و فسروا قوله ع و اجعله الوارث منا فقالوا الضمير في و اجعله يرجع إلى الإمتاع. فإن قلت كيف يتقى الإمتاع بالسمع و البصر بعد خروج الروح. قلت هذا توسع في الكلام و المراد لا تبلنا بالعمى و لا الصمم فنكون أحياء في الصورة و لسنا بأحياء في المعنى لأن من فقدهما لا خير له في الحياة فحملته المبالغة على أن طلب بقاءهما بعد ذهاب النفس إيذانا و إشعارا بحبه ألا يبلى بفقدهما. و نفتتن على ما لم يسم فاعله نصاب بفتنة تضلنا عن الدين و روي نفتتن بفتح حرف المضارعة على نفتعل افتتن الرجل أي فتن و لا يجوز أن يكون الافتتان متعديا كما ذكره الراوندي و لكنه قرأ في الصحاح للجوهري و الفتون الافتتان يتعدى و لا يتعدى فظن أن ذلك للافتتان و ليس كما ظن و إنما ذلك راجع إلى الفتون. و التتابع التهافت في اللجاج و الشر و لا يكون إلا في مثل ذلك و روي أو تتابع بطرح إحدى التاءات
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 20988- و من خطبة له ع خطبها بصفينأَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ وَ لَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ وَ الْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وَ أَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ وَ لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ لِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَ جَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَ تَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ(12/72)


الذي له عليهم من الحق هو وجوب طاعته و الذي لهم عليه من الحق هو وجوب معدلته فيهم و الحق أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف معناه أن كل أحد يصف الحق و العدل و يذكر حسنه و وجوبه و يقول لو وليت لعدلت فهو بالوصف باللسان وسيع و بالفعل ضيق لأن ذلك العالم العظيم الذين كانوا يتواصفون حسنه و يعدون أن لو ولوا باعتماده و فعله لا تجد في الألف منهم واحدا لو ولي لعدل و لكنه قول بغير عمل. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 89ثم عاد إلى تقرير الكلام الأول و هو وجوب الحق له و عليه فقال إنه لا يجري لأحد إلا و جرى عليه و كذ لا يجري عليه إلا و جرى له أي ليس و لا واحد من الموجودين بمرتفع عن أن يجري الحق عليه و لو كان أحد من الموجودين كذلك لكان أحقهم بذلك البارئ سبحانه لأنه غاية الشرف بل هو فوق الشرف و فوق الكمال و التمام و هو مالك الكل و سيد الكل فلو كان لجواز هذه القضية وجه و لصحتها مساغ لكان البارئ تعالى أولى بها و هي ألا يستحق عليه شي ء و تقدير الكلام لكنه يستحق عليه أمور فهو في هذا الباب كالواحد منا يستحق و يستحق عليه و لكنه ع حذف هذا الكلام المقدر أدبا و إجلالا لله تعالى أن يقول إنه يستحق عليه شي ء. فإن قلت فما بال المتكين لا يتأدبون بأدبه ع و كيف يطلقون عليه تعالى الوجوب و الاستحقاق. قلت ليست وظيفة المتكلمين وظيفة أمير المؤمنين ع في عباراتهم هؤلاء أرباب صناعة و علم يحتاج إلى ألفاظ و اصطلاح لا بد لهم من استعماله للإفهام و الجدل بينهم و أمير المؤمنين إمام يخطب على منبره يخاطب عربا و رعية ليسوا من أهل النظر و لا مخاطبته لهم لتعليم هذا العلم بل لاستنفارهم إلى حرب عدوه فوجب عليه بمقتضى الأدب أن يتوقى كل لفظة توهم ما يستهجنه السامع في الأمور الإلهية و في غيرها. فإن قلت فما هذه الأمور التي زعمت أنها تستحق على البارئ سبحانه و أن أمير المؤمنين ع حذفها من اللفظ و اللفظ يقتضيها. قلت الثواب و العوض(12/73)


و قبول التوبة و اللطف و الوفاء بالوعد و الوعيد و غير ذلك مما يذكره أهل العدل. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 90فإن قلت فما معنى قوله لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده و لعدلفي كل ما جرت عليه صروف قضائه و هب أن تعليل عدم استحقاق شي ء على الله تعالى بقدرته على عباده صحيح كيف يصح تعليل ذلك بعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه أ لا ترى أنه ليس بمستقيم أن تقول لا يستحق على البارئ شي ء لأنه عادل و إنما المستقيم أن تقول لا يستحق عليشي ء لأنه مالك و لذلك عللت الأشعرية هذا الحكم بأنه مالك الكل و الاستحقاق إنما يكون على من دونه. قلت التعليل صحيح و هو أيضا مما عللت به الأشعرية مذهبها و ذلك لأنه إنما يتصور الاستحقاق على الفاعل المختار إذا كان ممن يتوقع منه أو يصح منه أن يظلم فيمكن حينئذ ن يقال قد وجب عليه كذا و استحق عليه كذا فأما من لا يمكن أن يظلم و لا يتصور وقوع الظلم منه و لا الكذب و لا خلف الوعد و الوعيد فلا معنى لإطلاق الوجوب و الاستحقاق عليه كما لا يقال كذا الداعي الخالص يستحق عليه أن يفعل ما دعاه إليه الداعي و يجب عليه أن يفعل ما دعاه إليه الداعي مثل الهارب من الأسد و الشديد العطش إذا وجد الماء و نحو ذلك. فإن قلت أ ليس يشعر قوله ع و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه بمذهب البغداديين من أصحابكم و هو قولهم إن الثواب تفضل من الله سبحانه و ليس بواجب. قلت لا و ذلك لأنه جعل المتفضل به هو مضاعفة الثواب لا أصل الثواب و ليس ذلك بمستنكر عندنا. فإن قلت أ يجوز عندكم أن يستحق المكلف عشرة أجزاء من الثواب فيعطى عشرين جزءا منه أ ليس من مذهبكم أن التعظيم و التبجيل لا يجوز من البارئ سبحانه أن يفعلهما(12/74)


شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 91في الجنة إلا على قدر الاستحقاق و الثواب عندكم هو النفع المقارن للتعظيم و التبجيل فيكف قلت إن مضاعفة الثواب عندنا جائزة. قلت مراده ع بمضاعفة الثواب هنا زيادة غير مستحقة من النعيم و اللذة الجسمانية خاصة في الجنة فسمى تلك اللذةلجسمانية ثوابا لأنها جزء من الثواب فأما اللذة العقلية فلا يجوز مضاعفتها. قوله ع بما هو من المزيد أهله أي بما هو أهله من المزيد فقدم الجار و المجرور و موضعه نصب على الحال و فيه دلالة على أن حال المجرور تتقدم عليه كما قال الشاعر
لئن كان برد الماء حران صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب(12/75)


ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَ يُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ لَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ. وَ أَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَ حَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَ عِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ وَ أَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَ قَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَ اعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَ جَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وَ طُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ وَ يَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 92وَ إِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ اخْتَلَفَ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وَ ظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَ كَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ وَ تَرَكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى وَ عُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ وَ كَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَ لَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَ تَعِزُّ الْأَشْرَارُ وَ تَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ. فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ وَ حُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ وَ إِنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَا اللَّهِ حِرْصُهُ وَ طَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ بِبَالِغٍ(12/76)

133 / 151
ع
En
A+
A-