ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل عن الأصمعي قال خطبنا أعرابي بالبادية فحمد الله و استغفره و وحده و صلى على نبيه ص فأبلغ في إيجاز ثم قال أيها الناس إن الدنيا دار بلاغ و الآخرة دار قرار فخذوا لمقركم من ممركم و لا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم في الدنيا أنتم شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 4و لغيرها خلقتم أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و المصلى عليه رسول الله و المدعو له الخليفة و الأمير جعفر بن سليمان. و ذكر غيره الزيادة التي في كلام أمير المؤمنين ع و هي أن المرء إذا هلك إلى آخر الام. و أكثر الناس على أن هذا الكلام لأمير المؤمنين ع. و يجوز أن يكون الأعرابي حفظه فأورده كما يورد الناس كلام غيرهم. قوله ع دار مجاز أي يجاز فيها إلى الآخرة و منه سمي المجاز في الكلام مجازا لأن المتكلم قد عبر الحقيقة إلى غيرها كما يعبر الإنسان من موضع إلى موضع. و دار القرار دار الاستقرار الذي لا آخر له. فخذوا من ممركم أي من الدنيا لمقركم و هو الآخرة. قوله ع قال الناس ما ترك يريد أن بني آدم مشغولون بالعاجلة لا يفكرون في غيرها و لا يتساءلون إلا عنها فإذا هلك أحدكم فإنما قولهم بعضهم لبعض ما الذي ترك فلان من المال ما الذي خلف من الولد و أما الملائكة فإنهم يعرفون الآخرة و لا تستهويهم شهوات الدنيا و إنما هم مشغولون بالذكر و التسبيح فإذا هلك الإنسان قالوا ما قدم أي أي شي ء قدم من الأعمال. ثم أمرهم ع بأن يقدموا من أموالهم بعضها صدقة فإنها تبقى لهم و نهاهم أن يخلفوا موالهم كلها بعد موتهم فتكون وبالا عليهم في الآخرة(12/2)


شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 1975- و من كلام له ع كان كثيرا ما ينادي به أصحابهتَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ وَ أَقِلُّوا الْعَرْجَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَ انْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَ مَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً لَا بُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا وَ الْوُقُوفِ عِنْدَهَا. وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَلَاحِظَ الْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دَائِبَةٌ وَ كَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَ قَدْ نَشِبَتْ فِيكُمْ وَ قَدْ دَهَمَتْكُمْ مِنْهَا مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَ مُضْلِعَاتُ الْمَحْذُورِ. فَقَطِّعُوا عَلَائِقَ الدُّنْيَا وَ اسْتَظْهِرُوا بِزَادِ التَّقْوَى
و قد مضى شي ء من هذا الكلام فيما تقدم يخالف هذه الرواية تجهزوا لكذا أي تهيئوا له. و العرجة التعريج و هو الإقامة تقول ما لي على ربعك عرجة أي إقامة و عرج فلان على المنزل إذا حبس عليه مطيته. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 6و العقبة الكئود الشاقة المصعد و دائبة جادة و المخلب للسبع بمنزلة الظفر للإنسان. و أفظع الأمر ف مفظع إذا جاوز المقدار شدة. و مضلعات المحذور الخطوب التي تضلع أي تجعل الإنسان ضليعا أي معوجا و الماضي ضلع بالكسر يضلع ضلعا. و من رواها بالظاء أراد الخطوب التي تجعل الإنسان ظالعا أي يغمز في مشيه لثقلها عليه و الماضي ظلع بالفتح يظلع ظلعها فهو ظالع
شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 1987- و من كلام له ع كلم به طلحة و الزبير بعد بيعته بالخلافةو قد عتبا عليه من ترك مشورتهما و الاستعانة في الأمور بهما(12/3)


لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وَ أَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لَا تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْ ءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ أَمْ أَيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ أَوْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ. وَ اللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ وَ لَا فِي الْوَلَايَةِ إِرْبَةٌ وَ لَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَ حَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ مَا وَضَعَ لَنَا وَ أَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَ مَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ ص فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَى رَأْيِكُمَا وَ لَا رَأْيِ غَيْرِكُمَا وَ لَا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَ إِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَ لَا عَنْ غَيْرِكُمَا. وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الْأُسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَ لَا وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَ أَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَسْمِهِ وَ أَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا وَ اللَّهِ عِنْدِي وَ لَا لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى. أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ الصَّبْرَ. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 8ثُمَّ قَالَ ع رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وَ كَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِنقمت عليه بالفتح أنقم هذه اللغة الفصيحة و جاء نقمت بالكسر أنقم. و أرجأتما أخرتما أي نقمتما من أحوالي(12/4)


اليسير و تركتما الكثير الذي ليس لكما و لا لغيركما فيه مطعن فلم تذكراه فهلا اغتفرتما اليسير للكثير. و ليس هذا اعترافا بأن ما نقماه موضع الطعن و العيب و لكنه على جهة الجدل و الاحتجاج كما تقول لمن يطعن في بيت من شعر شاعر مشهور لقد ظلمته إذ تتعلق عليه بهذا البيت و تنسى ما له من المحاسن الكثيرة في غيره. ثم ذكر وجوه العتاب و الاسترادة و هي أقسام إما أن يكون لهما حق يدفعهما عنه أو استأثر عليهما في قسم أو ضعف عن السياسة أو جهل حكما من أحكام الشريعة أو أخطأ بابه. فإن قلت أي فرق بين الأول و الثاني قلت أما دفعهما عن حقهما فمنعهما عنه سواء صار إليه ع أو إلى غيره أو لم يصر إلى أحد بل بقي بحاله في بيت المال. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 9و أما القسم الثاني فهو أن يأخذ حقهملنفسه و بين القسمين فرق ظاهر و الثاني أفحش من الأول. فإن قلت فأي فرق بين قوله أم جهلته أو أخطأت بابه. قلت جهل الحكم أن يكون الله تعالى قد حكم بحرمة شي ء فأحله الإمام أو المفتي و كونه يخطئ بابه هو أن يصيب في الحكم و يخطئ في الاستدلال عليه. ثم أقسم أنه لم ين له في الخلافة رغبة و لا إربة بكسر الهمزة و هي الحاجة و صدق ع فهكذا نقل أصحاب التواريخ و أرباب علم السير كلهم و(12/5)


روى الطبري في التاريخ و رواه غيره أيضا إن الناس غشوه و تكاثروا عليه يطلبون مبايعته و هو يأبى ذلك و يقول دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تثبت عليه العقول و لا تقوم له القلوب قالوا ننشدك الله أ لا ترى الفتنة أ لا ترى إلى ما حدث في الإسلام أ لا تخاف الله فقال قد أجبتكم لما أرى منكم و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و إن تركتموني فإنما أنا كأحدكم بل أنا أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم إليه فقالوا ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك قال إن كان لا بد من ذلك ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا و لا تكون إلا عن رضا المسلمين و في ملإ و جماعة فقام و الناس حوله فدخل المسجد و انثال عليه المسلمون فبايعوه و فيهم طلحة و الزبير
قلت قوله إن بيعتي لا تكون خفيا و لا تكون إلا في المسجد بمحضر من جمهور الناس يشابه قوله بعد وفاة رسول الله ص للعباس لما سامه مد يده للبيعة إني أحب أن أصحر بها و أكره أن أبايع من وراء رتاج. شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 10ثم ذكر ع أنه لما بويع عمل بكتاب الله سنة رسوله و لم يحتج إلى رأيهما و لا رأي غيرهما و لم يقع حكم يجهله فيستشيرهما و لو وقع ذلك لاستشارهما و غيرهما و لم يأنف من ذلك. ثم تكلم في معنى التنفيل في العطاء فقال إني عملت بسنة رسول الله ص في ذلك و صدق ع فإن رسول الله ص سوى في العطاء بين الناس و هو مذهب أبي بكر. و العتبى الرضا أي لست أرضيكما بارتكاب ما لا يحل لي في الشرع ارتكابه و الضمير في صاحبه و هو الهاء المجرورة يرجع إلى الجور أي و كان عونا بالعمل على صاحب الجور
من أخبار طلحة و الزبير(12/6)

119 / 151
ع
En
A+
A-