طلب ما عنده أمسك لسانه و أطبق فاه و غلب عقله و دينه على هواه. و أما قولك إني لأعرف منزع قوسي فإذا عرفت منزع قوسك عرفك غيرك مضرب سيفه و مطعن رمحه و أما ما تزعمه من الأمر الذي جعله رسول الله ص لك فتخلفت إعذارا إلى الله و إلى العارفة به من المسلمين فلو عرفه المسلمون شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 285لجنحوا إليه و أصفقوا عليه و ما كان الله ليجمعهم على العمى و لا ليضربهم بالصبا بعد الهدى و لو كان لرسول الله ص فيك رأي و عليك عزم ثم بعثه الله فرأى اجتماعمته على أبي بكر لما سفه آراءهم و لا ضلل أحلامهم و لا آثرك عليهم و لا أرضاك بسخطهم و لأمرك باتباعهم و الدخول معهم فيما ارتضوه لدينهم.
فقال علي مهلا أبا حفص أرشدك الله خفض عليك ما بذلت ما بذلت و أنا أريد عنه حولا و إن أخسر الناس صفقة عند الله من استبطن النفاق و احتضن الشقاق و في الله خلف عن كل فائت و عوض من كل ذاهب و سلوة عن كل حادث و عليه التوكل في جميع الحوادث ارجع أبا حفص إلى مجلسك ناقع القلب مبرود الغليل فصيح اللسان رحب الصدر متهلل الوجه فليس وراء ما سمعته مني إلا ما يشد الأزر و يحبط الوزر و يضع الإصر و يجمع الألفة و يرفع الكلفة إن شاء الله فانصرف عمر إلى مجلسه(11/244)


قال أبو عبيدة فلم أسمع و لم أر كلاما و لا مجلسا كان أصعب من ذلك الكلام و المجلس. قلت الذي يغلب على ظني أن هذه المراسلات و المحاورات و الكلام كله مصنوع موضوع و أنه من كلام أبي حيان التوحيدي لأنه بكلامه و مذهبه في الخطابة و البلاغة أشبه و قد حفظنا كلام عمر و رسائله و كلام أبي بكر و خطبه فلم نجدهما يذهبان هذا المذهب و لا يسلكان هذا السبيل في كلامهما و هذا كلام عليه أثر التوليد ليس يخفى و أين أبو بكر و عمر من البديع و صناعة المحدثين و من تأمل كلام أبي حيان عرف أن شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 286هذا الكلام من ذلالمعدن خرج و يدل عليه أنه أسنده إلى القاضي أبي حامد المروروذي و هذه عادته في كتاب البصائر يسند إلى القاضي أبي حامد كل ما يريد أن يقوله هو من تلقاء نفسه إذا كان كارها لأن ينسب إليه و إنما ذكرناه نحن في هذا الكتاب لأنه و إن كان عندنا موضوعا منحولا فإنه صورة ما جرت عليه حال القوم فهم و إن لم ينطقوا به بلسان المقال فقد نطقوا به بلسان الحال. و مما يوضح لك أنه مصنوع أن المتكلمين على اختلاف مقالاتهم من المعتزلة و الشيعة و الأشعرية و أصحاب الحديث و كل من صنف في علم الكلام و الإمامة لم يذكر أحد منهم كلمة واحدة من هذه الحكاية و لقد كان المرتضى رحمه الله يلتقط من كلام أمير المؤمنين ع اللفظة الشاذة و الكلمة المفردة الصادرة عنه ع في معرض التألم و التظلم فيحتج بها و يعتمد عليها نحو
قوله ما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله حتى يوم الناس هذا
و قوله لقد ظلمت عدد الحجر و المدر
و قوله إن لنا حقا إن نعطه نأخذه و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى
و قوله فصبرت و في الحلق شجا و في العين قذى
و قوله اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني حقي و غصبوني إرثي(11/245)


و كان المرتضى إذا ظفر بكلمة من هذه فكأنما ظفر بملك الدنيا و يودعها كتبه و تصانيفه فأين كان المرتضى عن هذا الحديث و هلا ذكر في كتاب الشافي في الإمامة شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 287كلام أمير المؤمنين ع هذا و كذلك من قبله من الإمامية كابن النعمان و بني نوبخو بني بابويه و غيرهم و كذلك من جاء بعده من متأخري متكلمي الشيعة و أصحاب الأخبار و الحديث منهم إلى وقتنا هذا و أين كان أصحابنا عن كلام أبي بكر و عمر له ع و هلا ذكره قاضي القضاة في المغني مع احتوائه على كل ما جرى بينهم حتى أنه يمكن أن يجمع منه تاريخ كبير مفرد في أخبار السقيفة و هلا ذكره من كان قبل قاضي القضاة من مشايخنا و أصحابنا و من جاء بعده من متكلمينا و رجالنا و كذلك القول في متكلمي الأشعرية و أصحاب الحديث كابن الباقلاني و غيره و كان ابن الباقلاني شديدا على الشيعة عظيم العصبية على أمير المؤمنين ع فلو ظفر بكلمة من كلام أبي بكر و عمر في هذا الحديث لملأ الكتب و التصانيف بها و جعلها هجيراه و دأبه. و الأمر فيما ذكرناه من وضع هذه القصة ظاهر لمن عنده أدنى ذوق من علم البيان و معرفة كلام الرجال و لمن عنده أدنى معرفة بعلم السير و أقل أنس بالتواريخ.(11/246)


قوله ع مودع لا قال و لا مبغض و لا سئم أي لا ملول سئمت من الشي ء أسأم سأما و سآما و سآمة سئمته إذا مللته و رجل سئوم. ثم أكد ع هذا المعنى فقال إن انصرفت فلا عن ملالة و إن أقمت فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين أي ليست إقامتي على قبرك و جزعي عليك إنكارا من لفضيلة الصبر و التجلد و التعزي و التأسي و ما وعد الله به الصابرين من الثواب بل أنا عالم بذلك و لكن يغلبني بالطبع البشري. و روي أن فاطمة بنت الحسين ع ضربت فسطاطا على قبر بعلها الحسن شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 288بن الحسن ع سنة فلما انقضت السنة قوضت الفسط راجعة إلى بيتها فسمعت هاتفا يقول هل بلغوا ما طلبوا فأجابه هاتف آخر بل يئسوا فانصرفوا. و
ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتابه الكامل أنه ع تمثل عند قبر فاطمة
ذكرت أبا أروى فبت كأنني برد الهموم الماضيات وكيل لكل اجتماع من خليلين فرقة و كل الذي دون الفراق قليل و إن افتقادي واحدا بعد واحد دليل على ألا يدوم خليو الناس يرونه
و إن افتقادي فاطما بعد أحمد(11/247)


شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 3الجزء الحادي عشرتتمة باب الخطب و الأوامر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل
196- و من كلام له ع
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَ الآْخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ وَ لَا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ وَ أَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ وَ لِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ مَا تَرَكَ وَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا قَدَّمَ لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ فَقَدِّمُوا بَعْضاً يَكُنْ لَكُمْ وَ لَا تُخْلِفُوا كُلًّا فَيَكُونَ فَرْضاً عَلَيْكُمْ(12/1)

118 / 151
ع
En
A+
A-