شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 85350- و من خطبة له عقَدْ عَلِمَ السَّرَائِرَ وَ خَبَرَ الضَّمَائِرَ لَهُ الْإِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ الْغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ الْقُوَّةُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ وَ فِي فَرَاغِهِ قَبْلَ أانِ شُغُلِهِ وَ فِي مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ وَ لْيُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ وَ قَدَمِهِ وَ لْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِ فَاللَّهَ اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ وَ اسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَ لَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَ لَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ وَ لَا عَمًي قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ وَ عَلِمَ أَعْمَالَكُمْ وَ كَتَبَ آجَالَكُمْ وَ أَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ عَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيِّهُ أَزْمَاناَ حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَ لَكُمْ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَ أَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانِهِ مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَ مَكَارِهَهُ وَ نَوَاهِيَهُ وَ أَوَامرَهُ وَ أَلْقَى إِلَيْكُمُ الْمَعْذِرَةَ وَ اتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ وَ قَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ وَ أَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ(7/328)


السرائر جمع سريرة و هو ما يكتم من السر. و خبر الضمائر بفتح الباء امتحنها و ابتلاها و من رواه بكسر الباء أراد علم و الاسم شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 351الخبر بضم الخاء و هو العلم و الضمائر جمع ضمير و هو ما تضمره و تكنه في نفسك. و في قوله له الإحاطة بكل شيو قد بينها ثلاث مسائل في التوحيد إحداهن أنه تعالى عالم بكل المعلومات. و الثانية أنه لا شريك له و إذا ثبت كونه عالما بكل شي ء كان في ضمن ذلك نفي الشريك لأن الشريك لا يكون مغلوبا. و الثالثة أنه قادر على كل ما يصح تعلق قادريته تعالى به. و أدلة هذه المسائل مذورة في الكتب الكلامية. و قوله فليعمل العامل منكم إلى قوله و ليتزود من دار ظعنه لدار إقامته مأخوذ من قول رسول الله ص في خطبته المشهورة
و هي أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم و إن لكم غاية فانتهوا إلى غايتكم إن المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به و أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد من نفسه لنفسه و من دنياه لآخرته و من الشبيبة قبل الهرم و من الحياة قبل الموت فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب و ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار
و المهل المهلة و التؤدة و الإرهاق مصدر أرهق تقول أرهقه قرنه في الحرب إرهاقا إذا غشيه ليقتله و زيد مرهق قال الشاعر
تندى أكفهم و في أبياتهم ثقة المجاور و المضاف المرهق(7/329)


و في متنفسه أي في سعة وقته يقال أنت في نفس من أمرك أي في سعة. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 352و الكظم بفتحهما مخرج النفس و الجمع أكظام و يجوز ظعنه و ظعنه بتحريك العين و تسكينها و قرئ بهما يَوْمَ ظَعْنِكُمْ و ظعنكم و نصب الله الله على الإغراء و هو أن تقدر فعلا ينصب المفعول به أي اتقوا الله و جعل تكرير اللفظ نائبا عن اعل المقدر و دليلا عليه. استحفظكم من كتابه جعلكم حفظة له جمع حافظ. السدى المهمل و يجوز سدى بالفتح أسديت الإبل أهملتها و قوله قد سمى آثاركم يفسر بتفسيرين أحدهما قد بين لكم أعمالكم خيرها و شرها كقوله تعالى وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ و الثاني قد أعلى مآثركم أي رفع منازلكم إن أطعتم و يكون سمى بمعنى أسمى كما كان في الوجه الأول بمعنى أبان و أوضح. و التبيان بكسر التاء مصدر و هو شاذ لأن المصادر إنما تجي ء على التفعال بفتحها مثل التذكار و التكرار و لم يأت بالكسر إلا حرفان و هما التبيان و التلقاء. و قوله حتى أكمل لهو لكم دينه من قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. و قوله الذي رضي لنفسه من قوله تعالى وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ لأنه إذا ارتضى لهم فقد ارتضاه لنفسه أي ارتضى أن ينسب إليه فيقال هذا دين الحق و أنهى إليكم عرفكم و أعلمكم. و محابه جمع محبة و مكارهه جمع مكرهة و هي ما تكره و في هذا دلالة أن الله تعالى يحب الطاعة و يكره المعصية و هو خلاف قول المجبرة. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 353و الأوامر جمع آمر و أنكره قوم و قالوا هاهنا جمع أمر كالاوص جمع أحوص و الأحامر جمع أحمر يعني الكلام الآمر لهم بالطاعات و هو القرآن. و النواهي جمع ناهية كالسواري جمع سارية و الغوادي جمع غادية يعني الآيات الناهية لهم عن المعاصي و يضعف أن يكون الأوامر و النواهي جمع أمر و نهي لأن فعلا لا يجمع على أفاعل و فواعل و إن كان(7/330)


قال ذلك بعض الشواذ من أهل الأدب. و قوله و ألقى إليكم المعذرة كلام فصيح و هو من قوله تعالى أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ. و قدم إليكم بالوعيد و أنذركم بين يدي عذاب شديد أي أمامه و قبله مأخوذ أيضا من القرآن و معنى قوله بين يدي عذاب شديد أي أمامه و قبله لأن ما بين يديك متقدم لك
فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ وَ اصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَكُونُ مِنْكُمْ فِيهَا الْغَفْلَةُ وَ التَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ وَ لَا تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِكُمْ فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الظَّلَمَةِ وَ لَا تُدَاهِنُوا فَيَهْجُمَ بِكُمُ الْإِدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ وَ إِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ وَ الْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ وَ الْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ وَ السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَ الشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَ غُرُورِهِ شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 354وَ اعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ وَ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلْإِيمَِ وَ مَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وَ كَرَامَةٍ وَ الْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ وَ مَهَانَةٍ وَ لَا تَحَاسَدُوا فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْإِيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَ لَا تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ وَ يُنْسِي الذِّكْرَ فَأَكْذِبُوا الْأَمَلَ فَإِنَّهُ غَرُورٌ وَ صَاحِبُهُ مَغْرُورٌ(7/331)


قوله فاستدركوا بقية أيامكم يقال استدركت ما فات و تداركت ما فات بمعنى و اصبروا لها أنفسكم مأخوذ من قوله تعالى وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يقال صبر فلان نفسه على كذا أي حبسها عليه يتعدى فينصب قال عنترة
فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
أي حبست نفسا عارفة و في الحديث النبوي في رجل أمسك رجلا و قتله الآخر فقال ع اقتلوا القاتل و اصبروا الصابر(7/332)

32 / 149
ع
En
A+
A-