مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ مَغْبُونُ الْأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ طَوِيلُ النَّدَمِ ثُمَّ أَدَاءَ الْأَمَانَةِ فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّمَاوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ وَ الْأَرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ وَ الْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ الْمَنْصُوبَةِ فَلَا أَطْوَلَ وَ لَا أَعْرَضَ وَ لَا أَعْلَى وَ لَا أَعْظَمَ مِنْهَا وَ لَوِ امْتَنَعَ شَيْ ءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لَامْتَنَعْنَ وَ لَكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَ عَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ وَ هُوَ الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا إِنَّ اللَّهَسُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِي لَيْلِهِمْ وَ نَهَارِهِمْ لَطُفَ بِهِ خُبْراً وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْماً أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ وَ جَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ وَ ضَمَائِرُكُمْ عُيُونُهُ وَ خَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ(11/169)


هذه الآية يستدل بها الأصوليون من أصحابنا على أن الكفار يعاقبون في الآخرة على ترك الواجبات الشرعية و على فعل القبائح لأنها في الكفار وردت أ لا ترى إلى قوله فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ فليس يجوز أن يعني بالمجرمين هاهنا الفاسقين من أهل القبلة لأنه قال قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 204وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. قالوا و ليس لقائل أن يقول معنى قوله لَمْ كُ مِنَ الْمُصَلِّينَ لم نكن من القائلين بوجوب الصلاة لأنه قد أغنى عن هذا التعليل قوله وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ لأن أحد الأمرين هو الآخر و حمل الكلام على ما يفيد فائدة جديدة أولى من حمله على التكرار و الإعادة فقد ثبت بهذا التقرير صحة احتجاج أمير المؤمنين ع على تأكيد أمر الصلاة و أنها من العبادات المهمة في نظر الشارع. قوله ع و إنها لتحت الذنوب الحت نثر الورق من الغصن و انحات أي تناثر و قد جاء هذا اللفظ في الخبر النبوي بعينه. و الربق جمع ربقة و هي الحبل أي تطلق الصلاة الذنوب كما تطلق الحبال المعقدة أي تحل ما انعقد على المكلف من ذنوبه و هذا من باب الاستعارة. و يروى تعهدوا أمر الصلاة بالتضعيف و هو لغة يقال تعاهدت ضيعتي و تعهدتها و هو القيام عليها و أصله من تجديد العهد بالشي ء و المراد المحافظة عليه و قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أي واجبا و قيل موقوتا أي منجما كل وقت لصلاة معينة و تؤدى هذه الصلاة في نجومها. و قوله كتابا أي فرضا واجبا كقوله تعالى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجب. و الحمة الحفيرة فيها الحميم و هو الماء الحار و هذا الخبر من الأحاديث الصحاح(11/170)


قال ص أ يسر أحدكم أن تكون على بابه حمة يغتسل منها كل يوم خمس شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 205مرات فلا يبقى عليه من درنه شي ء قالوا نعم قال فإنها الصلوات الخمو الدرن الوسخ. و التجارة في الآية إما أن يراد بها لا يشغلهم نوع من هذه الصناعة عن ذكر الله ثم أفرد البيع بالذكر و خصه و عطفه على التجارة العامة لأنه أدخل في الإلهاء لأن الربح في البيع بالكسب معلوم و الربح في الشراء مظنون و إما أن يريد بالتجارة الشراء خاصة إطلاقا لاسم الجنس الأعم على النوع الأخص كما تقول رزق فلان تجارة رابحة إذا اتجه له شراء صالح فأما إقام الصلاة فإن التاء في إقامة عوض من العين الساقطة للإعلال فإن أصله إقوام مصدر أقام كقولك أعرض إعراضا فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التعويض فأسقطت التاء. قوله ع و كان رسول الله ص نصبا بالصلاة أي تعبا قال تعالى ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. و
روي أنه ع قام حتى تورمت قدماه مع التبشير له بالجنة
و روي أنه قيل له في ذلك فقال أ فلا أكون عبدا شكورا
و يصبر نفسه من الصبر و يروى و يصبر عليها نفسه أي يحبس قال سبحانه وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ و قال عنترة يذكر حربا كان فيها
فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
فصل في ذكر الآثار الواردة في الصلاة و فضلها
و اعلم أن الصلاة قد جاء في فضلها الكثير الذي يعجزنا حصره و لو لم يكن شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 206إلا ما ورد في الكتاب العزيز من تكرار ذكرها و تأكيد الوصاة بها و المحافظة عليها لكان بعضه كافيا. و قال النبي ص الصلاة عمود الدين فمن تركها فقد هدم الدين
و قال أيضا ع علم الإيمان الصلاة فمن فرغ لها قلبه و قام بحدودها فهو المؤمن
و قالت أم سلمة كان رسول الله ص يحدثنا و نحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا و لم نعرفه(11/171)


وقيل للحسن رحمه الله ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها قال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره
و قال عمر إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام ما أكمل الله له صلاة قيل له و كيف ذلك قال لا يتم خشوعها و تواضعها و إقباله على ربه فيها
و قال بعض الصالحين إن العبد ليسجد السجدة عنده أنه متقرب بها إلى الله و لو قسم ذنبه في تلك السجدة على أهل مدينة لهلكوا قيل و كيف ذلك قال يكون ساجدا و قلبه عند غير الله إنما هو مصغ إلى هوى أو دنيا. صلى أعرابي في المسجد صلاة خفيفة و عمر بن الخطاب يراه فلما قضاها قال اللهم زوجني الحور العين فقال عمر يا هذا لقد أسأت النقد و أعظمت الخطبة. و
قال علي ع لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الخمس فإذا ضيعهن تجرأ عليه و أوقعه في العظائم
و روي عن النبي ص أنه قال الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 207و جاء في الخبر أن رسول الله ص كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاةو قال هشام بن عروة كان أبي يطيل المكتوبة و يقول هي رأس المال. قال يونس بن عبيد ما استخف أحد بالنوافل إلا استخف بالفرائض. يقال إن محمد بن المنكدر جزأ الليل عليه و على أمه و أخته أثلاثا فماتت أخته فجزأه عليه و على أمه نصفين فماتت أمه فقام الليل كله. كان مسلم بن يسار لا يسمع الحديث إذا قام يصلي و لا يفهمه و كان إذا دخل بيته سكت أهله فلا يسمع لهم كلام حتى يقوم إلى الصلاة فيتحدثون و يلغطون فهو لا يشعر بهم. و وقع حريق إلى جنبه و هو في الصلاة فلم يشعر به حتى حرق. كان خلف بن أيوب لا يطرد الذباب إذا وقع على وجهه و هو في الصلاة في بلاد كثيرة الذبان فقيل له كيف تصبر فقال بلغني أن الشطار يصبرون تحت السياط ليقال فلان صبور أ فلا أصبر و أنا بين يدي ربي على أذى ذباب يقع علي.
قال ابن مسعود الصلاة مكيال فمن وفى وفي له و من طفف ف وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(11/172)


قال رجل لرسول الله ص يا رسول الله ادع لي أن يرزقني الله مرافقتك في الجنة فقال أعني على إجابة الدعوة بكثرة السجود
قوله ع قربانا لأهل الإسلام القربان اسم لما يتقرب به من نسيكة أو صدقة. و روي و من النار حجازا بالزاي أي مانعا و اللهف الحسرة ينهى ع شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 208عن إخراج الزكاة مع التسخط لإخراجها و التلهف و التحسر على دفعها إلى أربابها و يقول إن من يفعل ك يرجو بها نيل الثواب ضال مضيع لماله غير ظافر بما رجاه من المثوبة
ذكر الآثار الواردة في فضل الزكاة و التصدق
و قد جاء في فضل الزكاة الواجبة و فضل صدقة التطوع الكثير جدا و لو لم يكن إلا أن الله تعالى قرنها بالصلاة في أكثر المواضع التي ذكر فيها الصلاة لكفى. و
روى بريدة الأسلمي أن رسول الله ص قال ما حبس قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر
و جاء في الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونهما في سبيل الله ما جاء في الذكر الحكيم و هو قوله تعالى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ الآية قال المفسرون إنفاقها في سبيل الله إخراج الزكاة منها. و روى الأحنف قال قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل خشن الجسد خشن الثياب فقام عليهم فقال بشر الكانزين برضف يحمى عليها في نار جهنم فتوضع على حلمة ثدي الرجل حتى تخرج من نغض كتفه ثم توضع على نغض كتفه حتى تخرج من حلمة ثديه فسألت عنه فقيل هذا أبو ذر الغفاري و كان يذكره و يرفعه.
ابن عباس يرفعه من كان عنده ما يزكي فلم يزك و كان عنده ما يحج فلم يحج سأل الرجعة(11/173)

103 / 151
ع
En
A+
A-