كنت مع رسول الله ص بالمكان المحوط و المحل المغبوط و
لقد قال فيك في يوم مشهود أبو عبيدة أمين هذه الأمة
و طالما أعز الله الإسلام بك و أصلح ثلمة على يديك و لم تزل للدين ناصرا و للمؤمنين روحا و لأهلك ركنا و لإخوانك مردا قد أردتك شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 273لأمر له ما بعده خطره مخوف و صلاحه معروف و لئن لم يندمل جرحه بمسبارك و رفقك و لم تجب حيته برقيتك لقد و اليأس و أعضل البأس و احتيج بعدك إلى ما هو أمر من ذلك و أعلق و أعسر منه و أغلق و الله أسأل تمامه بك و نظامه على يدك فتأت له يا أبا عبيدة و تلطف فيه و انصح لله و لرسوله و لهذه العصابة غير آل جهدا و لا قال حمدا و الله كالئك و ناصرك و هاديك و مبصرك. امض إلى علي و اخفض جناحك له و اغضض من صوتك عنده و اعلم أنه سلالة أبي طالب و مكانه ممن فقدناه بالأمس مكانه و قل له البحر مغرقة و البر مفرقة و الجو أكلف و الليل أغلف و السماء جلواء و الأرض صلعاء و الصعود متعذر و الهبوط متعسر و الحق عطوف رءوف و الباطل نسوف عصوف و العجب مقدحة الشر و الضغن رائد البوار و التعريض شجار الفتنة و القحة مفتاح العداوة و الشيطان متكئ على شماله باسط ليمينه نافج حضنيه لأهله ينتظر الشتات و الفرقة و يدب بين الأمة بالشحناء و العداوة عنادا لله و لرسوله و لدينه يوسوس بالفجور و يدلي بالغرور و يمني أهل الشرور و يوحي إلى أوليائه بالباطل دأبا له منذ كان على عهد أبينا شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 274آدم و عادة منه منذ أهانه الله في سالف الدهر لا ينجى منه إلا بعض الناجذ على الحق و غض الطرف عن الباطل و وطء هامة عدو الله و الدين بالأشد فالأشد و الأجد فالأجد و إام النفس لله فيما حاز رضاه و جنب سخطه. و لا بد من قول ينفع إذ قد أضر السكوت و خيف غبه و لقد أرشدك من أفاء ضالتك و صافاك من أحيا مودته لك بعتابك و أراد الخير بك من آثر البقيا معك. ما هذا الذي تسول لك نفسك و يدوى به قلبك(11/234)
و يلتوي عليه رأيك و يتخاوص دونه طرفك و يستشري به ضغنك و يتراد معه نفسك و تكثر لأجله صعداؤك و لا يفيض به لسانك أ عجمة بعد إفصاح أ لبسا بعد إيضاح أ دينا غير دين الله أ خلقا غير خلق القرآن أ هديا غير هدي محمد أ مثلي يمشى له الضراء و يدب له الخمر أم مثلك يغص عليه الفضاء و يكسف في عينه القمر ما هذه القعقعة بالشنان و الوعوعة باللسان إنك لجد عارف باستجابتنا لله و لرسوله و خروجنا من أوطاننا و أولادنا و أحبتنا هجرة إلى الله و نصرة لدينه في زمان أنت منه في كن الصبا و خدر الغرارة غافل تشبب و تربب لا تعي ما يشاد و يراد و لا تحصل ما يساق و يقاد سوى ما أنت جار عليه من أخلاق الصبيان أمثالك و سجايا الفتيان أشكالك حتى بلغت إلى غايتك هذه التي إليها أجريت و عندها حط رحلك غير مجهول القدر شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 275و لا مجحود الفضل و نحن في أثناء ذلك نعاني أحوالا تزيل الرواسي و نقاسي أهوالا تشيب النواصي خائضينمارها راكبين تيارها نتجرع صلبها و نشرج عيابها و نحكم آساسها و نبرم أمراسها و العيون تحدج بالحسد و الأنوف تعطس بالكبر و الصدور تستعر بالغيظ و الأعناق تتطاول بالفخر و الأسنة تشحذ بالمكر و الأرض تميد بالخوف لا ننتظر عند المساء صباحا و لا عند الصباح مساء و لا ندفع في نحر أمر إلا بعد أن نحسو الموت دونه و لا نبلغ إلى شي ء إلا بعد تجرع العذاب قبله و لا نقوم منآدا إلا بعد اليأس من الحياة عنده فأدين في كل ذلك رسول الله ص بالأب و الأم و الخال و العم و المال و النشب و السبد و اللبد و الهلة و البلة بطيب أنفس و قرة أعي و رحب أعطان و ثبات عزائم و صحة عقول و طلاقة أوجه و ذلاقة ألسن هذا إلى خبيئات أسرار و مكنونات أخبار كنت عنها غافلا و لو لا سنك لم تك عن شي ء منها ناكلا كيف و فؤادك مشهوم و عودك معجوم و غيبك مخبور و الخير منك كثير فالآن قد بلغ الله بك و أرهص الخير لك و جعلمرادك بين يديك فاسمع ما أقول(11/235)
لك و اقبل ما يعود قبوله عليك و دع التحبس و التعبس
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 276لمن لا يضلع لك إذا خطا و لا يتزحزح عنك إذا عطا فالأمر غض و في النفوس مض و أنت أديم هذه الأمة فلا تحلم لجاجا و سيفها العضب فلا تنب اعوجاجا و ماؤها العذب فلا تحل أجاجا و الله لقد سألت رسول الله ص عن هذا لمن هو فقال هو لمن يرغعنه لا لمن يجاحش عليه و لمن يتضاءل له لا لمن يشمخ إليه و هو لمن يقال له هو لك لا لمن يقول هو لي. و لقد شاورني رسول الله ص في الصهر فذكر فتيانا من قريش فقلت له أين أنت من علي فقال إني لأكره لفاطمة ميعة شبابه و حدة سنه فقلت متى كنفته يدك و رعته عينك حفت بهما البركة و أسبغت عليهما النعمة مع كلام كثير خطبت به رغبته فيك و ما كنت عرفت منك في ذلك حوجاء و لا لوجاء و لكني قلت ما قلت و أنا أرى مكان غيرك و أجد رائحة سواك و كنت لك إذ ذاك خيرا منك الآن لي و لئن كان عرض بك رسول الله ص في هذا الأمر فقد كنى عن غيرك و إن قال فيك فما سكت عن سواك و إن اختلج في نفسك شي ء فهلم فالحكم مرضي و الصواب مسموع و الحق مطاع. و لقد نقل رسول الله ص إلى ما عند الله و هو عن هذه العصابة راض و عليها حدب يسره ما سرها و يكيده ما كادها و يرضيه ما أرضاها و يسخطه شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 277ماخطها أ لم تعلم أنه لم يدع أحدا من أصحابه و خلطائه و أقاربه و سجرائه إلا أبانه بفضيلة و خصه بمزية و أفرده بحالة لو أصفقت الأمة عليه لأجلها لكان عنده إيالتها و كفالتها. أ تظن أنه ع ترك الأمة سدى بددا عدا مباهل عباهل طلاحى مفتونة بالباطل ملوية عن الحق لا ذائد و لا رائد و لا ضابط و لا خابط و لا رابط و لا سافي و لا واقي و لا حادي و لا هادي كلا و الله ما اشتاق إلى ربه و لا سأله المصير إلى رضوانه إلا بعد أن أقام الصوى و أوضح الهدى و أمن المهالك و حمى المطارح و المبارك و إلا بعد أن شدخ يافوخ الشرك بإذن الله و شرم وجه النفاق لوجه(11/236)
الله و جدع أنف الفتنة في دين الله و تفل في عين الشيطان بعون الله و صدع بمل ء فيه و يده بأمر الله. و بعد فهؤلاء المهاجرون و الأنصار عندك و معك في بقعة جامعة و دار واحدة إن استقادوا لك و أشاروا بك فأنا واضع يدي في يدك و صائر إلى رأيهم فيك و إ تكن الأخرى فادخل في صالح ما دخل فيه المسلمون و كن العون على مصالحهم و الفاتح لمغالقهم و المرشد لضالهم و الرادع لغاويهم فقد أمر الله بالتعاون على البر و أهاب إلى التناصر على الحق و دعنا نقض هذه الحياة الدنيا بصدور بريئة من الغل و نلقى الله بقلوب سليمة من الضغن. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 278و إنما الناس ثمامة فارفق بهم و احن عليهم و لن لهم و لا تسول لك نفسك فرقتهم و اختلاف كلمتهم و اترك ناجم الشر حصيدا و طائر الحقد واقعا و باب الفتنة مغلقا لا قال و لا قيل و لا لوم و لا تعنيف و لا عتاب و لا تثريب و الله علما أقول وكيل و بما نحن عليه بصير. قال أبو عبيدة فلما تهيأت للنهوض قال لي عمر كن على الباب هنيهة فلي معك ذرو من الكلام فوقفت و ما أدري ما كان بعدي إلا أنه لحقني بوجه يندى تهللا و قال لي قل لعلي الرقاد محلمة و اللجاج ملحمة و الهوى مقحمة و ما منا أحد إلا له مقام معلوم و حق مشاع أو مقسوم و بناء ظاهر أو مكتوم و إن أكيس الكيسى من منح الشارد تألفا و قارب البعيد تلطفا و وزن كل أمر بميزانه و لم يجعل خبره كعيانه و لا قاس فتره بشبره دينا كان أو دنيا و ضلالا كان أو هدى و لا خير في علم معتمل في جهل و لا في معرفة مشوبة بنكر
و لسنا كجلدة رفغ البعير بين العجان و بين الذنب(11/237)
و كل صال فبناره يصلى و كل سيل فإلى قراره يجرى و ما كان سكوت هذه العصابة إلى هذه الغاية لعي و حصر و لا كلامها اليوم لفرق أو حذر فقد جدع الله بمحمد ع أنف كل متكبر و قصم به ظهر كل جبار و سل لسان كل كذوب فما ذا بعد الحق إلا الضلال. ما هذه الخنزوانة التي في فراش رأسك و ما هذا الشجا المعترض في مدارج أنفاسك و ما هذه الوحرة التي أكلت شراسيفك و القذاة التي أعشت ناظرك و ما هذا الدحس شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 279و الدس اللذان يدلان على ضيق الباع و خور الطباع و ما هذا الذي لبست بسببه جلد النمر و اشتملت عليه بالشحناء النكر لشد ما استسعيت لها و سريت سرى ابن أنقد إليها إن العوان لا تعلم الخمرة ما أحوج الفرعاء إلى فالية و ما أفقر الصلعاء إلى حالية و لقد قبض رسول الله ص و الأمر معبد مخيس ليس لأحد فيه ملمس لم يسير فيك قولا و لم يستنزل لك قرآنا و لم يجزم في شأنك حكما لسنا في كسروية كسرى و لا قيصرية قيصر تأمل إخوان فارس و أبناء الأصفر قد جعلهم الله جزرا لسيوفنا و دريئة لرماحنا و مرمى لطعاننا بل نحن في نور نبوة و ضياء رسالة و ثمرة حكمة و أثر رحمة و عنوان نعمة و ظل عصمة بين أمة مهدية بالحق و الصدق مأمونة على الرتق و الفتق لها من الله تعالى قلب أبي و ساعد قوي و يد ناصرة و عين ناظرة. أ تظن ظنا أن أبا بكر وثب على هذا الأمر مفتاتا على الأمة خادعا لها و متسلطا عليها أ تراه امتلخ أحلامها و أزاغ أبصارها و حل عقودها و أحال عقولها و استل من صدورها حميتها و انتكث رشاءها و انتضب ماءها و أضلها عن هداها و ساقها إلى رداها و جعل نهارها ليلا و وزنها كيلا و يقظتها رقادا و صلاحها فسادا إن كان هكذا إن سحره لمبين و إن كيده لمتين كلا و الله بأي خيل و رجل و بأي سنان و نصل و بأي منة و قوة و بأي مال و عدة و بأي أيد و شدة و بأي عشيرة و أسرة و بأي قدرة و مكنة و بأي تدرع و بسطة لقد أصبح بما وسمته منيع الرقبة رفيع العتبة(11/238)