و الذي كرهه ع منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام و لم يكن يكره منهم لعنهم إياهم و البذاءة منهم لا كما يتوهمه قوم من الحشوية فيقولون لا يجوز شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 22لعن أحد ممن عليه اسم الإسلام و ينكرون على من يلعن و منهم من يغالي في ذلك فيقول لا ألعن كافر و ألعن إبليس و إن الله تعالى لا يقول لأحد يوم القيامة لم لم تلعن و إنما يقول لم لعنت. و اعلم أن هذا خلاف نص الكتاب لأنه تعالى قال إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً. و قال أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. و قال في إبليس وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ. و قال مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا. و في الكتاب العزيز من ذلك الكثير الواسع. و كيف يجوز للمسلم أن ينكر التبرؤ ممن يجب التبرؤ منه أ لم يسمع هؤلاء قول الله تعالى قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً و إنما يجب النظر فيمن قد اشتبهت حاله فإن كان قد قارف كبيرة من الذنوب يستحق بها اللعن و البراءة فلا ضير على من يلعنه و يبرأ منه و إن لم يكن قد قارف كبيرة لم يجز لعنه و لا البراءة منه. و مما يدل على أن من عليه اسم الإسلام إذا ارتكب الكبيرة يجوز لعنه بل يجب في وقت قول الله تعالى في قصة اللعان فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 23لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ. و قال تعالى في القاذف إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ(12/17)
عَذابٌ عَظِيمٌ. فهاتان الآيتان في المكلفين من أهل القبلة و الآيات قبلهما في الكافرين و المنافقين و لهذا قنت أمير المؤمنين ع على معاوية و جماعة من أصحابه و لعنهم في أدبار الصلوات. فإن قلت فما صوره السب الذي نهى أمير المؤمنين ع عنه. قلت كانوا يشتمونهم بالآباء و الأمهات و منهم من يطعن في نسب قوم منهم و منهم من يذكرهم باللؤم و منهم من يعيرهم بالجبن و البخل و بأنواع الأهاجي التي يتهاجى بها الشعراء و أساليبها معلومة فنهاهم ع عن ذلك و قال إني أكره لكن أن تكونوا سبابين و لكن الأصوب أن تصفوا لهم أعمالهم و تذكروا حالهم أي أن تقولوا إنهم فساق و إنهم أهل ضلال و باطل. ثم قال اجعلوا عوض سبهم أن تقولوا اللهم احقن دماءنا و دماءهم. حقنت الدم أحقنه بالضم منعت أن يسفك أي ألهمهم الإنابة إلى الحق و العدول عن الباطل فإن ذلك إذا تم حقنت دماء الفريقين. فإن قلت كيف يجوز أن يدعو الله تعالى بما لا يفعله أ ليس من أصولكم أن الله تعالى لا يضطر المكلف إلى اعتقاد الحق و إنما يكله إلى نظره. قلت الأمر و إن كان كذلك إلا أن المكلفين قد تعبدوا بأن يدعوا الله تعالى شرح نهج البلا ج : 11 ص : 24بذلك لأن في دعائهم إياه بذلك لطفا لهم و مصالح في أديانهم كالدعاء بزيادة الرزق و تأخير الأجل. قوله و أصلح ذات بيننا و بينهم يعني أحوالنا و أحوالهم و لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين كما أنه لما كانت الضمائر ملابسة للصدور قيل ذات الصدور و كذلك قولهم اسقني ذا إنائك لما كان ما فيه من الشراب ملابسا له و يقولون للمتبرز قد وضع ذا بطنه و للحبلى تضع ألقت ذا بطنها. و ارعوى عن الغي رجع و كف. لهج به بالكسر يلهج أغرى به و ثابر عليه(12/18)
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 20025- و من كلام له ع في بعض أيام صفين و قد رأى الحسن ابنه ع يتسرع إلى الحربامْلِكُوا عَنِّي هَذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ يَعْنِي الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ع عَلَى الْمَوْتِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص
قال الرضي أبو الحسن رحمه الله قوله ع املكوا عني هذا الغلام من أعلى الكلام و أفصحه
الألف في املكوا ألف وصل لأن الماضي ثلاثي من ملكت الفرس و العبد و الدار أملك بالكسر أي احجروا عليه كما يحجر المالك على مملوكه. و عن متعلقة بمحذوف تقديره استولوا عليه و أبعدوه عني و لما كان الملك سبب الحجر على المملوك عبر بالسبب عن المسبب كما عبر بالنكاح عن العقد و هو في الحقيقة اسم الوطء لما كان العقد طريقا إلى الوطء و سببا له. و وجه علو هذا الكلام و فصاحته أنه لما كان في املكوا معنى البعد أعقبه شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 26بعن و ذلك أنهم لا يملكونه دون أمير المؤمنين ع إلا و قد أبعدوه عنه أ لا ترى أنك إذا رت على زيد دون عمرو فقد باعدت زيدا عن عمرو فلذلك قال املكوا عني هذا الغلام و استفصح الشارحون قول أبي الطيب
إذا كان شم الروح أدنى إليكم فلا برحتني روضة و قبول
قالوا و لما كان في فلا برحتني معنى فارقتني عدي اللفظة و إن كانت لازمة نظرا إلى المعنى. قوله لا يهدني أي لئلا يهدني فحذف كما حذف طرفه في قوله
ألا أي هذا الزاجري أحضر الوغى(12/19)
أي لأن أحضر. و أنفس أبخل نفست عليه بكذا بالكسر. فإن قلت أ يجوز أن يقال للحسن و الحسين و ولدهما أبناء رسول الله و ولد رسول الله و ذرية رسول الله و نسل رسول الله. قلت نعم لأن الله تعالى سماهم أبناءه في قوله تعالى نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ و إنما عنى الحسن و الحسين و لو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات و سمى الله تعالى عيسى ذرية إبراهيم في قوله وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إلى أن قال وَ يَحْيى وَ عِيسى و لم يختلف أهل اللغة في أن ولد البنات من نسل الرجل. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص :7فإن قلت فما تصنع بقوله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ قلت أسألك عن أبوته لإبراهيم بن مارية فكما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن و الحسين ع. و الجواب الشامل للجميع أنه عنى زيد بن حارثة لأن العرب كانت تقول زيد بن محمد على عادتهم في تبني العبيد فأبطل الله تعالى ذلك و نهى عن سنة الجاهلية و قال إن محمدا ع ليس أبا لواحد من الرجال البالغين المعروفين بينكم ليعتزي إليه بالنبوة و ذلك لا ينفي كونه أبا لأطفال لم تطلق عليهم لفظة الرجال كإبراهيم و حسن و حسين ع. فإن قلت أ تقول إن ابن البنت ابن على الحقيقة الأصلية أم على سبيل المجاز. قلت لذاهب أن يذهب إلى أنه حقيقة أصلية لأن أصل الإطلاق الحقيقة و قد يكون اللفظ مشتركا بين مفهومين و هو في أحدهما أشهر و لا يلزم من كونه أشهر في أحدهما ألا يكون حقيقة في الآخر. و لذاهب أن يذهب إلى أنه حقيقة عرفية و هي التي كثر استعمالها و هي في الأكثر مجاز حتى صارت حقيقة في العرف كالراوية للمزادة و السماء للمطر. و لذاهب أن يذهب إلى كونه مجازا قد استعمله الشارع فجاز إطلاقه في كل حال و استعماله كسائر المجازات المستعملة. و مما يدل على اختصاص ولد فاطمة دون بني هاشم كافة بالنبي ع أنه ما كان يحل له ع أن ينكح بنات الحسن و الحسين ع و لا بنات(12/20)
ذريتهما و إن بعدن و طال الزمان و يحل له نكاح بنات غيرهم من بني هاشم من الطالبيين و غيرهم و هذا يدل على مزيد الأقربية و هي كونهم أولاده لأنه ليس هناك من القربى غير شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 28ا الوجه لأنهم ليسوا أولاد أخيه و لا أولاد أخته و لا هناك وجه يقتضي حرمتهم عليه إلا كونه والدا لهم و كونهم أولادا له فإن قلت قد قال الشاعر
بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
و قال حكيم العرب أكثم بن صيفي في البنات يذمهن إنهن يلدن الأعداء و يورثن البعداء. قلت إنما قال الشاعر ما قاله على المفهوم الأشهر و ليس في قول أكثم ما يدل على نفي بنوتهم و إنما ذكر أنهن يلدن الأعداء و قد يكون ولد الرجل لصلبه عدوا قال الله تعالى إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ و لا ينفي كونه عدوا كونه ابنا. قيل لمحمد بن الحنفية ع لم يغرر بك أبوك في الحرب و لم لا يغرر بالحسن و الحسين فقال لأنهما عيناه و أنا يمينه فهو يذب عن عينيه بيمينه
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 20129- و من كلام له ع قاله لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومةيَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرِي مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ حَتَّى نَهِكَتْكُمُ الْحَرْبُ وَ قَدْ وَ اللَّهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَ تَرَكَتْ وَ هِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ. لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَأْمُوراً وَ كُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَنْهِيّاً وَ قَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ وَ لَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ(12/21)