَلَا وَ فِي غَدٍ وَ سَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا وَ تَخْرُجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وَ تُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ وَ يُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ
الساق الشدة و منه قوله تعالى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ. و النواجذ أقصى الأضراس و الكلام كناية عن بلوغ الحرب غايتها كما أن غاية الضحك أن تبدو النواجذ. قوله مملوءة أخلافها و الأخلاف للناقة حلمات الضرع واحدها خلف و كذلك و قوله حلوا رضاعها علقما عاقبتها قد أخذه الشاعر فقال(10/35)
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا اشتعلت و شب ضرامها عادت عجوزا غير ذات حليل شمطاء جزت رأسها و تنكرت مكروهة للشم و التقبي شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 42و هو الرضاع بالفتح و الماضي رضع بالكسر مثل سمع سماعا و أهل نجد يقولون رضع بالفتح يرضع بالكسر رضعا مثل ضرب يضرب ضربا و أنشدواو ذموا لنا الدنيا و هم يرضعونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعل
بكسر الضاد
فصل في الاعتراض و إيراد مثل منه
و قوله ألا و في غد تمامه يأخذ الوالي و بين الكلام جملة اعتراضية و هي قوله و سيأتي غد بما لا تعرفون و المراد تعظيم شأن الغد الموعود بمجيئه و مثل ذلك في القرآن كثير نحو قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فقوله تعالى إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ هو الجواب المتلقى به قوله فَلا أُقْسِمُ و قد اعترض بينهما قوله وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ و اعترض بين هذا الاعتراض قوله لَوْ تَعْلَمُونَ لأنك لو حذفته لبقي الكلام على إفادته و هو قوله و إنه لقسم عظيم و المراد تعظيم شأن ما أقسم به من مواقع النجوم و تأكيد إجلاله في النفوس و لا سيما بقوله لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. و من ذلك قوله تعالى وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فقوله سُبْحانَهُ اعتراض و المراد التنزيه و كذلك قوله تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ ف لَقَدْ عَلِمْتُمْ اعتراض و المراد به تقرير إثبات البراءة من تهمة السرقة. و كذلك قوله وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 43مُفْتَرٍ فاعترض بين إذا و جوابها بقوله وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ فكأنه أراد أن يجيبهم عن دعواهم فجعل الجواب اعتراضا. و من ذلك(10/36)
قوله وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلىَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ فاعترض بقوله حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ بين وَصَّيْنَا و بين الموصى به و فائدة ذلك إذكار الولد بما كابدته أمه من المشقة في حمله و فصاله. و من ذلك قوله وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها فقوله وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ اعتراض بين المعطوف و المعطوف عليه و المراد أن يقرر في أنفس السامعين أنه لا ينفع البشر كتمانهم و إخفاؤهم لما يريد الله إظهاره. و من الاعتراض في الشعر قول جرير
و لقد أراني و الجديد إلى بلى في موكب بيض الوجوه كرام
فقوله و الجديد إلى بلى اعتراض و المراد تعزيته نفسه عما مضى من تلك اللذات. و كذلك قول كثير
لو أن الباخلين و أنت منهم رأوك تعلموا منك المطالا
فقوله و أنت منهم اعتراض و فائدته ألا تظن أنها ليست باخلة. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 44و من ذلك قول الشاعرفلو سألت سراة الحي سلمى على أن قد تلون بي زماني لخبرها ذوو أحساب قومي و أعدائي فكل قد بلاني بذبي الذم عن حسبي و مالي و زبونات أشوس تيحان و إني لا أزال أخا حروب إذا لم أجن كنت مجن جافقوله
على أن قد تلون بي زماني
اعتراض و فائدته الإخبار عن أن السن قد أخذت منه و تغيرت بطول العمر أوصافه. و من ذلك قول أبي تمام
رددت رونق وجهي في صحيفته رد الصقال بهاء الصارم الخذم و ما أبالي و خير القول أصدقه حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دميفقوله
و خير القول أصدقه
اعتراض و فائدته إثبات صدقه في دعواه أنه لا يبالي أيهما حقن. فأما قول أبي تمام أيضا
و إن الغنى لي إن لحظت مطالبي من الشعر إلا في مديحك أطوع
فإن الاعتراض فيه هو قوله
إلا في مديحك
و ليس قوله(10/37)