شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 15و يمونك الأقارب من بني هاشم و كنت فارسا و كنت راجلا و في هيأتي نزلت الملائكة و أنا حواري رسول الله ص. قال شيخنا أبو جعفر و هذا الخبر مفتعل مكذوب و لم يجر بين علي و الزبير شي ء من هذا الكلام و لكنه من وضع العثمانية و لم يسمع في أحاديث الحشوية و لا في كتب أصحاب السيرة. و لعلي ع أن يقول طفل مسلم خير من بالغ كافر و أما سل السيف بمكة فلم يكن في موضعه و في ذلك قال الله تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ الآية و أنا على منهاج الرسول في الكف و الإقدام و ليس كفالة الرجال و الأقارب بالشعب عارا علي فقد كان رسول الله ص في الشعب يكفله الرجال و الأقارب و أما حربك فارسا و حربي راجلا فهلا أغنت فروسيتك يوم عمرو بن عبد ود في الخندق و هلا أغنت فروسيتك يوم طلحة بن أبي طلحة في أحد و هلا أغنت فروسيتك يوم مرحب بخيبر ما كانت فرسك التي تحارب عليها في هذه الأيام إلا أذل من العنز الجرباء و من سلمت عليه الملائكة أفضل ممن نزلت في هيأته و قد نزلت الملائكة في صورة دحية الكلبي أ فيجب من ذلك أن يكون دحية أفضل مني و أما كونك حواري رسول الله ص فلو عددت خصائصي في مقابلة هذه اللفظة الواحدة لك لاستغرقت الوقت و أفنيت الزمان و رب صمت أبلغ من نطق. ثم نرجع إلى الحديث الأول فتقول إن طلحة و الزبير لما أيسا من جهة علي ع شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 16و من حصول الدنيا من قبله قلبا له ظهر المجن فكاشفاه و عاتباه قبل المفارقة عتابا لاذعا روى خنا أبو عثمان قال أرسل طلحة و الزبير إلى علي ع قبل خروجهما إلى مكة مع محمد بن طلحة و قالا لا تقل له يا أمير المؤمنين و لكن قل له يا أبا الحسن لقد فال فيك رأينا و خاب ظننا أصلحنا لك الأمر و وطدنا لك الإمرة و أجلبنا على عثمان حتى قتل فلما طلبك الناس لأمرهم أسرعنا إليك و بايعناك و قدنا إليك أعناق العرب و وطئ المهاجرون و(12/12)
الأنصار أعقابنا في بيعتك حتى إذا ملكت عنانك استبددت برأيك عنا و رفضتنا رفض التريكة و أذلتنا إذالة الإماء و ملكت أمرك الأشتر و حكيم بن جبلة و غيرهما من الأعراب و نزاع الأمصار فكنا فيما رجوناه منك و أملناه من ناحيتك كما قال الأول
فكنت كمهريق الذي في سقائه لرقراق آل فوق رابية صلد
فلما جاء محمد بن طلحة أبلغه ذاك فقال اذهب إليهما فقل لهما فما الذي يرضيكما فذهب و جاءه فقال إنهما يقولان ول أحدنا البصرة و الآخر الكوفة فقال لاها الله إذن يحلم الأديم و يستشرى الفساد و تنتقض على البلاد من أقطارها و الله إني لا آمنهما و هما عندي بالمدينة فكيف آمنهما و قد وليتهما العراقين اذهب إليهما فقل أيها الشيخان احذرا من سطوة الله و نقمته و لا تبغيا للمسلمين غائلة و كيدا و قد سمعتما قول الله تعالى تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ فقام محمد بن طلحة فأتاهما و لم يعد إليه و تأخرا عنه أياما ثم جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة فأذن لهما بعد أن أحلفهما شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 17ألا ينقضا بيعته و لا يغدرا به و لا يشقا عصا المسلمين و لا يوقعا الفرقة بينهم أن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة فحلفا على ذلك كله ثم خرجا ففعلا ما فعلا. و روى شيخنا أبو عثمان قال لما خرج طلحة و الزبير إلى مكة و أوهما الناس أنهما خرجا للعمرة قال علي ع لأصحابه و الله ما يريدان العمرة و إنما يريدان الغدرة فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. و روى الطبري في التاريخ قال لما بايع طلحة و الزبير عليا ع سألاه أن يؤمرهما على الكوفة و البصرة فقال بل تكونان عندي أتجمل بكما فإنني أستوحش لفراقكما. قال الطبري و قد كان قال لهما قبل بيعتهما له إن(12/13)
أحببتما أن تبايعاني و إن أحببتما بايعتكما فقالا لا بل نبايعك ثم قالا بعد ذلك إنما بايعناه خشية على أنفسنا و قد عرفنا أنه لم يكن ليبايعنا ثم ظهرا إلى مكة و ذلك بعد قتل عثمان بأربعة أشهر. و روى الطبري أيضا في التاريخ قال لما بايع الناس عليا و تم له الأمر قال طلحة للزبير ما أرى أن لنا من هذا الأمر إلا كحسة أنف الكلب. و روى الطبري أيضا في التاريخ قال لما بايع الناس عليا ع بعد قتل عثمان جاء علي إلى الزبير فاستأذن عليه قال أبو حبيبه مولى الزبير فأعلمته به فسل السيف و وضعه تحت فراشه و قال ائذن له فأذنت له فدخل فسلم على الزبير و هو واقف ثم خرج فقال الزبير لقد دخل لأمر ما قضاه قم مقامه و انظر هل ترى من
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 18السيف شيئا فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته و قلت إن ذباب السيف ليظهر لمن قام في هذا الموضع فقال ذاك أعجل الرجل و روى شيخنا أبو عثمان قال كتب مصعب بن الزبير إلى عبد الملك من مصعب بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان سلام عك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد
ستعلم يا فتى الزرقاء أني سأهتك عن حلائلك الحجاباو أترك بلدة أصبحت فيها تهور من جوانبها خرابا
أما إن لله على الوفاء بذلك إلا أن تتراجع أو تتوب و لعمري ما أنت كعبد الله بن الزبير و لا مروان كالزبير بن العوام حواري رسول الله ص و ابن عمته فسلم الأمر إلى أهله فإن نجاتك بنفسك أعظم الغنيمتين و السلام. فكتب إليه عبد الملك من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى الذلول الذي أخطأ من سماه المصعب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد
أ توعدني و لم أر مثل يومي خشاش الطير يوعدن العقابامتى تلق العقاب خشاش طير يهتك عن مقاتلها الحجاباأ توعد بالذئاب أسود غاب و أسد الغاب تلتهم الذئابا(12/14)
أما ما ذكرت من وفائك فلعمري لقد وفى أبوك لتيم و عدي بعداء قريش و زعانفها حتى إذا صارت الأمور إلى صاحبها عثمان الشريف النسب الكريم الحسب بغاة الغوائل و أعد له المخاتل حتى نال منه حاجته ثم دعا الناس إلى علي و بايعه فلما شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 19دانت لهمور الأمة و أجمعت له الكلمة و أدركه الحسد القديم لبني عبد مناف فنقض عهده و نكث بيعته بعد توكيدها ف فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ و تمزقت لحمه الضباع بوادي السباع و لعمري إنك تعلم يا أخا بني عبد العزى بن قصي أنا بنو عبد مناف لم نزل سادتكم و قادتكم في الجاهلية و الإسلام و لكن الحسد دعاك إلى ما ذكرت و لم ترث ذلك عن كلالة بل عن أبيك و لا أظن حسدك و حسد أخيك يئول بكما إلا إلى ما آل إليه حسد أبيكما من قبل وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. و روى أبو عثمان أيضا قال دخل الحسن بن علي ع على معاوية و عنده عبد الله بن الزبير و كان معاوية يحب أن يغري بين قريش فقال يا أبا محمد أيهما كان أكبر سنا علي أم الزبير فقال الحسن ما أقرب ما بينهما و علي أسن من الزبير رحم الله عليا فقال ابن الزبير رحم الله الزبير و هناك أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب فقال يا عبد الله و ما يهيجك من أن يترحم الرجل على أبيه قال و أنا أيضا ترحمت على أبي قال أ تظنه ندا له و كفؤا قال و ما يعدل به عن ذلك كلاهما من قريش و كلاهما دعا إلى نفسه و لم يتم له قال دع ذاك عنك يا عبد الله إن عليا من قريش و من الرسول ص حيث تعلم و لما دعا إلى نفسه أتبع فيه و كان رأسا و دعا الزبير إلى أمر و كان الرأس فيه امرأة و لما تراءت الفئتان نكص على عقبيه و ولى مدبرا قبل أن يظهر الحق فيأخذه أو يدحض الباطل فيتركه فأدركه رجل لو قيس ببعض أعضائه لكان أصغر فضرب عنقه و أخذ سلبه و جاء برأسه و مضى علي قدما(12/15)
كعادته مع ابن عمه رحم الله عليا شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 20فقال ابن الزبير أما لو أن غيرك تكلم بهذا يا أبا سعيد لعلم فقال إن الذي تعرض به يرغب عنك و كفه معاوية فسكتوا. و أخبرت عائشة بمقالتهم ور أبو سعيد بفنائها فنادته يا أبا سعيد أنت القائل لابن أختي كذا فالتفت أبو سعيد فلم ير شيئا فقال إن الشيطان يرانا و لا نراه فضحكت عائشة و قالت لله أبوك ما أذلق لسانك
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 19921- و من كلام له ع و قد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفينإِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَ لَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَ ذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَ أَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَ قُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ وَ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَ يَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَ الْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ
السب الشتم سبه يسبه بالضم و التساب التشاتم و رجل مسب بكسر الميم كثير السباب و رجل سبه أي يسبه الناس و رجل سببه أي يسب الناس و رجل سب كثير السباب و سبك الذي يسابك قال
لا تسبنني فلست بسبي إن سبي من الرجال الكريم(12/16)