فحدث بذلك الرشيد فأمر أن يعتق عنه ألف نسمة و يكتب لهم هذا الكتاب. و قال خالد بن صفوان بت ليلتي هذه أتمنى فكبست البحر الأخضر بالذهب الأحمر فإذا الذي يلقاني من ذلك رغيفان و كوزان و طمران. و رأى رجل رجلا من ولد معاوية يعمل على بعير له فقال هذا بعد ما كنتم فيه من الدنيا قال رحمك الله يا ابن أخي ما فقدنا إلا الفضول. و قال الحسن يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك. قال يونس الكاتب لو قيل بيت دريد في زاهد كان به جديرا
قليل التشكي للمصيبات ذاكر من اليوم أعقاب الأحاديث في غد
و قال الحسن ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل. و قال رجل للفضيل بن عياض ما أعجب الأشياء قال قلب عرف الله ثم عصاه. قال وكيع ما أحسنت قط إلى أحد و لا أسأت إليه قيل كيف قال لأن الله تعالى قال إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 237و قال الحسن لرجل إن استطعت ألا تسي ء إلى أحد ممن تحبه فافعل قال الرجل يا أبا سعيد أ و يسي ء المرء إلى من يحبه قال نعم نفسك أحب النفوس إليك فإذا عصيت الله فقد أسأت إليها. و كان مالك بن دينار إذا منع نفسه شيئا من الشهوات اصبري فو الله ما منعك إلا لكرامتك علي.
قام رسول الله ص الليل حتى تورمت قدماه فقيل له يا رسول الله أ تفعل هذا و قد غفر الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال أ فلا أكون عبدا شكورا
و قال عبد الله بن مسعود لا يكونن أحدكم جيفة ليله قطرب نهاره. و كان يقال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار. و كان مالك بن دينار يقول في قصصه ما أشد فطام الكبر و ينشد
أ تروض عرسك بعد ما هرمت و من العناء رياضة الهرم
و قال آخر
إن كنت تؤمن بالقيامة و اجترأت على الخطيئةفلقد هلكت و إن جحدت فذاك أعظم للبلية(7/208)


شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 81238- و من كلام له ع في صفة الدنيامَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَ آخِرُهَا فَنَاءٌ فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ وَ فِي حَرَامِهَا عِقَابٌ مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ وَ مَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَ مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَ مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ
قال الرضي رحمه الله أقول و إذا تأمل المتأمل قوله ع و من أبصر بها بصرته وجد تحته من المعنى العجيب و الغرض البعيد ما لا يبلغ غايته و لا يدرك غوره لا سيما إذا قرن إليه قوله و من أبصر إليها أعمته فإنه يجد الفرق بين أبصر بها و أبصر إليها واضحا نيرا و عجيبا باهرا
العناء التعب و ساعاها جاراها سعيا و واتته طاوعته. و نظر الرضي إلى قوله أولها عناء و آخرها فناء فقال
و أولنا العناء إذا طلعنا إلى الدنيا و آخرنا الذهاب
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 239و نظر إلى قوله ع في حلالها حساب و في حرامها عقاب بعض الشعراء فقالالدهر يومان فيوم مضى عنك بما فيه و يوم جديدحلال يوميك حساب و في حرام يوميك عذاب شديدتجمع ما يأكله وارث و أنت في القبر وحيد فريدإني لغيري واعظ تارك نفسي و قولي من فعالي بعيدحلاوة الدنيا و لذاتها تكلف العاقل ما لا يريد
و من المعنى أيضا قول بعضهم
حلالها حسرة تفضي إلى ندم و في المحارم منها الغنم منزور(7/209)


و نظر الحسن البصري إلى قوله ع من استغنى فيها فتن و من افتقر فيها حزن فقال و قد جاءه إنسان يبشره بمولود له ذكر ليهنك الفارس يا أبا سعيد فقال بل الراجل ثم قال لا مرحبا بمن إن كان غنيا فتنني و إن كان فقيرا أحزنني و إن عاش كدني و إن مات هدني ثم لا أرضى بسعيي له سعيا و لا بكدحي له كدحا حتى أهتم بما يصيبه بعد موتي و أنا في حال لا ينالني بمساءته حزن و لا بسروره جذل. و نظر ابن المعتز إلى قوله ع من ساعاها فاتته و من قعد عنها واتته فقال الدنيا كظلك كلما طلبته زاد منك بعدا. و نظرت إلى قوله ع و من أبصر بها بصرته و من أبصر إليها أعمته فقلت
دنياك مثل الشمس تدني إليك الضوء لكن دعوة المهلك إن أنت أبصرت إلى نورها تعش و إن تبصر به تدرك شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 240فإن قلت المسموع أبصرت زيدا و لم يسمع أبصرت إلى زيد قلت يجوز أن يكون قوله ع و من أبصر إليها أي و من أبصر متوجها إليها كقوله فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ و لم يقل مرسلا و يجوز أن يكون أقام ذلك مقام قوله نظر إليها لما كان مه كما قالوا في دخلت البيت و دخلت إلى البيت أجروه مجرى ولجت إلى البيت لما كان نظيره
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 82241- و من خطبة له ع و تسمى بالغراءو هي من الخطب العجيبة
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا بِحَوْلِهِ وَ دَنَا بِطَوْلِهِ مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَ فَضْلٍ وَ كَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَ أَزْلٍ أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ وَ سَوَابِغِ نِعَمِهِ وَ أُومِنُ بِهِ أَوَّلًا بَادِياً وَ أَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً وَ أَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَ إِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَ تَقْدِيمِ نُذُرِهِ(7/210)


الحول القوة و الطول الإفضال و المانح المعطي و الأزل بفتح الهمزة الضيق و الحبس و العواطف جمع عاطفة و هي ما يعطفك على الغير و يدنيه من معروفك و السوابغ التوام الكوامل سبغ الظل إذا عم و شمل. و أولا هاهنا منصوب على الظرفية كأنه قال قبل كل شي ء و الأول نقيض الخر أصله أوءل على أفعل مهموز الوسط قلبت الهمزة واوا و أدغم يدل على ذلك قولهم هذا أول منك و الإتيان بحرف الجر دليل على أنه أفعل كقولهم هذا أفضل منك و جمعه على أوائل و أوال أيضا على القلب و قال قوم أصله وول على فوعل فقلبت الواو الأولى همزة و إنما لم يجمع على ووال لاستثقالهم اجتماع الواوين و بينهما ألف الجمع. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 242و إذا جعلت الأول صفة لم تصرفه تقول لقيته عاما أول لاجتماع وزن الفعل و تقول ما رأيته مذ عام أول كلاهما بغير تنوين فمن رفع جعله صفة لعام كأنه قال أول من عامنا و من نصب جعله كالف كأنه قال مذ عام قبل عامنا فإن قلت ابدأ بهذا أول ضممته على الغاية. و الإنهاء الإبلاغ أنهيت إليه الخبر فانتهى أي بلغ و المعنى أن الله تعالى أعذر إلى خلقه و أنذرهم فإعذاره إليهم أن عرفهم بالحجج العقلية و السمعية أنهم إن عصوه استحقوا العقاب فأوضح عذره لهم في عقوبته إياهم على عصيانه و إنذاره لهم تخويفه إياهم من عقابه و قد نظر البحتري إلى معنى قوله ع علا بحوله و دنا بطوله فقال(7/211)


دنوت تواضعا و علوت قدرا فشأناك انخفاض و ارتفاع كذاك الشمس تبعد أن تسامى و يدنو النور منها و الشعاعو في هذا الفصل ضروب من البديع فمنها أن دنا في مقابلة علا لفظا و معنى و كذلك حوله و طوله. فإن قلت لا ريب في تقابل دنا و علا من حيث المعنى و اللفظ و أما حوله و طوله فإنهما يتناسبان لفظا و ليسا متقابلين معنى لأنهما ليسا ضدين كما في العلو و الدنو. قلت بل فيهما معنى التضاد لأن الحول هو القوة و هي مشعرة بالسطوة و القهر و منه منشأ الانتقام و الطول الإفضال و التكرم و هو نقيض الانتقام و البطش. فإن قلت أنت و أصحابك لا تقولون إن الله تعالى قادر بقدرة و هو عندكم قادر شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 243لذاته فكيف تتأولون قو ع الذي علا بحوله أ ليس في هذا إثبات قدرة له زائدة على ذاته و هذا يخالف مذهبكم. قلت إن أصحابنا لا يمتنعون من إطلاق قولهم إن لله قوة و قدرة و حولا و حاش لله أن يذهب ذاهب منهم إلى منع ذلك و لكنهم يطلقونه و يعنون به حقيقته العرفية و هي كون الله تعالى قويا قادرا كما نقول نحن و المخالف إن لله وجودا و بقاء و قدما و لا نعني بذلك أن وجوده أو بقاءه أو قدمه معان زائدة على نفسه لكنا نعني كلنا بإطلاق هذه الألفاظ عليه كونه موجودا أو باقيا أو قديما و هذا هو العرف المستعمل في قول الناس لا قوة لي على ذلك و لا قدرة لي على فلان لا يعنون نفي المعنى بل يعنون كون الإنسان قادرا قويا على ذلك. و منها أن مانحا في وزن كاشف و غنيمة بإزاء عظيمة في اللفظ و ضدها في المعنى و كذلك فضل و أزل. و منها أن عواطف بإزاء سوابغ و نعمه بإزاء كرمه. و منها و هو ألطف ما يستعمله أرباب هذا الصناعة أنه جعل قريبا هاديا مع قوله أستهديه لأن الدليل القريب منك أجدر بأن يهديك من البعيد النازح و لم يجعله مع قوله و أستعينه و جعل مع الاستعانة قاهرا قادرا لأن القادر القاهر يليق أن يستعان و يستنجد به و لم يجعله قادرا قاهرا مع التوكل(7/212)

8 / 149
ع
En
A+
A-