الفلتة الأمر يقع عن غير تدبر و لا روية و في الكلام تعريض ببيعة أبي بكر و قد تقدم لنا في معنى قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها كلام. و الخزامة حلقة من شعر تجعل في أنف البعير و يجعل الزمام فيها. و أعينوني على أنفسكم خذوها بالعدل و أقنعوها عن اتباع الهوى و اردعوها بعقولكم عن المسالك التي ترديها و توبقها فإنكم إذا فعلتم ذلك أعنتموني عليها لأني أعظكم و آمركم بالمعروف و أنهاكم عن المنكر فإذا كبحتم أنفسكم بلجام العقل الداعي إلى ما أدعو إليه فقد أعنتموني عليها. فإن قلت ما معنى قوله أريدكم لله و تريدونني لأنفسكم. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 32قلت لأنه لا يريد من طاعتهم له إلا نصرة دين الله و القيام بحدوده و حقوقه و لا يريدهم لحظ نفسه و أما هم فإنهم يريدونه لحظوظ أنفسهم من العطاء و التقريب و الأسباب الموصلة إلى منافع الدنيا. و هذا الخطاب منه ع لجمهور أصحابفأما الخواص منهم فإنهم كانوا يريدونه للأمر الذي يريدهم له من إقامة شرائع الدين و إحياء معالمه(10/28)


شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 13733- و من كلام له ع في شأن طلحة و الزبيروَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً وَ لَا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نِصْفاً وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ وَ إِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ إِلَّا قِبَلَهُمْ وَ إِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَسْتُ وَ لَا لُبِسَ عَلَيَّ وَ إِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فِيهَا الْحَمَأُ وَ الْحُمَّةُ وَ الشُّبْهَةُ الْمُغْدَفَةُ وَ إِنَّ الْأَمْرَ لَوَاضِحٌ وَ قَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ وَ انْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغْبِهِ وَ ايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ وَ لَا يَعُبُّونَ بَعْدَهُ فِي حِسْيٍ
النصف الإنصاف قال الفرزدق
و لكن نصفا لو سببت و سبني بنو عبد شمس من قريش و هاشم(10/29)


و هو على حذف المضاف أي ذا نصف أي حكما منصفا عادلا يحكم بيني و بينهم و الطلبة بكسر اللام ما طلبته من شي ء و لبست على فلان الأمر و لبس عليه الأمر كلاهما بالتخفيف. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 34و الحمأ الطين الأسود قال سبحانه مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُ و حمة العقرب سمتها أي في هذه الفئة الباغية الضلال و الفساد و الضرر و إذا أرادت العرب أن تعبر عن الضلال و الفساد قالت الحم ء مثله الحمأة بالتاء و من أمثالهم ثأطة مدت بماء يضرب للرجل يشتد موقه و جهله و الثأطة الحمأة و إذا أصابها الماء ازدادت فسادا و رطوبة.و يروى فيها الحما بألف مقصورة و هو كناية عن الزبير لأن كل ما كان بسبب الرجل فهم الأحماء واحدهم حما مثل قفا و أقفاء و ما كان بسبب المرأة فهم الأخاتن فأما الأصهار فيجمع الجهتين جمعا و كان الزبير ابن عمة رسول الله ص و قد كان النبي ص أعلم عليا بأن فئة من المسلمين تبغي عليه أيام خلافته فيها بعض زوجاته و بعض أحمائه فكنى علي ع عن الزوجة بالحمة و هي سم العقرب و يروى و الحم ء يضرب مثلا لغير الطيب و لغير الصافي و ظهر أن الحم ء الذي أخبر النبي ص بخروجه مع هؤلاء البغاة هو الزبير ابن عمته و في الحمأ أربع لغات حما مثل ا و حم ء مثل كم ء و حمو مثل أبو و حم مثل أب. قوله ع و الشبهة المغدفة أي الخفية و أصله المرأة تغدف وجهها بقناعها أي تستره و روي المغدفة بكسر الدال من أغدف الليل أي أظلم. و زاح الباطل أي بعد و ذهب و أزاحه غيره. و عن نصابه عن مركزه و مقره و منه قول بعض المحين.
قد رجع الحق إلى نصابه و أنت من دون الورى أولى به(10/30)


و الشغب بالتسكين تهييج الشر شغب الحقد بالفتح شغبا و قد جاء بالتحريك في لغة ضعيفة و ماضيها شغب بالكسر. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 35و لأفرطن لهم حوضا أي لأملأن يقال أفرطت المزادة أي ملأتها و غدير مفرط أي ملآن. و الماتح بنقطتين من فوق المستقي من فوق و باليامالئ الدلاء من تحت و العب الشرب بلا مص كما تشرب الدابة و
في الحديث الكباد من العب
و الحسي ماء كامن في رمل يحفر عنه فيستخرج و جمعه أحساء. يقول ع و الله ما أنكروا علي أمرا هو منكر في الحقيقة و إنما أنكروا ما الحجة عليهم فيه لا لهم و حملهم على ذلك الحسد و حب الاستئثار بالدنيا و التفضيل في العطاء و غير ذلك مما لم يكن أمير المؤمنين ع يراه و لا يستجيزه في الدين قال و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا يعني وسيطا يحكم و ينصف بل خرجوا عن الطاعة بغتة و إنهم ليطلبون حقا تركوه أي يظهرون أنهم يطلبون حقا بخروجهم إلى البصرة و قد تركوا الحق بالمدينة. قال و دما هم سفكوه يعني دم عثمان و كان طلحة من أشد الناس تحريضا عليه و كان الزبير دونه في ذلك. روي أن عثمان قال ويلي على ابن الحضرمية يعنى طلحة أعطيته كذا و كذا بهارا ذهبا و هو يروم دمي يحرض على نفسي اللهم لا تمتعه به و لقه عواقب بغيه. و روى الناس الذين صنفوا في واقعة الدار أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام و رووا أيضا أنه لما امتنع على الذين شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 36حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها و تسوروا منها على عثمان داره فقتلوه. و رووا أيضا أن الزبير كان يقول اقتلوفقد بدل دينكم فقالوا إن ابنك يحامي عنه بالباب فقال ما أكره أن يقتل عثمان و لو بدئ بابني إن عثمان لجيفة على الصراط غدا. و قال مروان بن الحكم يوم الجمل و الله لا أترك ثأري و أنا أراه و لأقتلن طلحة بعثمان فإنه قتله ثم رماه بسهم فأصاب مأبضه(10/31)


فنزف الدم حتى مات. ثم قال ع إن كنت شريكهم في دم عثمان فإن لهم نصيبهم منه فلا يجوز لهم أن يطلبوا بدمه و هم شركاء فيه و إن كانوا ولوه دوني فهم المطلوبون إذن به لا غيرهم. و إنما لم يذكر القسم الثالث و هو أن يكون هو ع وليه دونهم لأنه لم يقل به قائل فإن الناس كانوا على قولين في ذلك أحدهما أن عليا و طلحة و الزبير مسهم لطخ من عثمان لا بمعنى أنهم باشروا قتله بل بمعنى الإغراء و التحريض و ثانيهما أن عليا ع بري ء من ذلك و أن طلحة و الزبير غير بريئين منه. ثم قال و إن أول عدلهم للحكم على أنفسهم يقول إن هؤلاء خرجوا و نقضوا البيعة و قالوا نما خرجنا للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إظهار العدل و إحياء الحق و إماتة الباطل و أول العدل أن يحكموا على أنفسهم فإنه يجب على الإنسان أن يقضي على نفسه ثم على غيره و إذا كان دم عثمان قبلهم فالواجب أن ينكروا على أنفسهم قبل إنكارهم على غيرهم. شرح نهج الاغة ج : 9 ص : 37قال و إن معي لبصيرتي أي عقلي ما لبست على الناس أمرهم و لا لبس الأمر علي أي لم يلبسه رسول الله ص علي بل أوضحه لي و عرفنيه. ثم قال و إنها للفئة الباغية لام التعريف في الفئة تشعر بأن نصا قد كان عنده أنه ستخرج عليه فئة باغية و لم يعين له وقتها و لا كل صفاتها بل بعض علاماتها فلما خرج أصحاب الجمل و رأى تلك العلامات موجودة فيهم قال و إنها للفئة الباغية أي و إن هذه الفئة أي الفئة التي وعدت بخروجها علي و لو لا هذا لقال و إنها لفئة باغية على التنكير. ثم ذكر بعض العلامات فقال إن الأمر لواضح كل هذا يؤكد به عند نفسه و عند غيره أن هذه الجماعة هي تلك الفئة الموعود بخروجها و قد ذهب الباطل و زاح و خرس لسانه بعد شغبه. ثم أقسم ليملأن لهم حوضا هو ماتحه و هذه كناية عن الحرب و الهيجاء و ما يتعقبهما من القتل و الهلاك لا يصدرون عنه بري أي ليس كهذه الحياض الحقيقية التي إذا وردها الظمآن صدر عن ري و نقع غليله بل(10/32)

15 / 151
ع
En
A+
A-