قائل من أصحابها أ لا ترون ما أكثر كلاب الحوأب و ما أشد نباحها فأمسكت زمام بعيرها و قالت و إنها لكلاب الحوأب ردوني ردوني فإني سمعت رسول الله ص يقول و ذكرت الخبر فقال لها قائل مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب فقالت فهل من شاهد فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت لوجهها. لما انتهت عائشة و طلحة و الزبير إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة أرسل
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 226عثمان بن حنيف و هو يومئذ عامل علي ع على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت و لكنهم مع علي بن أبي طالبالمدينة و جئت أستنهض أهل البصرة لقتاله أ نغضب لكم من سوط عثمان و لا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط و السيف إنما أنت حبيس رسول الله ص أمرك أن تقري في بيتك و تتلي كتاب ربك و ليس على النساء قتال و لا لهن الطلب بالدماء و إن عليا لأولى بعثمان منك و أمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف فقالت لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له أ فتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي قال أما و الله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد. ثم قام فأتى الزبير فقال يا أبا عبد الله عهد الناس بك و أنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب و أين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان قال أنت و صاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده سادرا في غيه مصرا على الحرب و الفتنة فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها. لما نزل علي ع بالبصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي ص إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك و خذل الناس عن علي و ليبلغني عنك ما أحب(7/198)


فإنك أوثق أهلي عندي و السلام. فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر و أمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك و أمرنا أن نجاهد و قد أتاني كتابك شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 227فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فأكون قد صنعت ما أمرك الله به و صنعت ما أمرني الله به فأمرك عندي غير مطاع و كتابك غيمجاب و السلام. روى هذين الكتابين شيخنا أبو عثمان عمرو بن بحر عن شيخنا أبي سعيد الحسن البصري. و ركبت عائشة يوم الحرب الجمل المسمى عسكرا في هودج قد ألبس الرفرف ثم ألبس جلود النمر ثم ألبس فوق ذلك دروع الحديد. الشعبي عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة قال لما قدم طلحة و الزبير البصرة تقلدت سيفي و أنا أريد نصرهما فدخلت على عائشة و إذا هي تأمر و تنهى و إذا الأمر أمرها فذكرت حديثا كنت سمعته
عن رسول الله ص لن يفلح قوم تدبر أمرهم امرأة
فانصرفت و اعتزلتهم. و قد روي هذا الخبر على صورة أخرى أن قوما يخرجون بعدي في فئة رأسها امرأة لا يفلحون أبدا(7/199)


كان الجمل لواء عسكر البصرة لم يكن لواء غيره. خطبت عائشة و الناس قد أخذوا مصافهم للحرب فقالت أما بعد فإنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط و إمرة الفتيان و مرتع السحابة المحمية ألا و إنكم استعتبتموه فأعتبكم فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما و ايم الله إن كان لأحصنكم فرجا و أتقاكم لله. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 22 خطب علي ع لما تواقف الجمعان فقال لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة و كفكم عنهم حتى يبدءوكم حجة أخرى و إذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح و إذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا بقتيل و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا من أموالهم شيئا و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم فإنهن ضعاف القوى و الأنفس و العقول لقد كنا نؤمر بالكف عنهن و إنهن لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة و الجريدة فيعير بها و عقبه من بعده
قتل بنو ضبة حول الجمل فلم يبق فيهم إلا من لا نفع عنده و أخذت الأزد بخطامه فقالت عائشة من أنتم قالوا الأزد قالت صبرا فإنما يصبر الأحرار ما زلت أرى النصر مع بني ضبة فلما فقدتهم أنكرته فحرضت الأزد بذلك فقاتلوا قتالا شديدا و رمي الجمل بالنبل حتى صارت القبة عليه كهيئة القنفذ.(7/200)


قال علي ع لما فني الناس على خطام الجمل و قطعت الأيدي و سالت النفوس ادعوا لي الأشتر و عمارا فجاءا فقال اذهبا فاعقرا هذا الجمل فإن الحرب لا يبوخ ضرامها ما دام حيا إنهم قد اتخذوه قبلة فذهبا و معهما فتيان من مراد يعرف أحدهما بعمر بن عبد الله فما زالا يضربان الناس حتى خلصا إليه فضربه المرادي على عرقوبيه فأقعى و له رغاء ثم وقع لجنبه و فر الناس من حوله فنادى علي ع اقطعوا شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 229أنساع الهودج ثم قال لمحمد بن أبي بكر اكفني أختك فحملها محمد حتى أنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعيبعث علي عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة قال فأتيتها فدخلت عليها فلم يوضع لي شي ء أجلس عليه فتناولت وسادة كانت في رحلها فقعدت عليها فقالت يا ابن عباس أخطأت السنة قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا فقلت ليس هذا بيتك الذي أمرك الله أنتقري فيه و لو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك ثم قلت إن أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة فقالت و أين أمير المؤمنين ذاك عمر فقلت عمر و علي قالت أبيت قلت أما و الله ما كان أبوك إلا قصير المدة عظيم المشقة قليل المنفعة ظاهر الشؤم بين النكد و ما عسى أن يكون أبوك و الله ما كان أمرك إلا كحلب شاة حتى صرت لا تأمرين و لا تنهين و لا تأخذين و لا تعطين و ما كنت إلا كما قال أخو بني أسد(7/201)


ما زال إهداء الصغائر بيننا نث الحديث و كثرة الألقاب حتى نزلت كأن صوتك بينهم في كل نائبة طنين ذبابقال فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب ثم قالت إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله تعالى و الله ما من بلد أبغض إلي من بلد أنتم فيه قلت و لم ذاك فو الله لقد جعلناك للمؤمنين أما و جعلنا أباك صديقا قالت يا ابن عباس أ تمن علي برسول الله قلت ما لي لا أمن عليك بمن لو كان منك لمننت به علي. ثم أتيت عليا ع فأخبرته بقولها و قولي فسر بذلك و قال لي ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم و في رواية أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 80230- و من كلام له عأَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الْأَمَلِ وَ الشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ وَ التَّوَرُّعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلَا يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لَا تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَةٍ(7/202)

6 / 149
ع
En
A+
A-