ذلك و كفيل به و قد برأت أحدنا و زكيته و أنطقت الآخر و أسكته و ليس السقيم منا مما كرهت بأنطق من البري ء فيما ذكرت و لا البري ء منا مما سخطت بأظهر من السقيم فيما وصفت فإما جمعتنا في الرضا و إما جمعتنا في السخط لنجازيك بمثل ما تفعل بنا في ذلك مكايلة الصاع بالصاع فقد أعلمناك رأينا و أظهرنا لك ذات أنفسنا و صدقناك الصدق كما ذكرت أنجى و أسلم فأجب إلى ما دعوت إليه و أجلل عن النقض و الغدر مسجد رسول الله ص و موضع قبره و اصدق تنج و تسلم و نستغفر الله لنا و لك
قال ابن عباس فنظر إلي علي ع نظر هيبة و قال دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه فو الله لو ظهرت له قلوبنا و بدت له سرائرنا حتى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بأذنه ما زال متجرما منتقما و الله ما أنا ملقى على وضمة و إني لمانع ما وراء ظهري و إن هذا الكلام لمخالفة منه و سوء عشرة فقال عثمان مهلا أبا حسن فو الله إنك لتعلم أن رسول الله ص وصفني شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 21بغير ذلك يوم يقول و أنت عنده إن من أصحابي لقوما سالمين لهم و إن عثمان لمنهم إنه لأحسنهم بهم ظنا و أنصحهم لهم حبا فقال علي ع فتصدق قوله ص بفعلك و خالما أنت الآن عليه فقد قيل لك ما سمعت و هو كاف إن قبلت قال عثمان فتثق يا أبا الحسن قال نعم أثق و لا أظنك إلا فاعلا قال عثمان قد وثقت و أنت ممن لا يخفر صاحبه و لا يكذب لقيله(10/18)


قال ابن عباس فأخذت بأيديهما حتى تصافحا و تصالحا و تمازحا و نهضت عنهما فتشاورا و تآمرا و تذاكرا ثم افترقا فو الله ما مرت ثالثة حتى لقيني كل واحد منهما يذكر من صاحبه ما لا تبرك عليه الإبل فعلمت أن لا سبيل إلى صلحهما بعدها. و روى أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب أخبار السقيفة عن محمد بن قيس الأسدي عن المعروف بن سويد قال كنت بالمدينة أيام بويع عثمان فرأيت رجلا في المسجد جالسا و هو يصفق بإحدى يديه على الأخرى و الناس حوله و يقول وا عجبا من قريش و استئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت معدن الفضل و نجوم الأرض و نور البلاد و الله إن فيهم لرجلا ما رأيت رجلا بعد رسول الله ص أولى منه بالحق و لا أقضي بالعدل و لا آمر بالمعروف و لا أنهى عن المنكر فسألت عنه فقيل هذا المقداد فتقدمت إليه و قلت أصلحك الله من الرجل الذي تذكر فقال ابن عم نبيك رسول الله ص علي بن أبي طالب. قال فلبثت ما شاء الله ثم إني لقيت أبا ذر رحمه الله فحدثته ما قال المقداد فقال صدق قلت فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم قال أبى ذلك قومهم قلت فما يمنعكم أن تعينوهم قال مه لا تقل هذا إياكم و الفرقة و الاختلاف. شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 22قال فسكت عنه ثم كانن الأمر بعد ما كان. و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ في الكتاب الذي أورد فيه المعاذير عن أحداث عثمان أن عليا اشتكى فعاده عثمان من شكايته فقال علي ع
و عائدة تعود لغير ود تود لو أن ذا دنف يموت(10/19)


فقال عثمان و الله ما أدري أ حياتك أحب إلي أم موتك إن مت هاضني فقدك و إن حييت فتنتني حياتك لا أعدم ما بقيت طاعنا يتخذك رديئة يلجأ إليها. فقال علي ع ما الذي جعلني رديئة للطاعنين العائبين إنما سوء ظنك بي أحلني من قبلك هذا المحل فإن كنت تخاف جانبي فلك علي عهد الله و ميثاقه أن لا بأس عليك مني ما بل بحر صوفة و إني لك لراع و إني عنك لمحام و لكن لا ينفعني ذلك عندك و أما قولك إن فقدي يهيضك فكلا أن تهاض لفقدي ما بقي لك الوليد و مروان. فقام عثمان فخرج. و قد روي أن عثمان هو الذي أنشد هذا البيت و قد كان اشتكى فعاده علي ع فقال عثمان
و عائدة تعود بغير نصح تود لو أن ذا دنف يموت
و روى أبو سعد الآبي في كتابه عن ابن عباس قال وقع بين عثمان و علي شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 23ع كلام فقال عثمان ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم و قد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب تصرع أنفهم قبل شفاههم. و روى المذكور أيضا أن عثمان لما نقم الس عليه ما نقموا قام متوكئا على مروان فخطب الناس فقال إن لكل أمة آفة و لكل نعمة عاهة و إن آفة هذه الأمة و عاهة هذه النعمة قوم عيابون طعانون يظهرون لكم ما تحبون و يسرون ما تكرهون طغام مثل النعام يتبعون أول ناعق و لقد نقموا علي ما نقموا على عمر مثله فقمعهم و وقمهم و إني لأقرب ناصرا و أعز نفرا فما لي لا أفعل في فضول الأموال ما أشاء. و روى المذكور أيضا أن عليا ع اشتكى فعاده عثمان فقال ما أراك أصبحت إلا ثقيلا قال أجل قال و الله ما أدري أ موتك أحب إلي أم حياتك إني لأحب موتك و أكره أن أعيش بعدك فلو شئت جعلت لنا من نفسك مخرجا إما صديقا مسالما و إما عدوا مغالبا و إنك لكما قال أخو إياد
جرت لما بيننا حبل الشموس فلا يأسا مبينا نرى منها و لا طمعا(10/20)


فقال علي ع ليس لك عندي ما تخافه و إن أجبتك لم أجبك إلا بما تكرهه. و كتب عثمان إلى علي ع حين أحيط به أما بعد فقد جاوز الماء الزبى و بلغ الحزام الطبيين و تجاوز الأمر في قدره فطمع في من لا يدفع عن نفسه شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 2فإن كنت مأكولا فكن خير آكل و إلا فأدركني و لما أمزق
و روى الزبير خبر العيادة على وجه آخر قال مرض علي ع فعاده عثمان و معه مروان بن الحكم فجعل عثمان يسأل عليا عن حاله و علي ساكت لا يجيبه فقال عثمان لقد أصبحت يا أبا الحسن مني بمنزلة الولد العاق لأبيه إن عاش عقه و إن مات فجعه فلو جعلت لنا من أمرك فرجا إما عدوا أو صديقا و لم تجعلنا بين السماء و الماء أما و الله لأنا خير لك من فلان و فلان و إن قتلت لا تجد مثلي فقال مروان أما و الله لا يرام ما وراءنا حتى تتواصل سيوفنا و تقطع أرحامنا. فالتفت إليه عثمان و قال اسكت لا سكت و ما يدخلك فيما بيننا. و
روى شيخنا أبو عثمان الجاحظ عن زيد بن أرقم قال سمعت عثمان و هو يقول لعلي ع أنكرت علي استعمال معاوية و أنت تعلم أن عمر استعمله قال علي ع نشدتك الله أ لا تعلم أن معاوية كان أطوع لعمر من يرفأ غلامه إن عمر كان إذا استعمل عاملا وطئ على صماخه و إن القوم ركبوك و غلبوك و استبدوا بالأمر دونك فسكت عثمان
أسباب المنافسة بين علي و عثمان(10/21)


قلت حدثني جعفر بن مكي الحاجب رحمه الله قال سألت محمد بن سليمان حاجب الحجاب و قد رأيت أنا محمدا هذا و كانت لي به معرفة غير مستحكمة و كان ظريفا شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 25أديبا و قد اشتغل بالرياضيات من الفلسفة و لم يكن يتعصب لمذهب بعينه قال جعفر سألت عما ده في أمر علي و عثمان فقال هذه عداوة قديمة النسب بين عبد شمس و بين بني هاشم و قد كان حرب بن أمية نافر عبد المطلب بن هاشم و كان أبو سفيان يحسد محمدا ص و حاربه و لم تزل الثنتان متباغضتين و إن جمعتهما المنافية ثم إن رسول الله ص زوج عليا بابنته و زوج عثمان بابنته الأخرى و كان اختصاص رسول الله ص لفاطمة أكثر من اختصاصه للبنت الأخرى و للثانية التي تزوجها عثمان بعد وفاة الأولى و اختصاصه أيضا لعلي و زيادة قربه منه و امتزاجه به و استخلاصه إياه لنفسه أكثر و أعظم من اختصاصه لعثمان فنفس عثمان ذلك عليه فتباعد ما بين قلبيهما و زاد في التباعد ما عساه يكون بين الأختين من مباغضة أو مشاجرة أو كلام ينقل من إحداهما إلى الأخرى فيتكدر قلبها على أختها و يكون ذلك التكدير سببا لتكدير ما بين البعلين أيضا كما نشاهده في عصرنا و في غيره من الأعصار و قد قيل ما قطع من الأخوين كالزوجتين ثم اتفق أن عليا ع قتل جماعة كثيرة من بني عبد شمس في حروب رسول الله ص فتأكد الشنئان و إذا استوحش الإنسان من صاحبه استوحش صاحبه منه ثم مات رسول الله ص فصبا إلى علي جماعة يسيرة لم يكن عثمان منهم و لا حضر في دار فاطمة مع من حضر من المخلفين عن البيعة و كانت في نفس علي ع أمور من الخلافة لم يمكنه إظهارها في أيام أبي بكر و عمر لقوة عمر و شدته و انبساط يده و لسانه فلما قتل عمر و جعل الأمر شورى بين الستة و عدل عبد الرحمن بها عن علي إلى عثمان لم يملك علي نفسه فأظهر ما كان كامنا و أبدى ما كان مستورا و لم يزل الأمر يتزايد بينهما حتى شرف و تفاقم و مع ذلك فلم يكن علي ع لينكر من أمره إلا(10/22)

13 / 151
ع
En
A+
A-