المجازي كلا بعمله. قال رجل لسليمان بن عبد الملك و هو جالس للمظالم يا أمير المؤمنين أ لم تسمع قول الله تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ قال ما خطبك قال وكيلك اغتصبني ضيعتي و ضمها إلى ضيعتك الفلانية قال فإن ضيعتي لك و ضيعتك مردودة إليك ثم كتب إلى الوكيل بذلك و بصرفه عن عمله. و رقى إلى كسرى قباذ أن في بطانة الملك قوما قد فسدت نياتهم و خبثت ضمائرهم لأن أحكام الملك جرت على بعضهم لبعضهم فوقع في الجواب أنا أملك الأجساد لا النيات و أحكم بالعدل لا بالهوى و أفحص عن الأعمال لا عن السرائر. و تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم فقال ما علمت في عمالي أعدل و لا أقوم بأمر الرعية و لا أعود بالرفق منه فقال له منهم واحد فلا أحد أولى منك يا أمير المؤمنين بالعدل و الإنصاف و إذا كان بهذه الصفة فمن عدل أمير المؤمنين أن يوليه بلدا بلدا حتى يلحق أهل كل بلد من عدله مثل ما لحقنا منه و يأخذوا بقسطهم منه كما أخذ منه سواهم و إذا فعل أمير المؤمنين ذلك لم يصب الكوفة منه أكثر من ثلاث سنين فضحك و عزله. كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز أما بعد فإن قبلنا قوما لا يؤدون الخراج إلا أن يمسهم نصب من العذاب فاكتب إلى أمير المؤمنين برأيك فكتب أما بعد فالعجب لك كل العجب تكتب إلي تستأذنني في عذاب البشر كأن إذني لك جنة من عذاب الله أو كان رضاي ينجيك من سخط الله فمن أعطاك ما عليه عفوا(12/82)
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 100فخذ منه و من أبى فاستحلفه و كله إلى الله فلأن يلقوا الله بجرائمهم أحب إلي من أن ألقاه بعذابهم. فضيل بن عياض ما ينبغي أن تتكلم بفيك كله أ تدري من كان يتكلم بفيه كله عمر بن الخطاب كان يعدل في رعيته و يجور على نفسه و يطعمهم الب و يأكل الغليظ و يكسوهم اللين و يلبس الخشن و يعطيهم الحق و يزيدهم و يمنع ولده و أهله أعطى رجلا عطاءه أربعة آلاف درهم ثم زاده ألفا فقيل له أ لا تزيد ابنك عبد الله كما تزيد هذا فقال إن هذا ثبت أبوه يوم أحد و إن عبد الله فر أبوه و لم يثبت. و كان يقال لا يكون العمران إلا حيث يعدل السلطان. و كان يقال العدل حصن وثيق في رأس نيق لا يحطمه سيل و لا يهدمه منجنيق. وقع المأمون إلى عامل كثر التظلم منه أنصف من وليت أمرهم و إلا أنصفهم منك من ولي أمرك. بعض السلف العدل ميزان الله و الجور مكيال الشيطان(12/83)
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 210101فَأَجَابَهُ ع رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ يَكْثُرُ فِيهِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ وَ يَذْكُرُ سَمْعَهُ وَ طَاعَتَهُ لَهُ فَقَالَ ع إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلَالُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي نَفْسِهِ وَ جَلَّ مْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ لِعِظَمِ ذَلِكَ كُلُّ مَا سِوَاهُ وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ لَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا ازْدَادَ حَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِ عِظَماً وَ إِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَ يُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وَ قَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ وَ اسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَ لَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَ لَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَ الْكِبْرِيَاءِ وَ رُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ إِلَيْكُمْ مِنَ الْبَقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَ فَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَ لَا تَتَحَفَّظُوا بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَ لَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَ لَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَ لَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ(12/84)
كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 102فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَ ل آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي فَإِنَّمَا أَنَا وَ أَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَ أَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَ أَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى
هذا الفصل و إن لم يكن فيه ألفاظ غريبة سبيلها أن تشرح ففيه معان مختلفة سبيلها أن تذكر و توضح و تذكر نظائرها و ما يناسبها. فمنها قوله ع إن من حق من عظمت نعمة الله عليه أن تعظم عليه حقوق الله تعالى و أن يعظم جلال الله تعالى في نفسه و من حق من كان كذلك أن يصغر عنده كل ما سوى الله. و هذا مقام جليل من مقامات العارفين و هو استحقار كل ما سوى الله تعالى و ذلك أن من عرف الله تعالى فقد عرف ما هو أعظم من كل عظيم بل لا نسبة لشي ء من الأشياء أصلا إليه سبحانه فلا يظهر عند العارف عظمة غيره البتة كما أن من شاهد الشمس المنية يستحقر ضوء القمر و السراج الموضوع في ضوء الشمس حال مشاهدته جرم الشمس بل لا تظهر له في تلك الحال صنوبرة السراج و لا تنطبع صورتها في بصره. و منها قوله ع من أسخف حالات الولاة أن يظن بهم حب الفخر و يوضع شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 103أمرهم على الكبر قال النبي ص لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر
و قال ص لو لا ثلاث مهلكات لصلح الناس شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه(12/85)
و كان يقال ليس لمعجب رأي و لا لمتكبر صديق. و كان أبو مسلم صاحب الدولة يقول ما تاه إلا وضيع و لا فاخر إلا لقيط و لا تعصب إلا دخيل. و قال عمر لبعض ولده التمس الرفعة بالتواضع و الشرف بالدين و العفو من الله بالعفو عن الناس و إياك و الخيلاء فتضع من نفسك و لا تحقرن أحدا لأنك لا تدري لعل من تزدريه عيناك أقرب إلى الله وسيلة منك. و منها قوله ع قد كرهت أن تظنوا بي حب الإطراء و استماع الثناء قد
روي عن النبي ص أنه قال احثوا في وجوه المداحين التراب(12/86)