و قال له أيضا هذه اللفظة لما بعثه في شأن مارية القبطية و ما كانت اتهمت به من أمر الأسود القبطي و لهذا علة في العلم الطبيعي و ذلك أن السكة المحماة تخرق الأرض بشيئين أحدهما تحدد رأسها و الثاني حرارته فإن الجسم المحدد الحار إذا اعتمد عليه في الأرض اقتضت الحرارة إعانة ذلك الطرف المحدد على النفوذ بتحليلها ما تلاقي من صلابة الأرض لأن شأن الحرارة التحليل فيكون غوص ذلك الجسم المحدد في الأرض أوحى و أسهل. و التيه المفازة يتحير سالكها
قصة صالح و ثمود(11/224)


قال المفسرون إن عادا لما أهلكت عمرت ثمود بلادها و خلفوهم في الأرض و كثروا و عمروا أعمارا طوالا حتى إن الرجل كان يبني المسكن المحكم فينهدم في حياته فنحتوا البيوت في الجبال و كانوا في سعة و رخاء من العيش فعتوا على الله و أفسدوا في الأرض و عبدوا الأوثان فبعث الله إليهم صالحا و كانوا قوما عربا و صالح من أوسطهم شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 263نسبا فما آمن به إلا قليل منهم مستضعفون فحذرهم و أنذرهم فسألوه آية فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة فتدعو إلهك و ندعو إلهنا فإن استجيبك اتبعناك و إن استجيب لنا اتبعتنا. قال نعم فخرج معهم و دعوا أوثانهم و سألوها الاستجابة فلم تجب فقال سيدهم جندع بن عمرو و أشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يسمونها الكاثبة أخرج لنا في هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء و المخترجة التي شاكلت البخت فإن فعلت صدقناك و أجبناك. فأخذ عليهم المواثيق لئن فعلت ذلك لتؤمنن و لتصدقن قالوا نعم فصلى و دعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله و عظماؤهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها في العظم فآمن به جندع و رهط من قومه و منع أعقابهم ناس من رءوسهم أن يؤمنوا فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر و تشرب الماء و كانت ترد غبا فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ماء فيها ثم تتفجح فيحتلبون ما شاءوا حتى تمتلئ أوانيهم فيشربون و يدخرون فإذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطنه و إذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره فشق ذلك عليهم و زينت عقرها لهم امرأتان عنيزة أم غنم و صدفة بنت المختار لما أضرت به من مواشيهما و كانتا كثيرتي المواشي فعقروها عقرها قدار الأحمر و اقتسموا لحمها و طبخوه. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 264فانطلق سقبها(11/225)


حتى رقي جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثا و كان صالح قال لهم أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه و انفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح تصبحون غدا و وجوهكم مصفرة و بعد غد وهكم محمرة و اليوم الثالث وجوهكم مسودة ثم يغشاكم العذاب. فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله سبحانه إلى أرض فلسطين فلما كان اليوم الرابع و ارتفعت الضحوة تحنطوا بالصبر و تكفنوا بالأنطاع فأتتهم صيحة من السماء و خسف شديد و زلزال فتقطعت قلوبهم فهلكوا. و
قد جاء في الحديث أن رسول الله ص مر بالحجر في غزوة تبوك فقال لأصحابه لا يدخلن أحد منكم القرية و لا تشربوا من مائها و لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تمروا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم
و روى المحدثون أن النبي ص قال لعلي ع أ تدري من أشقى الأولين قال نعم عاقر ناقة صالح قال أ فتدري من أشقى الآخرين قال الله و رسوله أعلم قال من يضربك على هذه حتى تخضب هذه(11/226)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 195265- و من كلام له عروي عنه أَنَّهُ قَالَهُ عِنْدَ دَفْنِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ ع كَالْمُنَاجِي بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ص عِنْدَ قَبْرِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَ عَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَ السَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَ رَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَ فَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَ فَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي نَفْسُكَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ وَ سَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ هَذَا وَ لَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ وَ لَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَ لَا سَئِمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وَ إِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ
أما قول الرضي رحمه الله عند دفن سيدة النساء فلأنه
قد تواتر الخبر عنه ص أنه قال فاطمة سيدة نساء العالمين
إما هذا اللفظ بعينه أو لفظ يؤدي هذا شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 266المعنى روي أنه قال و قد رآها تبكي عند موته أ لا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة
و روي أنه قال سادات نساء العالمين أربع خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و آسية بنت مزاحم و مريم بنت عمران
قوله ع و سريعة اللحاق بك(11/227)


جاء في الحديث أنه رآها تبكي عند موته فأسر إليها أنت أسرع أهلي لحوقا بي فضحكت
قوله عن صفيتك أجله ص عن أن يقول عن ابنتك فقال صفيتك و هذا من لطيف عبارته و محاسن كنايته يقول ع ضعف جلدي و صبري عن فراقها لكني أتأسى بفراقي لك فأقول كل عظيم بعد فراقك جلل و كل خطب بعد موتك يسير. ثم ذكر حاله معه وقت انتقاله ص إلى جوار ربه فقال لقد وسدتك في ملحودة قبرك أي في الجهة المشقوقة من قبرك و اللحد الشق في جانب القبر و جاء بضم اللام في لغة غير مشهورة. قال و فاضت بين نحري و صدري نفسك يروى أنه ص قذف دما يسيرا وقت موته و من قال بهذا القول زعم أن مرضه كان ذات الجنب و أن القرحة التي كانت في الغشاء المستبطن للأضلاع انفجرت في تلك الحال و كانت فيها نفسه ص و ذهب قوم إلى أن مرضه إنما كان الحمى و السرسام الحار و أن أهل داره ظنوا أن به ذات الجنب فلدوه و هو مغمى عليه و كانت العرب تداوي باللدود من به ذات الجنب فلما أفاق علم أنهم قد لدوه فقال لم يكن الله ليسلطها علي لدوا كل من في الدار فجعل بعضهم يلد بعضا. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 267و احتج الذاهبون إلى أن مرضه كان ذات الجنب بما روي من انتصابه و تعذر الاضطجاع و النوم عليه قال سلمان الفارسي دخلت عليه صبيحة يوم قبل اليوم الذي مات فيه فقال لي يا سلمان أ لا تسأل عما كابدته الليلة من الألم و السهر أنا و علي فقلت يا رسول الله أ لا أسهر الليلة معك بدله فقال لا هو أحق بذلك منك
و زعم آخرون أن مرضه كان أثرا لأكلة السم التي أكلها ع و احتجوا
بقوله ص ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري(11/228)

114 / 151
ع
En
A+
A-