شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 246الموضعين و فضل ما بين الإثمين فمن لا يجيب إلى الخلافة و الاستيلاء على جميع بلاد الإسلام إذا تسمح بلفظة يتلفظ بها يجوز أن يتأولها أو يوري فيها كيف يستجيب إلى إقرار الجائر و تقوية يده مع تمكينه في سلطانه لتحصل له طاعة أهل الش و استضافة طرف من الأطراف و كأن معنى قول القائل هلا أقر معاوية على الشام هو هلا كان ع متهاونا بأمر الدين راغبا في تشديد أمر الدنيا. و الجواب عن هذا ظاهر و جهل السائل عنه واضح. و اعلم أن حقيقة الجواب هو أن عليا ع كان لا يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة سواء أ كانت تلك السياسة دينية أو دنيوية أما الدنيوية فنحو أن يتوهم الإمام في إنسان أنه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقينا فإن عليا ع لم يكن يستحل قتله و لا حبسه و لا يعمل بالتوهم و بالقول غير المحقق و أما الدينية فنحو ضرب المتهم بالسرقة فإنه أيضا لم يكن يعمل به بل يقول إن يثبت عليه بإقرار أو بينة أقمت عليه الحد و إلا لم أعترضه و غير علي ع قد كان منهم من يرى خلاف هذا الرأي و مذهب مالك بن أنس العمل على المصالح المرسلة و أنه يجوز للإمام أن يقتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين و مذهب أكثر الناس أنه يجوز العمل بالرأي و بغالب الظن و إذا كان مذهبه ع ما قلناه و كان معاوية عنده فاسقا و قد سبق عنده مقدمة أخرى يقينية هي أن استعمال الفاسق لا يجوز و لم يكن ممن يرى تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة فقد تعين مجاهرته بالعزل و إن أفضى ذلك إلى الحرب. فهذا هو الجواب الحقيقي و لو لم يكن هذا هو الجواب الحقيقي لكان لقائل أن شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 247يقول لابن سنان القول في عدوله عن الدخول تحت شرط عبد الرحمن كالقول في عدوله عن إقرار معاوية على الشام فإن من ذهب إلى تغليطه في أحد الموضعين له أن يذهب إلى تغليطه في الموضع الآخر. ل ابن سنان و جواب آخر و هو أنا قد علمنا أن أحد الأحداث التي نقمت(11/209)


على عثمان و أفضت بالمسلمين إلى حصاره و قتله تولية معاوية الشام مع ما ظهر من جوره و عدوانه و مخالفة أحكام الدين في سلطانه و قد خوطب عثمان في ذلك فاعتذر بأن عمر ولاه قبله فلم يقبل المسلمون عذره و لا قنعوا منه إلا بعزله حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى و كان علي ع من أكثر المسلمين لذلك كراهية و أعرفهم بما فيه من الفساد في الدين. فلو أنه ع افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام و إقراره فيه أ ليس كان يبتدئ في أول أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره فأفضى إلى خلعه و قتله و لو كان ذلك في حكم الشريعة سائغا و الوزر فيه مأمونا لكان غلطا قبيحا في السياسة و سببا قويا للعصيان و المخالفة و لم يكن يمكنه ع أن يقول للمسلمين إن حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الأمر و طاعة الجمهور لي و إن قصدي بإقراره على الولاية مخادعته و تعجيل طاعته و مبايعة الأجناد الذين قبله ثم أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقه من العزل و أعمل فيه بموجب العدل لأن إظهاره ع لهذا العزم كان يتصل خبره بمعاوية فيفسد التدبير الذي شرع فيه و ينتقض الرأي الذي عول عليه. و منها قولهم إنه ترك طلحة و الزبير حتى خرجا إلى مكة و أذن لهما في العمرة و ذهب عنه الرأي في ارتباطهما قبله و منعهما من البعد عنه.(11/210)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 248و الجواب عنه أنه قد اختلف الرواة في خروج طلحة و الزبير من المدينة هل كان بإذن علي ع أم لا فمن قال إنهما خرجا عن غير إذنه و لا علمه فسؤاله ساقط و من قال إنهما استأذناه في العمرة و أذن لهما فقد روي أنه قال و الله ما تريدان الرة و إنما تريدان الغدرة و خوفهما بالله من التسرع إلى الفتنة و ما كان يجوز له في الشرع أن يحبسهما و لا في السياسة أما في الشرع فلأنه محظور أن يعاقب الإنسان بما لم يفعل و على ما يظن منه و يجوز ألا يقع و أما في السياسة فلأنه لو أظهر التهمة لهما و هما من أفاضل السابقين و جلة المهاجرين لكان في ذلك من التنفير عنه ما لا يخفى و من الطعن عليه ما هو معلوم بأن يقال إنه ليس من إمامته على ثقة فلذلك يتهم الرؤساء و لا يأمن الفضلاء لا سيما و طلحة كان أول من بايعه و الزبير لم يزل مشتهرا بنصرته فلو حبسهما و أظهر الشك فيهما لم يسكن أحد إلى جهته و لنفر الناس كلهم عن طاعته. فإن قالوا فهلا استصلحهما و ولاهما و ارتبطهما بالإجابة إلى أغراضهما. قيل لهم فحوى هذا أنكم تطلبون من أمير المؤمنين ع أن يكون في الإمامة مغلوبا على رأيه مفتاتا عليه في تدبيره فيقر معاوية على ولاية الشام غصبا و يولي طلحة و الزبير مصر و العراق كرها و هذا شي ء ما دخل تحته أحد ممن قبله و لا رضوا أن يكون لهم من الإمامة الاسم و من الخلافة اللفظ و لقد حورب عثمان و حصر على أن يعزل بعض ولاته فلم يجب إلى ذلك فكيف تسومون عليا ع أن يفتتح أمره بهذه الدنية و يرضى بالدخول تحتهذه الخطة و هذا ظاهر. و منها تعلقهم بتولية أمير المؤمنين ع محمد بن أبي بكر مصر و عزله قيس بن سعد عنها حتى قتل محمد بها و استولى معاوية عليها. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 249و الجواب أنه ليس يمكن أن يقال إن محمدا رحمه الله لم يكن بأهل لولاية مصر لأنه كان شعا زاهدا فاضلا صحيح العقل و الرأي و كان مع ذلك من المخلصين في محبة(11/211)


أمير المؤمنين ع و المجتهدين في طاعته و ممن لا يتهم عليه و لا يرتاب بنصحه و هو ربيبه و خريجه و يجري مجرى أحد أولاده ع لتربيته له و إشفاقه عليه. ثم كان المصريون على غاية المحبة له و الإيثار لولايته و لما حاصروا عثمان و طالبوه بعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عنهم اقترحوا تأمير محمد بن أبي بكر عليهم فكتب له عثمان بالعهد على مصر و صار مع المصريين حتى تعقبه كتاب عثمان إلى عبد الله بن سعد في أمره و أمر المصريين بما هو معروف فعادوا جميعا و كان من قتل عثمان ما كان فلم يكن ظاهر الرأي و وجه التدبير إلا تولية محمد بن أبي بكر على مصر لما ظهر من ميل المصريين إليه و إيثارهم له و استحقاقه لذلك بتكامل خصال الفضل فيه فكان الظن قويا باتفاق الرعية على طاعته و انقيادهم إلى نصرته و اجتماعهم على محبته فكان من فساد الأمر و اضطرابه عليه حتى كان ما كان و ليس ذلك يعيب على أمير المؤمنين ع فإن الأمور إنما يعتمدها الإمام على حسب ما يظن فيها من المصلحة و لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. و قد ولى رسول الله ص في مؤتة جعفرا فقتل و ولى زيدا فقتل و ولى عبد الله بن رواحة فقتل و هزم الجيش و عاد من عاد منهم إلى المدينة بأسوإ حال فهل لأحد أن يعيب رسول الله ص بهذا و يطعن في تدبيره. و منها قولهم إن جماعة من أصحابه ع فارقوه و صاروا إلى معاوية كعقيل بن أبي طالب أخيه و النجاشي شاعره و رقبة بن مصقلة أحد الوجوه من أصحابه و لو لا أنه(11/212)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 250كان يوحشهم و لا يستميلهم لم يفارقوه و يصيروا إلى عدوه و هذا يخالف حكم السياسة و ما يجب من تألف قلوب الأصحاب و الرعية. و الجواب أنا أولا لا ننكر أن يكون كل من رغب في حطام الدنيا و زخرفها و أحب العاجل من ملاذها و زينتها يميل ى معاوية الذي يبذل منها كل مطلوب و يسمح بكل مأمول و يطعم خراج مصر عمرو بن العاص و يضمن لذي الكلاع و حبيب بن مسلمة ما يوفي على الرجاء و الاقتراح و علي ع لا يعدل فيما هو أمين عليه من مال المسلمين عن قضية الشريعة و حكم الملة حتى يقول خالد بن معمر السدوسي لعلباء بن الهيثم و هو يحمله على مفارقة علي ع و اللحاق بمعاوية اتق الله يا علباء في عشيرتك و انظر لنفسك و لرحمك ما ذا تؤمل عند رجل أردته على أن يزيد في عطاء الحسن و الحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما فأبى و غضب فلم يفعل. فأما عقيل فالصحيح الذي اجتمع ثقات الرواة عليه أنه لم يجتمع مع معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين ع و لكنه لازم المدينة و لم يحضر حرب الجمل و صفين و كان ذلك بإذن أمير المؤمنين ع و قد كتب عقيل إليه بعد الحكمين يستأذنه في القدوم عليه الكوفة بولده و بقية أهله فأمره ع بالمقام و قد روي في خبر مشهور أن معاوية وبخ سعيد بن العاص على تأخيره عنه في صفين فقال سعيد لو دعوتني لوجدتني قريبا و لكني جلست مجلس عقيل و غيره من بني هاشم و لو أوعبنا لأوعبوا. و أما النجاشي فإنه شرب الخمر في شهر رمضان فأقام علي ع الحد عليه شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 251و ده عشرين جلدة فقال النجاشي ما هذه العلاوة قال لجرأتك على الله في شهر رمضان فهرب النجاشي إلى معاوية. و أما رقبة بن مصقلة فإنه ابتاع سبي بني ناجية و أعتقهم و ألط بالمال و هرب إلى معاوية فقال ع فعل فعل السادة و أبق إباق العبيد و ليس تعطيل الحدود و إباحة حكم الدين و إضاعة مال المسلمين من التألف و السياسة لمن يريد وجه الله(11/213)

111 / 151
ع
En
A+
A-