يعلم أنها ستصير إذا امتنع إلى هؤلاء فلذلك فتح بابه و امتنع امتناع من يحاول أن يعلم ما في قلوب الناس هل لرغبتهم إليه حقيقة أم لا فلما رأى منهم التصميم وق لوجوب الموافقة عليه و
قد قال في خطبته لو لا حضور الحاضر و وجوب الحجة بوجود الناصر... لألقيت حبلها على غاربها و لسقيت آخرها بكأس أولها
و هذا تصريح بما قلناه. و منها قولهم هلا إذ ملك شريعة الفرات على معاوية بعد أن كان معاوية ملكها عليه و منعه و أهل العراق منها منع معاوية و أهل الشام منها فكان يأخذهم قبضا بالأيدي فإنه لم يصبر على منعهم عن الماء بل فسح لهم في الورود و هذا يخالف ما يقتضيه تدبير الحرب. الجواب أنه ع لم يكن يستحل ما استحله معاوية من تعذيب البشر بالعطش فإن الله تعالى ما أمر في أحد من العصاة الذين أباح دماءهم بذلك و لا فسح فيه في نحو القصاص أو حد الزاني المحصن أو قتل قاطع الطريق أو قتال البغاة و الخوارج و ما كان أمير المؤمنين ممن يترك حكم الله و شريعته و يعتمد ما هو محرم فيها لأجل الغلبة و القهر و الظفر بالعدو و لذلك لم يكن يستحل البيات و لا الغدر و لا النكث و أيضا فمن الجائز أن يكون ع غلب على ظنه أن أهل الشام إن منعوا من الماء كان ذلك أدعى لهم إلى الحملات الشديدة المنكرة على عسكره و أن يضعوا فيهم السيوف فيأتوا عليهم و يكسروهم بشدة حنقهم و قوة داعيهم إلى ورود الماء فإن ذلك من أشد الدواعي إلى أن يستميت القوم و يستقتلوا و من الذي يقف بين يدي جيش عظيم عرمرم قد اشتد بهم العطش و هم يرون الماء كبطون الحيات لا يحول بينهم و بينه شرح نهج الاغة ج : 10 ص : 258إلا قوم مثلهم بل أقل منهم عدة و أضعف عدة و لذلك لما حال معاوية بين أهل العراق و بين الماء و قال لأمنعنهم وروده فأقتلهم بشفار الظمأ قال له عمرو بن العاص خل بين القوم و بين الماء فليسوا ممن يرى الماء و يصبر عنه فقال لا و الله لا أخلي لهم عنه فسفه رأيه و قال أ تظن أن ابن(11/219)


أبي طالب و أهل العراق يموتون بإزائك عطشا و الماء بمقعد الأزر و سيوفهم في أيديهم فلج معاوية و قال لا أسقيهم قطرة كما قتلوا عثمان عطشا فلما مس أهل العراق العطش أشار علي ع إلى الأشعث أن احمل و إلى الأشتر أن احمل فحملا بمن معهما فضربا أهل الشام ضربا أشاب الوليد و فر معاوية و من رأى رأيه و تابعه على قوله عن الماء كما تفر الغنم خالطتها السباع و كان قصارى أمره و منتهى همته أن يحفظ رأسه و ينجو بنفسه و ملك أهل العراق عليهم الماء و دفعوهم عنه فصاروا في البر القفر و صار علي ع و أصحابه على شريعة الفرات مالكين لها فما الذي كان يؤمن عليا ع لو أعطش القوم أن يذوق هو و أصحابه منهم مثل ما أذاقهم و هل بعد الموت بالعطش أمر يخافه الإنسان و هل يبقى له ملجأ إلا السيف يحمل به فيضرب خصمه إلى أن يقتل أحدهما. و منها قولهم أخطأ حيث محا اسمه بالخلافة من صحيفة الحكومة فإن ذلك مما وهنه عند أهل العراق و قوى الشبهة في نفوس أهل الشام. و الجواب أنه ع احتذى في ذلك لما دعي إليه و اقترحه الخصم عليه فعل رسول الله ص في صحيفة الحديبية حيث محا اسمه من النبوة لما قال له سهيل بن عمرو لو علمنا أنك رسول الله لما حاربناك و لا منعناك عن البيت و قد قال له ص و هو يومئذ كاتب تلك الصحيفة ستدعى إلى مثلها فتجيب و هذا من أعلام نبوته ص و من دلائل صدقه و مثله جرى له حذو القذة بالقذة.(11/220)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 259و منها قولهم إنه كان غير مصيب في ترك الاحتراس فقد كان يعلم كثرة أعدائه و لم يكن يحترس منهم و كان يخرج ليلا في قميص و رداء وحده حتى كمن له ابن ملجم في المسجد فقتله و لو كان احترس و حفظ نفسه و لم يخرج إلا في جماعة و لو خرج لي كانت معه أضواء و شرطة لم يوصل إليه. و الجواب أن هذا إن كان قادحا في السياسة و التدبير فليكن قادحا في تدبير عمر و سياسته و هو عند الناس في الطبقة العليا في السياسة و صحة التدبير و ليكن قادحا في تدبير معاوية فقد ضربه الخارجي بالسيف ليلة ضرب أمير المؤمنين ع فجرحه و لم يأت على نفسه و معاوية عند هؤلاء سديد التدبير و ليكن قادحا في صحة تدبير رسول الله ص فقد كان يخرج وحده في المدينة ليلا و نهارا مع كثرة أعدائه و قد كان يأكل ما دعي إليه و لا يحترس حتى أكل من يهودية شاة مشوية قد سمته فيها فمرض و خيف عليه التلف و لما برأ لم تزل تنتقض عليه حتى مات منها و
قال عند موته إني ميت من تلك الأكلة(11/221)


و لم تكن العرب في ذلك الزمان تحترس و لا تعرف الغيلة و الفتك و كان ذلك عندهم قبيحا يعير به فاعله لأن الشجاعة غير ذلك و الغيلة فعل العجزة من الرجال و لأن عليا ع كانت هيبته قد تمكنت في صدور الناس فلم يكن يظن أن أحدا يقدم عليه غيلة أو مبارزة في حرب فقد كان بلغ من الذكر بالشجاعة مبلغا عظيما لم يبلغه أحد من الناس لا من تقدم و لا من تأخر حتى كانت أبطال العرب تفزع باسمه أ لا ترى إلى عمرو بن معديكرب و هو شجاع العرب الذي تضرب به الأمثال كتب إليه عمر بن الخطاب في أمر أنكره عليه و غدر تخوفه منه أما و الله لئن أقمت على ما أنت عليه لأبعثن إليك رجلا تستصغر معه نفسك يضع سيفه على هامتك فيخرجه من بين فخذيك فقال عمرو لما وقف على الكتاب هددني بعلي و الله و لهذا قال شبيب بن بجرة لابن ملجم لما رآه يشد الحرير على بطنه و صدره ويلك ما تريد شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 260أن تصنع قالقتل عليا قال هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا كيف تقدر على ذلك فاستبعد أن يتم لابن ملجم ما عزم عليه و رآه مراما وعرا و الأمر في هذا و أمثاله مسند إلى غلبات الظنون فمن غلبت على ظنه السلامة مع الاسترسال لم يجب عليه الاحتراس و إنما يجب الاحتراس على من يغلب على ظنه العطب إن لم يحترس. فقد بان بما أوضحناه فساد قول من قال إن تدبيره ع و سياسته لم تكن صالحة و بان أنه أصح الناس تدبيرا و أحسنهم سياسة و إنما الهوى و العصبية لا حيلة فيهما(11/222)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 194261- و من كلام له عأَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ فَإِنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ وَ جُوعُهَا طَوِيلٌ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ خَارَتْ أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ خُوَارَ السِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ فِي الْأَرْضِ الْخَوَّارَةِ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ وَ مَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي التِّيهِ
الاستيحاش ضد الاستئناس و كثيرا ما يحدثه التوحد و عدم الرفيق فنهى ع عن الاستيحاش في طريق الهدى لأجل قلة أهله فإن المهتدي ينبغي أن يأنس بالهداية فلا وحشة مع الحق. و عنى بالمائدة الدنيا لذتها قليلة و نغصتها كثيرة و الوجود فيها زمان قصير جدا و العدم عنها زمان طويل جدا. ثم قال ليست العقوبة لمن اجترم ذلك الجرم بعينه بل لمن اجترمه و من رضي به و إن لم يباشره بنفسه فإن عاقر ناقة صالح إنما كان إنسانا واحدا فعم الله ثمود بالسخط شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 262لما كانوا راضين بذلك الفعل كلهم و اسم كان مضمر فيها أي ما ك الانتقام منهم إلا كذا. و خارت أرضهم بالخسفة صوتت كما يخور الثور و شبه ع ذلك بصوت السكة المحماة في الأرض الخوارة و هي اللينة و إنما جعلها محماة لتكون أبلغ في ذهابها في الأرض و
من كلامه ع يوم خيبر يقوله لرسول الله ص و قد بعثه بالراية أكون في أمرك كالسكة المحماة في الأرض أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال له بل يرى الشاهد ما لا يرى الغائب(11/223)

113 / 151
ع
En
A+
A-