شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 221بالرقبة و أنصر ما تكون للدين ما حلت عنه لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة. فقالت عائشة ما أقبلني لوعظك و ليس الأمر كما تظنين و لنعم المسير مسير فزعت فيه إلى فئتان متناجزتان أو قالت متناحرتان إن أقعد ففي غير ج و إن أخرج فإلى ما لا بد لي من الازدياد منه. تفسير غريب هذا الخبر السدة الباب
و منه حديث رسول الله ص أنه ذكر أول من يرد عليه الحوض فقال الشعث رءوسا الدنس ثيابا الذين لا تفتح لهم السدد و لا ينكحون المتنعمات(7/193)
و أرادت أم سلمة أنك باب بين النبي ص و بين الناس فمتى أصيب ذلك الباب بشي ء فقد دخل على رسول الله ص في حرمه و حوزته و استبيح ما حماه تقول فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج الذي لا يجب عليك فتحوجي الناس إلى أن يفعلوا ذلك و هذا مثل قول نعمان بن مقرن للمسلمين في غاة نهاوند ألا و إنكم باب بين المسلمين و المشركين إن كسر ذلك الباب دخل عليهم منه. و قولها قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه أي لا تفتحيه و لا توسعيه بالحركة و الخروج يقال ندحت الشي ء إذا وسعته و منه يقال فلان في مندوحة عن كذا أي في سعة تريد قول الله تعالى وَ قرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ و من روى تبدحيه بالباء فإنه من البداح و هو المتسع من الأرض و هو معنى الأول. و سكن عقيراك من عقر الدار و هو أصلها أهل الحجاز يضمون العين و أهل نجد يفتحونها و عقير اسم مبني من ذلك على صيغة التصغير و مثله مما جاء مصغرا الثريا و الحميا و هو سورة الشراب قال ابن قتيبة و لم أسمع بعقيرا إلا في هذا الحديث. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 222قولها فلا تصحريها أي لا تبرزيها و تجعليها بالصحراء يقال أصحر كما يقال أنجد و أسهل و أحزن. و قولها الله من وراء هذه الأمة أي محيط بهم و حافظ لهم و عالم بأحوالهم وله تعالى وَ اللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ قولها لو أراد رسول الله ص الجواب محذوف أي لفعل و لعهد و هذا كقوله تعالى وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أي لكان هذا القرآن. قولها علت علت أي جرت في هذا الخروج و عدلت عن الجواب و العول الميل و الجور قال تعالى ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا و من الناس من يرويه علت علت بكسر العين أي ذهبت في البلاد و أبعدت السير يقال عال فلان في البلاد أي ذهب و أبعد و منه قيل للذئب عيال. قولها عن الفرطة في البلاد أي عن السفر و الشخوص من الفرط و هو السبق و التقدم و رجل فارط أتى الماء أي سابق. قولها لا يثأب(7/194)
بالنساء أي لا يرد بهن إن مال إلى استوائه من قولك ثأب فلان إلى كذا أي عاد إليه. قولها و لا يرأب بهن إن صدع أي لا يسد بهن و لا يجمع و الصدع الشق و يروى إن صدع بفتح الصاد و الدال أجروه مجرى قولهم جبرت العظم فجبر. قولها حماديات النساء يقال حماداك أن تفعل كذا مثل قصاراك أن تفعل كذا أي جهدك و غايتك. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 223و غض الأطراف جمعها و خفر الأعراض الخفر الحياء و الأعراض جمع عرض و هو الجسد يقال فلان طيب العرض أي طيب ريح البدن و من ره الأعراض بكسر الهمزة جعله مصدرا من أعرض عن كذا. قولها و قصر الوهازة قال ابن قتيبة سألت عن هذا فقال لي من سألته سألت عنه أعرابيا فصيحا فقال الوهازة الخطوة يقال للرجل إنه لمتوهز و متوهر إذا وطئ وطئا ثقيلا. قولها ناصة قلوصا أي رافعة لها في السير و النص الرفع و منه يقال حديث منصوص أي مرفوع و القلوص من النوق الشابة و هي بمنزلة الفتاة من النساء. و المنهل الماء ترده الإبل. قولها إن بعين الله مهواك أي إن الله يرى سيرك و حركتك و الهوى الانحدار في السير من النجد إلى الغور. قولها و على رسوله تردين أي تقدمين في القيامة. قولها و قد وجهت سدافته السدافة الحجاب و الستر هي من أسدف الليل إذا ستر بظلمته كأنه أرخى ستورا من الظلام و يروى بفتح السين و كذلك القول في سجافته إنه يروى بكسر السين و فتحها و السدافة و السجافة بمعنى. و وجهت أي نظمتها بالخرز و الوجيهة خرزة معروفة و عادة العرب أن تنظم على المحمل خرزات إذا كان للنساء. قولها و تركت عهيداه لفظة مصغرة مأخوذة من العهد مشابهة لما سلف من قولها عقيراك و حماديات النساء. قولها و وقاعة الستر أي موقعه على الأرض إذا أرسلته و هي الموقعة أيضا و موقعة الطائر. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 2قولها حتى تلقينه و أنت على تلك أي على تلك الحال فحذف. قولها أطوع ما تكونين لله إذا لزمته أطوع مبتدأ و إذا لزمته خبر المبتدأ و الضمير في(7/195)
لزمته راجع إلى العهد و الأمر الذي أمرت به. قولها لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة أي لعضك و نهشك ما أذكره لك و أذكرك به كما تنهشك أفعى رقشاء و الرقش في ظهرها هو النقط و الجرادة أيضا رقشاء قال النابغة
فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع
و الأفعى يوصف بالإطراق و كذلك الأسد و النمر و الرجل الشجاع و كان معاوية يقول في علي ع الشجاع المطرق و قال الشاعر و ذكر أفعى
أصم أعمى ما يجيب الرقى من طول إطراق و إسبات(7/196)
قولها فئتان متناجزتان أي تسرع كل واحدة منهما إلى نفوس الأخرى و من رواه متناحرتان أراد الحرب و طعن النحور بالأسنة و رشقها بالسهام. و فزعت إلى فلان في كذا أي لذت به و التجأت إليه. و قولها إن أقعد ففي غير حرج أي في غير إثم و قولها فإن أخرج فإلى ما لا بد لي من الازدياد منه كلام من يعتقد الفضيلة في الخروج أو يعرف موقع الخطإ و يصر عليه. لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية ببعيره المسمى عسكرا و كان عظيم الخلق شديدا فلما رأته أعجبها و أنشأ الجمال يحدثها بقوته و شدته و يقول في أثناء كلامه عسكر فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت و قالت ردوه لا حاجة لي فيه و ذكرت حيث سئلت أن رسول الله شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 225ص ذكر لها هذا الاسم و نهاها عن ركوبه و أمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله قيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا و أشد قوة و أتيت به فرضيت. قال أبو مخنف و أرسلت إلى حفصة تسألها الخروج و المسير معها فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فأتى أخته فعزم عليها فأقامت و حطت الرحال بعد ما همت. كتب الأشتر من المدينة إلى عائشة و هي بمكة أما بعد فإنك ظعينة رسول الله ص و قد أمرك أن تقري في بيتك فإن فعلت فهو خير لك فإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك و تلقي جلبابك و تبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك و الموضع الذي يرضاه لك ربك. فكتبت إليه في الجواب أما بعد فإنك أول العرب شب الفتنة و دعا إلى الفرقة و خالف الأئمة و سعى في قتل الخليفة و قد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم و قد جاءني كتابك و فهمت ما فيه و سيكفينيك الله و كل من أصبح مماثلا لك في ضلالك و غيك إن شاء الله. و قال أبو مخنف لما انتهت عائشة في مسيرها إلى الحوأب و هو ماء لبني عامر بن صعصعة نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب إبلها فقال(7/197)