لا و الله لكن سلا عنها فولهت نحوه و تطامن لها فالتفت به و مال عنها فمالت إليه و اشمأز دونها فاشتملت عليه حبوة حباه الله بها و غاية بلغه الله إليها و نعمة سربله جمالها و يد لله أوجب عليه شكرها و أمة نظر الله به
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 280لها و طالما حلقت فوقه في أيام النبي ص و هو لا يلتفت لفتها و لا يرتصد وقتها و الله أعلم بخلقه و أرأف بعباده يختار ما كان لهم الخيرة و إنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوة و معدن الرسالة و كهف الحكمة و لا يجحد حقك فيما آتاك ر من العلم و منحك من الفقه في الدين هذا إلى مزايا خصصت بها و فضائل اشتملت عليها و لكن لك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك و قربى أمس من قرباك و سن أعلى من سنك و شيبة أروع من شيبتك و سيادة معروفة في الإسلام و الجاهلية و مواقف ليس لك فيها جمل و لا ناقة و لا تذكر فيها في مقدمة و لا ساقة و لا تضرب فيها بذراع و لا إصبع و لا تعد منها ببازل و لا هبع. إن أبا بكر كان حبة قلب رسول الله ص و علاقة همه و عيبة سره و مثوى حزنه و راحة باله و مرمق طرفه شهرته مغنية عن الدلالة عليه. و لعمري إنك لأقرب منه إلى رسول الله ص قرابة و لكنه أقرب منك قربة و القرابة لحم و دم و القربة روح و نفس و هذا فرق يعرفه المؤمنون و لذلك صاروا إليه أجمعون. و مهما شككت فلا تشك في أن يد الله مع الجماعة و رضوانه لأهل الطاعة فادخل فيما هو خير لك اليوم و أنفع غدا و الفظ من فيك ما هو متعلق بلهاتك و انفث شرح هج البلاغة ج : 10 ص : 281سخيمة صدرك فإن يكن في الأمد طول و في الأجل فسحة فستأكله مريئا أو غير مري ء و ستشربه هنيئا أو غير هني ء حين لا راد لقولك إلا من كان آيسا منك و لا تابع لك إلا من كان طامعا فيك حين يمض إهابك و يفري أديمك و يزري على هديك هناك تقرع ا من ندم و تشرب الماء ممزوجا بدم حين تأسى على ما مضى من عمرك و انقضى و انقرض من دارج قومك و تود أن لو سقيت بالكأس(11/239)
التي سقيتها غيرك و رددت إلى الحال التي كنت تكرهها في أمسك و لله فينا و فيك أمر هو بالغه و عاقبة هو المرجو لسرائها و ضرائها و هو الولي الحميد الغفور الودود. قال أبو عبيدة فمشيت إلى علي مثبطا متباطئا كأنما أخطو على أم رأسي فرقا من الفتنة و إشفاقا على الأمة و حذرا من الفرقة حتى وصلت إليه في خلاء فأبثثته بثي كله و برئت إليه منه و دفعته له فلما سمعها و وعاها و سرت في أوصاله حمياها قال حلت معلوطة و ولت مخروطة ثم قال.
إحدى لياليك فهيسي هيسي لا تنعمي الليلة بالتعريس(11/240)
يا أبا عبيدة أ هذا كله في أنفس القوم يستنبطونه و يضطغنون عليه فقلت لا جواب عندي إنما جئتك قاضيا حق الدين و راتقا فتق الإسلام و سادا ثلمة الأمة يعلم الله ذلك من جلجلان قلبي و قرارة نفسي. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 282فقال ما كان قعودي في كسر هذا البيت قصدلخلاف و لا إنكارا لمعروف و لا زراية على مسلم بل لما وقذني به رسول الله ص من فراقه و أودعني من الحزن لفقده فإني لم أشهد بعده مشهدا إلا جدد علي حزنا و ذكرني شجنا و إن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره و قد عكفت على عهد الله أنظر فيه و أجمع ما تفرق منه رجاء ثواب معد لمن أخلص لله عمله و سلم لعلمه و مشيئته أمره على أني أعلم أن التظاهر علي واقع و لي عن الحق الذي سيق إلي دافع و إذ قد أفعم الوادي لي و حشد النادي علي فلا مرحبا بما ساء أحدا من المسلمين و في النفس كلام لو لا سابق قول و سالف عهد لشفيت غيظي بخنصري و بنصري و خضت لجته بأخمصي و مفرقي و لكني ملجم إلى أن ألقى الله تعالى عنده أحتسب ما نزل بي و أنا غاد إن شاء الله إلى جماعتكم و مبايع لصاحبكم و صابر على ما ساءني و سركم ليقضي الله أمرا كان مفعولا و كان الله على كل شي ء شهيدا. قال أبو عبيدة فعدت إلى أبي بك و عمر فقصصت القول على غره و لم أترك شيئا من حلوه و مره ذكرت غدوة إلى المسجد فلما كان صباح يومئذ وافى علي فخرق الجماعة إلى أبي بكر و بايعه و قال خيرا و وصف جميلا و جلس زمينا و استأذن للقيام و نهض فتبعه عمر إكراما له و إجلالا لموضعه و استنباطا لما في نفسه و قام أبو بكر إليه فأخذ بيده و قال إن عصابة أنت منها يا أبا الحسن لمعصومة و إن أمة أنت فيها لمرحومة و لقد أصبحت عزيزا علينا كريما لدينا نخاف الله إن سخطت و نرجوه إذا رضيت و لو لا أني شدهت لما أجبت إلى ما دعيت إليه و لكني خفت شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 283فرقة و استئثار الأنصار بالأمر على قريش و أعجلت عن حضورك و مشاورتك و(11/241)
لو كنت حاضرا لبايعتك و لم أعدل بك و لقد حط الله عن ظهرك ما أثقل كاهلي به و ما أسعد من ينظر الله إليه بالكفاية و إنا إليك لمحتاجون و بفضلك عالمون و إلى رأيك و هديك في جميع الأحوال راغبون و على حمايتك و حفيظتك معولون ثم انصرف و تركه مع عمر.
فالتفت علي إلى عمر فقال يا أبا حفص و الله ما قعدت عن صاحبك جزعا على ما صار إليه و لا أتيته خائفا منه و لا أقول ما أقول بعلة و إني لأعرف مسمى طرفي و مخطي قدمي و منزع قوسي و موقع سهمي و لكني تخلفت إعذارا إلى الله و إلى من يعلم الأمر الذي جعله لي رسول الله و أتيت فبايعت حفظا للدين و خوفا من انتشار أمر الله(11/242)
فقال له عمر يا أبا الحسن كفكف من غربك و نهنه من شرتك و دع العصا بلحائها و الدلو برشائها فإنا من خلفها و ورائها إن قدحنا أورينا و إن متحنا أروينا و إن قرحنا أدمينا و قد سمعت أمثالك التي ألغزت بها صادرة عن صدر دو و قلب جو زعمت أنك قعدت في كسر بيتك لما وقذك به فراق رسول الله أ فراق رسول الله ص وقذك وحدك و لم يقذ سواك إن مصابه لأعز و أعظم من ذاك و إن من حق مصابه ألا تصدع شمل الجماعة بكلمة لا عصام لها فإنك لترى الأعراب حول المدينة لو تداعت علينا في صبح يوم لم نلتق في ممساه و زعمت أن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره فمن الشوق إليه نصرة دينه و موازرة المسلمين عليه و معاونتهم فيه. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 284و زعمت أنك مكب على عهد الله تجمع ما تفرق منه فمن العكوف على عهده النصيحة لعباده و الرأفة على خلقه و أن تبذل من نفسك ما يصلحون به و يجتمعون عليه و زع أن التظاهر عليك واقع أي تظاهر وقع عليك و أي حق استؤثر به دونك لقد علمت ما قالت الأنصار أمس سرا و جهرا و ما تقلبت عليه ظهرا و بطنا فهل ذكرتك أو أشارت بك أو طلبت رضاها من عندك و هؤلاء المهاجرون من الذي قال منهم إنك صاحب هذا الأمر أو أومأ إليك أو همهم بك في نفسه أ تظن أن الناس ضنوا من أجلك أو عادوا كفارا زهدا فيك أو باعوا الله تعالى بهواهم بغضا لك و لقد جاءني قوم من الأنصار فقالوا إن عليا ينتظر الإمامة و يزعم أنه أولى بها من أبي بكر فأنكرت عليهم و رددت القول في نحورهم حتى قالوا إنه ينتظر الوحي و يتوكف مناجاة الملك فقلت ذاك أمر طواه الله بعد محمد ع. و من أعجب شأنك قولك لو لا سابق قول لشفيت غيظي بخنصري و بنصري و هل ترك الدين لأحد أن يشفي غيظه بيده أو لسانه تلك جاهلية استأصل الله شأفتها و اقتلع جرثومتها و نور ليلها و غور سيلها و أبدل منها الروح و الريحان و الهدى و البرهان. و زعمت أنك ملجم فلعمري إن من اتقى الله و آثر رضاه و(11/243)