إلى أبي طلحة الأنصاري و كان يلحد لأهل المدينة على عادتهم و قال اللهم اختر لنبيك فجاء أبو طلحة فلحد له و أدخل في اللحد. و تنازعوا فيمن ينزل معه القبر فمنع علي ع الناس أن ينزلوا معه و قال لا ينزل قبره غيري و غير العباس ثم أذن في نزول الفضل و أسامة بن زيد مولاهم ثم ضجت الأنصار و سألت أن ينزل منها رجل في قبره فأنزلوا أوس بن خولي و كان بدريا. فأما الغسل فإن عليا ع تولاه بيده و كان الفضل بن العباس يصب عليه الماء. و
روى المحدثون عن علي ع أنه قال ما قلبت منه عضوا إلا و انقلب لا أجد له ثقلا كان معي من يساعدني عليه و ما ذلك إلا الملائكة(11/154)
و أما حديث الهينمة و سماع الصوت فقد رواه خلق كثير من المحدثين عن علي شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 186ع و تروي الشيعة أن عليا ع عصب عيني الفضل بن العباس حين صب عليه الماء و أن رسول الله ص أوصاه بذلك و قال إنه لا يبصر عورتي أحد غيرك إلا عمي.قوله ع فمن ذا أحق به مني حيا و ميتا انتصابهما على الحال من الضمير المجرور في به أي أي شخص أحق برسول الله ص حال حياته و حال وفاته مني و مراده من هذا الكلام أنه أحق بالخلافة بعده و أحق الناس بالمنزلة منه حيث كان بتلك المنزلة منه في الدنيا و ليس يجوز أن يكونا حالين من الضمير المجرور في مني لأنه لا يحسن أن يقول أنا أحق به إذا كنت حيا من كل أحد و أحق به إذا كنت ميتا من كل أحد لأن الميت لا يوصف بمثل ذلك و لأنه لا حال ثبتت له من الأحقية إذا كان حيا إلا و هي ثابتة له إذا كان ميتا و إن كان الميت يوصف بالأحقية فلا فائدة في قوله و ميتا على هذا الفرض و لا يبقى في تقسيم الكلام إلى قسمين فائدة و أما إذا كان حالا من الضمير في به فإنه لا يلزم من كونه أحق بالمنزلة الرفيعة من رسول الله ص و هو حي أن يكون أحق بالخلافة بعد وفاته أي ليس أحدهما يلزم الآخر فاحتاج إلى أن يبين أنه أحق برسول الله ص من كل أحد إن كان الرسول حيا و إن كان ميتا و لم يستهجن أن يقسم الكلام إلى القسمين المذكورين. قوله ع فانفذوا إلى بصائركم أي أسرعوا إلى الجهاد على عقائدكم التي أنتم عليها و لا يدخلن الشك و الريب في قلوبكم. قوله ع إني لعلى جادة الحق و إنهم لعلى مزلة الباطل كلام عجيب شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 187على قاعدة الصناعة المعنوية لأنه لا يحسن أن يقول و إنهم لعلى جادة الباطل لأن الباطل لا يوصف بالجادة و لهذا يقال لمن ضل وقع في بنيات الطريق فتعوض عنها بلفظ المزلة و هي الموضع الذي يزل فيه الإنسان كالمزلقةوضع الزلق و المغرقة موضع الغرق و المهلكة موضع الهلاك(11/155)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 191188- و من خطبة له عيَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ وَ مَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ وَ اخْتِلَافِ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ وَ تَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللَّهِ وَ سَفِيرُ وَحْيِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ وَ إِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ وَ بِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ وَ إِلَيْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِكُمْ وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ وَ إِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ وَ بَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ وَ صَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ وَ طُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ وَ جِلَاءُ غِشَاءِ أَبْصَارِكُمْ وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ وَ ضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ
العجيج رفع الصوت و كذلك العج و
في الحديث أفضل الحج العج و الثج
أي التلبية و إراقة الدم و عجيج أي صوت و مضاعفة اللفظ دليل على تكرير التصويت. و النينان جمع نون و هو الحوت و اختلافها هاهنا هو إصعادها و انحدارها. و نجيب الله منتجبه و مختاره. و سفير وحيه رسول وحيه و الجمع سفراء مثل فقيه و فقهاء. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص 189و إليه مرامي مفزعكم إليه تفزعون و تلجئون و يقال فلان مرمى قصدي أي هو الموضع الذي أنحوه و أقصده. و يروى و جلاء عشى أبصاركم بالعين المهملة و الألف المقصورة و الجأش القلب و تقدير الكلام و ضياء سواد ظلمة عقائدكم و لكنه حذف المضاف للعلم به(11/156)
فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ وَ دَخِيلًا دُونَ شِعَارِكُمْ وَ لَطِيفاً بَيْنَ أَضْلَاعِكُمْ وَ أَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ وَ مَنْهَلًا لِحِينِ وُرُودِكُمْ وَ شَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ وَ جُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ وَ مَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ وَ سَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ وَ نَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ احْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَ انْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا وَ أَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا. وَ تَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا وَ وَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ امْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَ اخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ(11/157)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 190الشعار أقرب إلى الجسد من الدثار و الدخيل ما خالط باطن الجسد و هو أقرب من الشعار. ثم لم يقتصر على ذلك حتى أمر بأن يجعل التقوى لطيفا بين الأضلاع أي في القلب و ذلك أمس بالإنسان من الدخيل فقد يكون الدخيل في الجسد و إن لم يخامر قلب. ثم قال و أميرا فوق أموركم أي يحكم على أموركم كما يحكم الأمير في رعيته. و المنهل الماء يرده الوارد من الناس و غيرهم. و قوله لحين ورودكم أي لوقت ورودكم. و الطلبة بكسر اللام ما طلبته من شي ء. قوله و مصابيح لبطون قبوركم جاء في الخبر أن العمل الصالح يضي ء قبر صاحبه كما يضي ء المصباح الظلمةو السكن ما يسكن إليه. قوله و نفسا لكرب مواطنكم أي سعة و روحا. و مكتنفة محيطة و الأوار حر النار و الشمس. و عزبت بعدت و احلولت صارت حلوة و تراكمها اجتماعها و تكاثفها. و أسهلت صارت سهلة بعد إنصابها أي بعد إتعابها لكم أنصبته أتعبته. و هطلت سالت و قحوطها قلتها و وتاحتها. و تحدبت عليه عطفت و حنت. نضوبها انقطاعها كنضوب الماء ذهابه. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 191و وبل المطر صار وابلا و هو أشد المطر و أكثره و إرذاذها إتيانها بالرذاذ و هو ضعيف المطر. قوله فعبدوا أنفسكم أي ذللوها و منه طريق معبد. و اخرجوا إليه من حقاعته أي أدوا المفترض عليكم من العبادة يقال خرجت إلى فلان من دينه أي قضيته إياه(11/158)