أبكى منها العيون و قلقل القلوب حتى علت الرنة و ارتفع الضجيج و هم النساء أن يتسلحن ثم كتب إلى طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و سعيد بن العاص و عبد الله بن عامر بن كريز و الوليد بن عقبة و يعلى بن منية و هو اسم أمه و إنما اسم أبيه أمية. فكان كتاب طلحة أما بعد فإنك أقل قريش في قريش وترا مع صباحة وجهك و سماحة كفك و فصاحة لسانك فأنت بإزاء من تقدمك في السابقة و خامس المبشرين بالجنة و لك يوم أحد و شرفه و فضله فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه و لا يرضى الله منك إلا بالقيام به فقد أحكمت لك الأمر شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 236قبلي و الزبير فغير متم عليك بفضل و أيكما قدم صاحبه فالمقدم الإمام و الأمر من بعده للمقدم له سلك الله بك قصد المهتدين و وهب لك رشد الموفقين و السلام. و كتب إلى الزبير أما بعد فإنك الزبير بن العوام بن أبي خديجة و ابن عمة رسول الله ص و حواريه و سلفه و صهر أبي بكر و فارس المسلمين و أنت الباذل في الله مهجته بمكة عند صيحة الشيطان بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت تخبط خبط الجمل الرديع كل ذلك قوة إيمان و صدق يقين و سبقت لك من رسول الله ص البشارة بالجنة و جعلك عمر أحد المستخلفين على الأمة و اعلم يا أبا عبد الله أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي فسارع رحمك الله إلى حقن الدماء و لم الشعث و جمع الكلمة و صلاح ذات البين قبل تفاقم الأمر و انتشار الأمة فقد أصبح الناس على شفا جرف هار عما قليل ينهار إن لم يرأب فشمر لتأليف الأمة و ابتغ إلى ربك سبيلا فقد أحكمت الأمر على من قبلي لك و لصاحبك على أن الأمر للمقدم ثم لصاحبه من بعده و جعلك الله من أئمة الهدى و بغاة الخير و التقوى و السلام. و كتب إلى مروان بن الحكم أما بعد فقد وصل إلي كتابك بشرح خبر أمير المؤمنين و ما ركبوه به و نالوه منه جهلا بالله و جراءة عليه و(11/199)


استخفافا بحقه و لأماني لوح الشيطان بها في شرك الباطل ليدهدههم في أهويات الفتن و وهدات الضلال و لعمري لقد صدق عليهم ظنه و لقد اقتنصهم بأنشوطة فخه فعلى رسلك أبا عبد الله يمشى الهوينى و يكون أولا فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلا غيلة و لا يتشازر إلا عن حيلة
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 237و كالثعلب لا يفلت إلا روغانا و أخف نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكف و امتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره و انتصاره و ابحث عن أمورهم بحث الدجاجة عن حب الدخن عند فقاسها و أنغل الحجاز فإني منغل الشام و السلام. و ب إلى سعيد بن العاص أما بعد فإن كتاب مروان ورد علي من ساعة وقعت النازلة تقبل به البرد بسير المطي الوجيف تتوجس توجس الحية الذكر خوف ضربة الفأس و قبضة الحاوي و مروان الرائد لا يكذب أهله فعلام الإفكاك يا ابن العاص و لات حين مناص ذلك أنكم يا بني أمية عما قليل تسألون أدنى العيش من أبعد المسافة فينكركم من كان منكم عارفا و يصد عنكم من كان لكم واصلا متفرقين في الشعاب تتمنون لمظة المعاش إن أمير المؤمنين عتب عليه فيكم و قتل في سبيلكم ففيم القعود عن نصرته و الطلب بدمه و أنتم بنو أبيه ذوو رحمه و أقربوه و طلاب ثأره أصبحتم متمسكين بشظف معاش زهيد عما قليل ينزع منكم عند التخاذل و ضعف القوى فإذا قرأت كتابي هذا فدب دبيب البرء في الجسد النحيف و سر سير النجوم تحت الغمام و احشد حشد الذرة في الصيف لانجحارها في الصرد فقد أيدتكم بأسد و تيم و كتب في الكتاب
تالله لا يذهب شيخي باطلا حتى أبير مالكا و كاهلا(11/200)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 238القاتلين الملك الحلاحلا خير معد حسبا و نائلو كتب إلى عبد الله بن عامر أما بعد فإن المنبر مركب ذلول سهل الرياضة لا ينازعك اللجام و هيهات ذلك إلا بعد ركوب أثباج المهالك و اقتحام أمواج المعاطب و كأني بكم يا بني أمية شعارير كالأوارك تقودها الحداة أو كرخم الخندمة تذرق خوف العقاب فثب الآن رحمك الله قبل أن يستشري الفساد و ندب السوط جديد و الجرح لما يندمل و من قبل استضراء الأسد و التقاء لحييه على فريسته و ساور الأمر مساورة الذئب الأطلس كسيرة القطيع و نازل الرأي و انصب الشرك و ارم عن تمكن و ضع الهناء مواضع النقب و اجعل أكبر عدتك الحذر و أحد سلاحك التحريض و اغض عن العوراء و سامح اللجوج و استعطف الشارد و لاين الأشوس و قو عزم المريد و بادر العقبة و ازحف زحف الحية و اسبق قبل أن تسبق و قم قبل أن يقام لك و اعلم أنك غير متروك و لا مهمل فإني لكم ناصح أمين و السلام. و كتب في أسفل الكتاب شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 23
عليك سلام الله قيس بن عاصم و رحمته ما شاء أن يترحماتحية من أهدى السلام لأهله إذا شط دارا عن مزارك سلمافما كان قيس هلكه هلك واحد و لكنه بنيان قوم تهدما
و كتب إلى الوليد بن عقبة يا ابن عقبة كن الجيش و طيب العيش أطيب من سفع سموم الجوزاء عند اعتدال الشمس في أفقها إن عثمان أخاك أصبح بعيدا منك فاطلب لنفسك ظلا تستكن به إني أراك على التراب رقودا و كيف بالرقاد بك لا رقاد لك فلو قد استتب هذا الأمر لمريده ألفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر و عن قليل تشرب الرنق و تستشعر الخوف أراك فسيح الصدر مسترخي اللبب رخو الحزام قليل الاكتراث و عن قليل يجتث أصلك و السلام. و كتب في آخر الكتاب(11/201)


اخترت نومك أن هبت شآمية عند الهجير و شربا بالعشيات على طلابك ثأرا من بني حكم هيهات من راقد طلاب ثاراتو كتب إلى يعلى بن أمية حاطك الله بكلاءته و أيدك بتوفيقه كتبت إليك صبيحة ورد علي كتاب مروان بخبر قتل أمير المؤمنين و شرح الحال فيه و إن أمير المؤمنين طال به العمر حتى نقصت قواه و ثقلت نهضته و ظهرت الرعشة في أعضائه فلما رأى ذلك أقوام لم يكونوا عنده موضعا للإمامة و الأمانة و تقليد الولاية وثبوا به و ألبوا عليه فكان أعظم ما نقموا عليه و عابوه به ولايتك اليمن و طول مدتك عليها ثم ترامى بهم الأمر حالا بعد حال شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 240حتى ذبحوه ذبح النطيحة مبادرا بها الفوت و هو مع ذلك صائم معانق المصحف يتلو اب الله فيه عظمت مصيبة الإسلام بصهر الرسول و الإمام المقتول على غير جرم سفكوا دمه و انتهكوا حرمته و أنت تعلم أن بيعته في أعناقنا و طلب ثأره لازم لنا فلا خير في دنيا تعدل بنا عن الحق و لا في إمرة توردنا النار و إن الله جل ثناؤه لا يرضى بالتعذير في دينه فشمر لدخول العراق. فأما الشام فقد كفيتك أهلها و أحكمت أمرها و قد كتبت إلى طلحة بن عبيد الله أن يلقاك بمكة حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة و الطلب بدم عثمان أمير المؤمنين المظلوم و كتبت إلى عبد الله بن عامر يمهد لكم العراق و يسهل لكم حزونة عقابها. و اعلم يا ابن أمية أن القوم قاصدوك بادئ بدء لاستنطاف ما حوته يداك من المال فاعلم ذلك و اعمل على حسبه إن شاء الله. و كتب في أسفل الكتاب
ظل الخليفة محصورا يناشدهم بالله طورا و بالقرآن أحياناو قد تألف أقوام على حنق عن غير جرم و قالوا فيه بهتانافقام يذكرهم وعد الرسول له و قوله فيه إسرارا و إعلانافقال كفوا فإني معتب لكم و صارف عنكم يعلى و مروانافكذبوا ذاك منه ثم ساوره من حاض لبته ظلما و عدوانا(11/202)


قال فكتب إليه مروان جوابا عن كتابه أما بعد فقد وصل كتابك فنعم كتاب زعيم العشيرة و حامي الذمار و أخبرك شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 241أن القوم على سنن استقامة إلا شظايا شعب شتت بينهم مقولي على غير مجابهة حسب ما تقدم من أمرك و إنما كان ذلك رسيس العصاة و رميخدر من أغصان الدوحة و لقد طويت أديمهم على نغل يحلم منه الجلد كذبت نفس الظان بنا ترك المظلمة و حب الهجوع إلا تهويمة الراكب العجل حتى تجذ جماجم و جماجم جذ العراجين المهدلة حين إيناعها و أنا على صحة نيتي و قوة عزيمتي و تحريك الرحم لي و غليان الدم مني غير سابقك بقول و لا متقدمك بفعل و أنت ابن حرب طلاب الترات و آبي الضيم. و كتابي إليك و أنا كحرباء السبسب في الهجير ترقب عين الغزالة و كالسبع المفلت من الشرك يفرق من صوت نفسه منتظرا لما تصح به عزيمتك و يرد به أمرك فيكون العمل به و المحتذى عليه. و كتب في أسفل الكتاب
أ يقتل عثمان و ترقا دموعنا و نرقد هذا الليل لا نتفزع و نشرب برد الماء ريا و قد مضى على ظمأ يتلو القرآن و يركع فإني و من حج الملبون بيته و طافوا به سعيا و ذو العرش يسمع سأمنع نفسي كل ما فيه لذة من العيش حتى لا يرى فيه مطمع و أقتل بالمظلوم من كان ظالما و حكم الله ما عنه مدفع(11/203)

109 / 151
ع
En
A+
A-