منكرا و لا ينهاه إلا كما تقتضي الشريعة نهيه عنه و كان عثمان مستضعفا في نفسه رخوا قليل الحزم واهي العقدة و سلم عنانه إلى شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 26مروان يصرفه كيف شاء الخلافة له في المعنى وعثمان في الاسم فلما انتقض على عثمان أمره استصرخ عليا و لاذ به و ألقى زمام أمره إليه فدافع عنه حيث لا ينفع الدفاع و ذب عنه حين لا يغني الذب فقد كان الأمر فسد فسادا لا يرجى صلاحه. قال جعفر فقلت له أ تقول إن عليا وجد من خلافة عثمان أعظم مما وجده من خلافة أبي بكر و عمر فقال كيف يكون ذلك و هو فرع لهما و لولاهما لم يصل إلى الخلافة و لا كان عثمان ممن يطمع فيها من قبل و لا يخطر له ببال و لكن هاهنا أمر يقتضي في عثمان زيادة المنافسة و هو اجتماعهما في النسب و كونهما من بني عبد مناف و الإنسان ينافس ابن عمه الأدنى أكثر من منافسة الأبعد و يهون عليه من الأبعد ما لا يهون عليه من الأقرب. قال جعفر فقلت له أ فتقول لو أن عثمان خلع و لم يقتل أ كان الأمر يستقيم لعلي ع إذا بويع بعد خلعه فقال لا و كيف يتوهم ذلك بل يكون انتقاض الأمور عليه و عثمان حي مخلوع أكثر من انتقاضها عليه بعد قتله لأنه موجود يرجى و يتوقع عوده فإن كان محبوسا عظم البلاء و الخطب و هتف الناس باسمه في كل يوم بل في كل ساعة و إن كان مخلى سربه و ممكنا من نفسه و غير محول بينه و بين اختياره لجأ إلى بعض الأطراف و ذكر أنه مظلوم غصبت خلافته و قهر على خلع نفسه فكان اجتماع الناس عليه أعظم و الفتنة به أشد و أغلظ. قال جعفر فقلت له فما تقول في هذا الاختلاف الواقع في أمر الإمامة من مبدأ الحال و ما الذي تظنه أصله و منبعه فقال لا أعلم لهذا أصلا إلا أمرين أحدهما أن رسول الله ص أهمل أمر الإمامة فلم يصرح فيه بأحد بعينه و إنما كان هناك رمز و إيماء و كناية و تعريض لو أراد صاحبه أن يحتج به وقت الاختلاف و حال المنازعة(10/23)


شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 27لم يقم منه صورة حجة تغني و لا دلالة تحسب و تكفي و لذلك لم يحتج علي ع يوم السقيفة بما ورد فيه لأنه لم يكن نصا جليا يقطع العذر و يوجب الحجة و عادة الملوك إذا تمهد ملكهم و أرادوا العقد لولد من أولادهم أو ثقة من ثقاتهم أن يصرحوا كره و يخطبوا باسمه على أعناق المنابر و بين فواصل الخطب و يكتبوا بذلك إلى الآفاق البعيدة عنهم و الأقطار النائية منهم و من كان منهم ذا سرير و حصن و مدن كثيرة ضرب اسمه على صفحات الدنانير و الدراهم مع اسم ذلك الملك بحيث تزول الشبهة في أمره و يسقط الارتياب بحاله فليس أمر الخلافة بهين و لا صغير ليترك حتى يصير في مظنة الاشتباه و اللبس و لعله كان لرسول الله ص في ذلك عذر لا نعلمه نحن إما خشية من فساد الأمر أو إرجاف المنافقين و قولهم إنها ليس بنبوة و إنما هي ملك به أوصى لذريته و سلالته و لما لم يكن أحد من تلك الذرية في تلك الحال صالحا للقيام بالأمر لصغر السن جعله لأبيهم ليكون في الحقيقة لزوجته التي هي ابنته و لأولاده منها من بعده. و أما ما تقوله المعتزلة و غيرهم من أهل العدل أن الله تعالى علم أن المكلفين يكونون على ترك الأمر مهملا غير معين أقرب إلى فعل الواجب و تجنب القبيح قال و لعل رسول الله ص لم يكن يعلم في مرضه أنه يموت في ذلك المرض و كان يرجو البقاء فيمهد للإمامة قاعدة واضحة و مما يدل على ذلك أنه لما نوزع في إحضار الدواة و الكتف ليكتب لهم ما لا يضلون بعده غضب و قال اخرجوا عني لم يجمعهم بعد الغضب ثانية و يعرفهم رشدهم و يهديهم إلى مصالحهم بل ارجأ الأمر إرجاء من يرتقب الإفاقة و ينتظر العافية. قال فبتلك الأقوال المحجمة و الكنايات المحتملة و الرموز المشتبهة مثل حديث شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 28خصف النعل و منزلة هارون من موسى و من كنت مولاه و هذا يعسوب الدين و لا فتى إلعلي و أحب خلقك إليك... و ما جرى هذا المجرى مما لا يفصل الأمر و يقطع(10/24)


العذر و يسكت الخصم و يفحم المنازع وثبت الأنصار فادعتها و وثب بنو هاشم فادعوها و قال أبو بكر بايعوا عمر أو أبا عبيدة و قال العباس لعلي امدد يدك لأبايعك و قال قوم ممن رعف به الدهر فيما بعد و لم يكن موجودا حينئذ إن الأمر كان للعباس لأنه العم الوارث و إن أبا بكر و عمر غصباه حقه فهذا أحدهما. و أما السبب الثاني للاختلاف فهو جعل عمر الأمر شورى في الستة و لم ينص على واحد بعينه إما منهم أو من غيرهم فبقي في نفس كل واحد منهم أنه قد رشح للخلافة و أهل للملك و السلطنة فلم يزل ذلك في نفوسهم و أذهانهم مصورا بين أعينهم مرتسما في خيالاتهم منازعة إليه نفوسهم طامحة نحوه عيونهم حتى كان من الشقاق بين علي و عثمان ما كان و حتى أفضى الأمر إلى قتل عثمان و كان أعظم الأسباب في قتله طلحة و كان لا يشك أن الأمر له من بعده لوجوه منها سابقته و منها أنه ابن عم لأبي بكر و كان لأبي بكر في نفوس أهل ذلك العصر منزلة عظيمة أعظم منها الآن و منها أنه كان سمحا جوادا و قد كان نازع عمر في حياة أبي بكر و أحب أن يفوض أبو بكر الأمر إليه من بعده فما زال يفتل في الذروة و الغارب في أمر عثمان و ينكر له القلوب و يكدر عليه النفوس و يغري أهل المدينة و الأعراب و أهل الأمصار به و ساعده الزبير و كان أيضا يرجو الأمر لنفسه و لم يكن رجاؤهما الأمر بدون رجاء علي بل رجاؤهما كان أقوى لأن عليا دحضه الأولان و أسقطاه و كسرا ناموسه بين الناس فصار نسيا منسيا و مات الأكثر ممن يعرف خصائصه التي كانت في أيام النبوة و فضله و نشأ قوم لا يعرفونه و لا يرونه إلا رجلا من عرض المسلمين و لم يبق له مما يمت به إلا أنه ابن عم الرسول و زوج ابنته و أبو سبطيه و نسي ما وراء ذلك كله و اتفق له من بغض(10/25)


شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 29قريش و انحرافها ما لم يتفق لأحد و كانت قريش بمقدار ذلك البغض تحب طلحة و الزبير لأن الأسباب الموجبة لبغضهم لم تكن موجودة فيهما و كانا يتألفان قريشا في أواخر أيام عثمان و يعدانهم بالعطاء و الإفضال و هما عند أنفسهما و عند الناس يفتان بالقوة لا بالفعل لأن عمر نص عليهما و ارتضاهما للخلافة و عمر متبع القول و مرضى الفعال موفق مؤيد مطاع نافذ الحكم في حياته و بعد وفاته فلما قتل عثمان أرادها طلحة و حرص عليها فلو لا الأشتر و قوم معه من شجعان العرب جعلوها في علي لم تصل إليه أبدا فلما فاتت طلحة و الزبير فتقا ذلك الفتق العظيم على علي و أخرجا أم المؤمنين معهما و قصدا العراق و أثارا الفتنة و كان من حرب الجمل ما قد علم و عرف ثم كانت حرب الجمل مقدمة و تمهيدا لحرب صفين فإن معاوية لم يكن ليفعل ما فعل لو لا طمعه بما جرى في البصرة ثم أوهم أهل الشام أن عليا قد فسق بمحاربة أم المؤمنين و محاربة المسلمين و أنه قتل طلحة و الزبير و هما من أهل الجنة و من يقتل مؤمنا من أهل الجنة فهو من أهل النار فهل كان الفساد المتولد في صفين إلا فرعا للفساد الكائن يوم الجمل ثم نشأ من فساد صفين و ضلال معاوية كل ما جرى من الفساد و القبيح في أيام بني أمية و نشأت فتنة ابن الزبير فرعا من فروع يوم الدار لأن عبد الله كان يقول إن عثمان لما أيقن بالقتل نص علي بالخلافة و لي بذلك شهود و منهم مروان بن الحكم أ فلا ترى كيف تسلسلت هذه الأمور فرعا على أصل و غصنا من شجرة و جذوة من ضرام هكذا يدور بعضه على بعض و كله من الشورى في الستة. قال و أعجب من ذلك قول عمر و قد قيل له إنك استعملت يزيد بن أبي سفيان و سعيد بن العاص و معاوية و فلانا و فلانا من المؤلفة قلوبهم من الطلقاء و أبناء الطلقاء و تركت أن تستعمل عليا و العباس و الزبير و طلحة فقال أما علي فأنبه من ذلك و أما هؤلاء النفر شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 30من(10/26)


قريش فإني أخاف أن ينتشروا في البلاد فيكثروا فيها الفساد فمن يخاف من تأميرهم لئلا يطمعوا في الملك و يدعيه كل واحد منهم لنفسه كيف لم يخف من جعلهم ستة متساوين في الشورى مرشحين للخلافة و هل شي قرب إلى الفساد من هذا و قد روي أن الرشيد رأى يوما محمدا و عبد الله ابنيه يلعبان و يضحكان فسر بذلك فلما غابا عن عينه بكى فقال له الفضل بن الربيع ما يبكيك يا أمير المؤمنين و هذا مقام جذل لا مقام حزن فقال أ ما رأيت لعبهما و مودة بينهما أما و الله ليتبدلن ذلك بغضا و شنفا و ليحتلسن كل واحد منهما نفس صاحبه عن قريب فإن الملك عقيم و كان الرشيد قد عقد الأمر لهما على ترتيب هذا بعد هذا فكيف من لم يرتبوا في الخلافة بل جعلوا فيها كأسنان المشط. فقلت أنا لجعفر هذا كله تحكيه عن محمد بن سليمان فما تقول أنت فقال
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 13631- و من كلام له علَمْ تَكُنْ بَيْعَتِكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً وَ لَيْسَ أَمْرِي وَ أَمْرُكُمْ وَاحِداً إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ وَ أَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ ايْمُ اللَّهِ لَأُنْصِفَنَّ الْمَظْلُومَ وَ لَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخَزَامَتِهِ حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ كَارِهاً(10/27)

14 / 151
ع
En
A+
A-