شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 197قال حمزة و أما المنجمون فقد أتوا بما يغمز هذا كله فزعموا أنه قد مضى من الدنيا منذ أول يوم سارت فيه الكواكب من رأس الحمل إلى اليوم الذي خرج فيه المتوكل بن معتصم بن الرشيد من سامراء إلى دمشق ليجعلها دار الملك و هو أول يوم من محرم سنة أربع و أربعين و مائتين للهجرة المحمدية أربعة آلاف ألف ألف ألف ثلاث لفظات و ثلاثمائة ألف و عشرون ألف سنة بسني الشمس. قالوا و الذي مضى من الطوفان إلى صبيحة اليوم الذي خرج فيه المتوكل إلى دمشق ثلاث آلاف و سبعمائة و خمس و ثلاثون سنة و عشرة أشهر و اثنان و عشرون يوما. و ذكر أبو الريحان البيروني في كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية أن الفرس و المجوس يزعمون أن عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة على عدد البروج و عدد الشهور و أن الماضي منها إلى وقت ظهور زردشت صاحب شريعتهم ثلاثة آلاف سنة و بين ابتداء ظهور زردشت و بين أول تاريخ الإسكندر مائتان و ثمان و خمسون سنة و بين تاريخ الإسكندر و بين سنته التي كتبنا فيها شرح هذا الفصل و هي سنة سبع و أربعين و ستمائة للهجرة النبوية ألف و خمسمائة و سبعون سنة فعلى هذا يكون الماضي إلى يومنا هذا من أصل اثني عشر ألف سنة أربعة آلاف و ثمانمائة و ثماني عشرة سنة فيكون الباقي من الدنيا على قولهم أكثر من الماضي. و حكى أبو الريحان عن الهند في بعض كتبه أن مدة عمر الدنيا مقدار تضعيف الواحد من أول بيت في رقعة الشطرنج إلى آخر البيوت. فأما الأخباريون من المسلمين فأكثرهم يقولون إن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 198و يقولون إننا في السابع و الحق أنه لا يعلم أحد هذا إلا الله تعالى وحده كما قال سبحانه يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها و قال لا يُجَلِّيها لِوَقْتِهإِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ(11/164)


إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ. و نقول مع ذلك كما ورد به الكتاب العزيز اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ و اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ و أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ. و لا نعلم كمية الماضي و لا كمية الباقي و لكنا نقول كما أمرنا و نسمع و نطيع كما أدبنا و من الممكن أن يكون ما بقي قريبا عند الله و غير قريب عندنا كما قال سبحانه إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً. و بالجملة هذا موضع غامض يجب السكوت عنه.
قوله ع و قامت بأهلها على ساق الضمير للدنيا و الساق الشدة أي انكشفت عن شدة عظيمة. و قوله تعالى وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أي التفت آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة. و المهاد الفراش و أزف منها قياد أي قرب انقيادها إلى التقضي و الزوال. و أشراط الساعة علاماتها و إضافتها إلى الدنيا لأنها في الدنيا تحدث و إن كانت علامات للأخرى و العفاء الدروس. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 199و روي من طولها و الطول الحبل. ثم عاد إلى ذكر النبي ص فقال جعله الله سبحانه بلاغا لرسالته أي ذا بلاغ و البلاغ التبليغ فحذف المضاف. و لا بو لا تنطفئ و الفرقان ما يفرق به بين الحق و الباطل. و أثافي الإسلام جمع أثفية و هي الأحجار توضع عليها القدر شكل مثلث. و الغيطان جمع غائط و هو المطمئن من الأرض. و لا يغيضها بفتح حرف المضارعة غاض الماء و غضته أنا يتعدى و لا يتعدى و روي لا يغيضها بالضم على قول من قال أغضت الماء و هي لغة ليست بالمشهورة. و الآكام جمع أكم مثل جبال جمع جبل و الأكم جمع أكمة مثل عنب جمع عنبة و الأكمة ما علا من الأرض و هي دون الكثيب(11/165)


جَعَلَهُ اللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ وَ رَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ وَ مَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَ نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَ حَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَ عِزّاً لِمَنْ تَوَلَّاهُ وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَ هُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ وَ عُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ وَ بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَ فَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ وَ حَامِلًا لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ جُنَّةً لِمَنِ اسْتَلْأَمَ وَ عِلْماً لِمَنْ وَعَى وَ حَدِيثاً لِمَنْ رَوَى وَ حُكْماً لِمَنْ قَضَى(11/166)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 200الضمير يرجع إلى القرآن جعله الله ريا لعطش العلماء إذا ضل العلماء في أمر و التبس عليهم رجعوا إليه فسقاهم كما يسقي الماء العطش و كذا القول في ربيعا لقلوب الفقهاء و الربيع هاهنا الجدول و يجوز أن يريد المطر في الربيع يقال ربعت أرض فهي مربوعة. و المحاج جمع محجة و هي جادة الطريق و المعقل الملجأ. و سلما لمن دخله أي مأمنا و انتحله دان به و جعله نحلته. و البرهان الحجة و الفلج الظفر و الفوز و حاج به خاصم. قوله ع و حاملا لمن حمله أي أن القرآن ينجي يوم القيامة من كان حافظا له في الدنيا بشرط أن يعمل به. قوله ع و مطية لمن أعمله استعارة يقول كما أن المطية تنجي صاحبها إذا أعملها و بعثها على النجاء فكذلك القرآن إذا أعمله صاحبه أنجاه و معنى إعماله اتباع قوانينه و الوقوف عند حدوده. قوله و آية لمن توسم أي لمن تفرس قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. و الجنة ما يستتر به و استلأم لبس لأمة الحرب و هي الدرع. و وعى حفظ. قوله و حديثا لمن روى قد سماه الله تعالى حديثا فقال اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 201الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً و أصحابنا يحتجون بهذه اللفظعلى أن القرآن ليس بقديم لأن الحديث ضد القديم. و ليس للمخالف أن يقول ليس المراد بقوله أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ما ذكرتم بل المراد أحسن القول و أحسن الكلام لأن العرب تسمي الكلام و القول حديثا لأنا نقول لعمري إنه هكذا و لكن العرب ما سمت القول و الكلام حديثا إلا أنه مستحدث متجدد حالا فحالا أ لا ترى إلى قول عمرو لمعاوية قد مللت كل شي ء إلا الحديث فقال إنما يمل العتيق فدل ذلك على أنه فهم معنى تسميتهم الكلام و القول حديثا و فطن لمغزاهم و مقصدهم في هذه التسمية و إذا كنا قد كلفنا أن نجري على ذاته و صفاته و أفعاله ما أجره سبحانه في كتابه و نطلق ما أطلقه على سبيل الوضع و الكيفية التي(11/167)


أطلقها و كان قد وصف كلامه بأنه حديث و كان القرآن في عرف اللغة إنما سمي حديثا لحدوثه و تجدده فقد ساغ لنا أن نطلق على كلامه أنه محدث و متجدد و هذا هو المقصود
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 192202- و من كلام له ع كان يوصي به أصحابهتَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ وَ حَافِظُوا عَلَيْهَا وَ اسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَ تَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً أَ لَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ إِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ وَ تُطْلِقُهَا إِطْلَاقَ الرِّبَقِ وَ شَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ وَ قَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ وَ لَا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَ لَا مَالٍ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص نَصِباً بِالصَّلَاةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها فَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ وَ يُصْبِرُ نَفْسَهُ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 203ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَ مِنَ النَّارِ حِجَازاً وَِقَايَةً فَلَا يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَ لَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ فَإِنَّ(11/168)

102 / 151
ع
En
A+
A-