عليه و جعل مع التوكل كافيا ناصرا لأن الكافي الناصر أهل لأن يتوكل عليه. و هذه اللطائف و الدقائق من معجزاته ع التي فات بها البلغاء و أخرس الفصحاء شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 24أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ وَ وَقَّتَ لَكُمُ الآْجَالَ وَ أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَ أَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ وَ أَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ وَ أَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ وَ آثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ وَ الرِّفَدِ الرَّوَافِغِ وَ أَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً وَ وَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَ دَارِ عِبْرَةٍ أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا وَ مُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا(7/213)


وقت و أقت بمعنى أي جعل الآجال لوقت مقدر. و الرياش و الريش واحد و هو اللباس قال تعالى يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً. و قرئ و رياشا و يقال الرياش الخصب و الغنى و منه ارتاش فلان حسنت حاله و يكون لفظ ألبسكم مجازا إن فسر بذلك. و أرفغ لكم المعاش أي جعله رفيغا أي واسعا مخصبا يقال رفغ بالضم عيشه رفاغة اتسع فهو رافغ و رفيغ و ترفغ الرجل و هو في رفاغية من العيش مخففا مثل رفاهية و ثمانية. و قوله و أحاط بكم الإحصاء يمكن أن ينصب الإحصاء على أنه مصدر فيه اللام و العامل فيه غير لفظه كقوله يعجبه السخون ثم قال حبا و ليس شرحنهج البلاغة ج : 6 ص : 245دخول اللام بمانع من ذلك تقول ضربته الضربة كما تقول ضربته ضربا و يجوز أن ينصب بأنه مفعول به و يكون ذلك على وجهين. أحدهما أن يكون من حاط ثلاثيا تقول حاط فلان كرمه أي جعل عليه حائطا فكأنه جعل الإحصاء و العد كالحائط المدار عليهم لأنهملا يبعدون منه و لا يخرجون عنه. و الثاني أن يكون من حاط الحمار عانته يحوطها بالواو أي جمعها فأدخل الهمزة كأنه جعل الإحصاء يحوطهم و يجمعهم تقول ضربت زيدا و أضربته أي جعلته ذا ضرب فلذلك كأنه جعل ع الإحصاء ذا تحويط عليهم بالاعتبار الأول أو جعله ذا جمع لهم بالاعتبار الثاني. و يمكن فيه وجه آخر و هو أن يكون الإحصاء مفعولا له و يكون في الكلام محذوف تقديره و أحاط بكم حفظته و ملائكته للإحصاء و دخول اللام في المفعول له كثير كقوله
و الهول من تهول الهبور(7/214)


قوله و أرصد يعني أعد و في الحديث إلا أن أرصده لدين علي. و آثركم من الإيثار و أصله أن تقدم غيرك على نفسك في منفعة أنت قادر على الاختصاص بها و هو في هذا الموضع مجاز مستحسن. و الرفد جمع رفدة مثل كسرة و كسر و فدرة و فدر و الرفدة و الرفد واحد و هي العطية و الصلة و رفدت فلانا رفدا بالفتح و المضارع أرفده بكسر الفاء و يجوز أرفدته بالهمزة. و الروافغ الواسعة و الحجج البوالغ الظاهرة المبينة قال سبحانه فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 246و وظف لكم مددا أي قدر و منه وظيفة الطعام. و قرار خبرةكسر الخاء أي دار بلاء و اختبار تقول خبرت زيدا أخبره خبرة بالضم فيهما و خبرة بالكسر إذا بلوته و اختبرته و منه قولهم صغر الخبر الخبر. و دار عبرة أي دار اعتبار و اتعاظ و الضمير في فيها و عليها ليس واحدا فإنه في فيها يرجع إلى الدار و في عليها يرجع إلى النعم و الرفد و يجوز أن يكون الضمير في عليها عائدا إلى الدار على حذف المضاف أي على سكانها
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا يُونِقُ مَنْظَرُهَا وَ يُوبِقُ مَخْبَرُهَا غُرُورٌ حَائِلٌ وَ ضَوْءٌ آفِلٌ وَ ظِلٌّ زَائِلٌ وَ سِنَادٌ مَائِلٌ حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَ اطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَ قَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا وَ أَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَ أَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ وَ وَحْشَةِ الْمَرْجِعِ وَ مُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ وَ ثَوَابِ الْعَمَلِ. وَ كَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ لَا تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً وَ لَا يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالًا وَ يَمْضُونَ أَرْسَالًا إِلَى غَايَةِ الِانْتِهَاءِ وَ صَيُّورِ الْفَنَاءِ(7/215)


يقال عيش رنق بكسر النون أي كدر و ماء رنق بالتسكين أي كدر و الرنق بفتح النون مصدر قولك رنق الماء بالكسر و رنقته أنا ترنيقا أي كدرته و الرواية شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 247المشهورة في هذا الفصل رنق مشربها بالكسر أقامه مقام قولهم عيش رنق و من رواه رنق مشربهبالسكون و هم الأقلون أجرى اللفظ على حقيقته. و يقال مشرع ردغ ذو طين و وحل روي الردغة بالتحريك و يجوز تسكين الدال و الجمع رداغ و ردغ. و يونق منظرها يعجب الناظر آنقني الشي ء أعجبني و يوبق مخبرها يهلك وبق الرجل يبق وبوقا هلك و الموبق مفعل منه كالموعد مفعل من عد يعد و منه قوله سبحانه وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً و قد جاء وبق يبق بالكسر فيهما و هو نادر كورث يرث و جاء أيضا وبق يوبق وبقا. و الغرور بضم الغين ما يغتر به من متاع الدنيا و الغرور بالفتح الشيطان و الحائل الزائل و الآفل الغائب أفل غاب يأفل و يأفل أفولا. و السناد دعامة يسند بها السقف و ناكرها فاعل من نكرت كذا أي أنكرته. و قمصت بأرجلها قمص الفرس و غيره يقمص و يقمص قمصا و قماصا أي استن و هو أن يرفع يديه و يطرحهما معا و يعجن برجليه و في المثل المضروب لمن ذل بعد عزة ما لعير من قماص. و جمع فقال بأرجلها و إنما للدابة رجلان إما لأن المثنى قد يطلق عليه صيغة الجمع كما في قولهم امرأة ذات أوراك و مآكم و هما وركان و إما لأنه أجرى اليدين و الرجلين مجرى واحد فسماها كلها أرجلا و من رواه بالحاء فهو جمع رحل الناقة. و أقصدت قتلت مكانها من غير تأخير. شرح نهج البلاغة ج : ص : 248و الأوهاق جمع وهق بالتحريك و هو الحبل و قد يسكن مثل نهر و نهر و أعلقت المرء الأوهاق جعلت الأوهاق عالقة به و الضنك الضيق. و المضجع المصدر أو المكان و الفعل ضجع الرجل جنبه بالأرض بالفتح يضجع ضجوعا و ضجعا فهو ضاجع و مثله أضجع. و المرجع مصدر رجع و منه قوله تعالى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ و هو شاذ لأن المصادر من(7/216)


فعل يفعل بكسر العين إنما يكون بالفتح. قوله و معاينة المحل أي الموضع الذي يحل به المكلف بعد الموت و لا بد لكل مكلف أن يعلم عقيب الموت مصيره أما إلى جنة و أما إلى نار. و قوله ثواب العمل يريد جزاء العمل و مراده الجزاء الأعم الشامل للسعادة و الشقاوة لا الجزاء الأخص الذي هو جزاء الطاعة و سمى الأعم ثوابا على أصل الحقيقة اللغوية لأن الثواب في اللغة الجزاء يقال قد أثاب فلان الشاعر لقصيدة كذا أي جازاه. و قوله و كذلك الخلف بعقب السلف الخلف المتأخرون و السلف المتقدمون و عقب هاهنا بالتسكين و هو بمعنى بعد جئت بعقب فلان أي بعده و أصله جري الفرس بعد جريه يقال لهذا الفرس عقب حسن و قال ابن السكيت يقال جئت في عقب شهر كذا بالضم إذا جئت بعد ما يمضي كله و جئت في عقب بكسر القاف إذا جئت و قد بقيت منه بقية و قد روي يعقب السلف أي يتبع. و قوله لا تقلع المنية أي لا تكف و الاخترام إذهاب الأنفس و استئصالها.
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 249و ارعوى كف عن الأمر و أمسك و أصل فعله الماضي رعى يرعو أي كف عن الأمر و فلان حسن الرعوة و الرعوة و الرعوة و الرعوى و الارعواء و الاجترام افتعال من الجرم و هو الذنب و مثله الجريمة يقال جرم و أجرم بمعنى. قوله يحتذون مثالا أي يقون و أصله من حذوت النعل بالنعل حذوا إذا قدرت كل واحدة على صاحبها. قوله و يمضون أرسالا بفتح الهمزة جمع رسل بفتح السين و هو القطيع من الإبل أو الغنم يقال جاءت الخيل أرسالا أي قطيعا قطيعا. و صيور الأمر آخره و ما يئول إليه(7/217)

9 / 149
ع
En
A+
A-