شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 343بن عمر بن الخطاب إليه تشكوه فقالت يا أمير المؤمنين أ لا تعذرني من أبي عيسى قال و من أبو عيسى قالت ابنك عبيد الله قال ويحك و قد تكني بأبي عيسى ثم دعاه فقال أيها اكتنيت بأبي عيسى فحذر و فزع و أخذ يده فعضها ثم ضربه و قال ويلك ول لعيسى أب أ تدري ما كنى العرب أبو سلمة أبو حنظلة أبو عرفطة أبو مرة. قال الزبير و كان عمر إذا غضب على بعض أهله لم يسكن غضبه حتى يعض يده عضا شديدا و كان عبد الله بن الزبير كذلك و لقوة هذا الخلق عنده أضمر عبد الله بن عباس في خلافته إبطال القول بالعول و أظهره بعده فقيل له هلا قلت هذا في أيام عمر فقال هبته و كان أميرا مهيبا. و لذلك قال أيضا أبو سفيان في استلحاق زياد أخاف من هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي فإذا هابه أبو سفيان و هو من بني عبد مناف في المنزلة التي تعلم و حوله بنو عبد شمس و هم جمرة قريش فما ظنك بمن هو دونه. و قد علمت حال جبلة بن الأيهم و ارتداده عن الإسلام لتهدده له و وعيده إياه أن يضربه بالدرة و فساد الحال بينه و بين خالد بن الوليد بعد أن كان وليا مصافيا و منحرفا عن غيره قاليا و الشأن الذي كان بينه و بين طلحة حتى هم أن يوقع به و حتى هم طلحة أن يجاهره و طلحة هو الذي قال لأبي بكر عند موته ما ذا تقول لربك و قد وليت فينا فظا غليظا و هو القائل له يا خليفة رسول الله إنا كنا لا نحتمل شراسته و أنت حي تأخذ على يديه فكيف يكون حالنا معه و أنت ميت و هو الخليفة. و اعلم أنا لا نريد بهذا القول ذمه رضي الله عنه و كيف نذمه و هو أولى الناس بالمدح شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 344و التعظيم ليمن نقيبته و بركة خلافته و كثرة الفتوح في أيامه و انتظام أمور الإسلام على يده و لكنا أردنا أن نشرح حال العنف و الرفق و حال سعة الخلق و ضيقه و حال البشاشة و العبوس و حال الطلاقة و اعورة فنذكر كل واحد منها ذكرا كليا لا نخص به إنسانا بعينه فأما عمر(7/323)


فإنه و إن كان وعرا شديدا خشنا فقد رزق من التوفيق و العناية الإلهية و نجح المساعي و طاعة الرعية و نفوذ الحكم و قوة الدين و حسن النية و صحة الرأي ما يربي محاسنه و محامده على ما في ذلك الخلق من نقص و ليس الكامل المطلق إلا الله تعالى وحده. فأما حديث الرضيخة و ما جعل معاوية لعمرو بن العاص من جعالة على مبايعته و نصرته فقد تقدم ذكره في أخبار صفين المشروحة في هذا الكتاب من قبل
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 84345- و من خطبة له عوَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْأَوَّلُ لَا شَيْ ءَ قَبْلَهُ وَ الآْخِرُ لَا غَايَةَ لَهُ لَا تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَ لَا تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَ لَا تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ َ التَّبْعِيضُ وَ لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَ الْقُلُوبُ(7/324)


في هذا الفصل على قصره ثماني مسائل من مسائل التوحيد. الأولى أنه لا ثاني له سبحانه في الإلهية. و الثانية أنه قديم لا أول له فإن قلت ليس يدل كلامه على القدم لأنه قال الأول لا شي ء قبله فيوهم كونه غير قديم بأن يكون محدثا و ليس قبله شي ء لأنه محدث عن عدم و الم ليس بشي ء قلت إذا كان محدثا كان له محدث فكان ذلك المحدث قبله فثبت أنه متى صدق أنه ليس شي ء قبله صدق كونه قديما. و الثالثة أنه أبدي لا انتهاء و لا انقضاء لذاته. و الرابعة نفي الصفات عنه أعني المعاني. و الخامسة نفي كونه مكيفا لأن كيف إنما يسأل بها عن ذويلهيئات و الأشكال و هو منزه عنها. و السادسة أنه غير متبعض لأنه ليس بجسم و لا عرض. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 346و السابعة أنه لا يرى و لا يدرك. و الثامنة أن ماهيته غير معلومة و هو مذهب الحكماء و كثير من المتكلمين من أصحابنا و غيرهم. و أدلة هذه المسائل مشرو في كتبنا الكلامية. و اعلم أن التوحيد و العدل و المباحث الشريفة الإلهية ما عرفت إلا من كلام هذا الرجل و أن كلام غيره من أكابر الصحابة لم يتضمن شيئا من ذلك أصلا و لا كانوا يتصورونه و لو تصوروه لذكروه و هذه الفضيلة عندي أعظم فضائله ع
وَ مِنْهَا فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللَّهِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ وَ اعْتَبِرُوا بِالآْيِ السَّوَاطِعِ وَ ازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ وَ انْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَ الْمَوَاعِظِ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ وَ انْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلَائِقُ الْأُمْنِيَّةِ وَ دَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَ السِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدِ الْمَوْرُودِ فَكُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَ شَهِيدٌ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَ شَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا(7/325)


العبر جمع عبرة و هي ما يعتبر به أي يتعظ و الآي جمع آية و يجوز أن يريد شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 347بها آي القرآن و يجوز أن يريد بها آيات الله في خلقه و في غرائب الحوادث في العالم. و السواطع المشرقة المنيرة. و النذر جمع نذير و هو المخوف و الأحسن أن يكون اذر هاهنا هي الإنذارات نفسها لأنه قد وصف ذلك بالبوالغ و فواعل لا تكون في الأكثر إلا صفة المؤنث. و مفظعات الأمور شدائدها الشنيعة أفظع الأمر فهو مفظع و يجوز فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع و أفظع الرجل على ما لم يسم فاعله أي نزل به ذلك. و قوله و السياقة إلى الورد المورود يعني الموت و قوله سائق و شهيد و قد فسر ع ذلك و قال سائق يسوقها إلى محشرها و شاهد يشهد عليها بعملها و قد قال بعض المفسرين إن الآية لا تقتضي كونهما اثنين بل من الجائز أن يكون ملكا واحدا جامعا بين الأمرين كأنه قال و جاءت كل نفس معها ملك يسوقها و يشهد عليها و كلام أمير المؤمنين يحتمل ذلك أيضا لأنه لم يقل أحدهما لكن الأظهر في الأخبار و الآثار أنهما ملكان. فإن قلت إذا كان تعالى عالما بكل شي ء فأي حاجة إلى الملائكة التي تكتب الأعمال كما قال سبحانه بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ و إذا كان تعال أعدل العادلين فأي حاجة إلى ملك يشهد على المكلف يوم القيامة و إذا كان قادرا لذاته فأي حاجة إلى ملك يسوق المكلف إلى المحشر قلت يجوز أن يكون في تقرير مثل ذلك في أنفس المكلفين في الدنيا ألطاف و مصالح لهم في أديانهم فيخاطبهم الله تعالى به شرح نهج البلاغة ج : ص : 348لوجوب اللطف في حكمته و إذا خاطبهم به وجب فعله في الآخرة لأن خبره سبحانه لا يجوز الخلف عليه
وَ مِنْهَا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ وَ مَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا وَ لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَ لَا يَهْرَمُ خَالِدُهَا وَ لَا يَبْأَسُ سَاكِنُهَا(7/326)


الدرجات جمع درجة و هي الطبقات و المراتب و يقال لها درجات في الجنة و دركات في النار و إنما تفاضلت و تفاوتت بحسب الأعمال و لا يجوز أن يقع ذلك تفضلا لأن التفضل بالثواب قبيح. فإن قلت فما قولك في الحور و الولدان و الأطفال و المجانين قلت يكون الواصل إليهم نعيما و لذة لا شبهة في ذلك و لكن لا ثواب لهم و لا ينالونه و الثواب أمر أخص من المنافع و النعيم لأنه منافع يقترن بها التعظيم و التبجيل و هذا الأمر الأخص لا يحسن إيصاله إلا إلى أرباب العمل. و قوله لا ينقطع نعيمها و لا يظعن مقيمها قول متفق عليه بين أهل الملة إلا ما يحكى عن أبي الهذيل أن حركات أهل الجنة تنتهي إلى سكون دائم و قد نزهه قوم من أصحابنا عن هذا القول و أكذبوا رواته و من أثبته منهم عنه زعم أنه لم يقل بانقطاع النعيم لكن بانقطاع الحركة مع دوام النعيم و إنما حمله على ذلك أنه لما استدل على أن شرح نهج البلاغة ج 6 ص : 349الحركة الماضية يستحيل ألا يكون لها أول عورض بالحركات المستقبلة لأهل الجنة و النار فالتزم أنها متناهية و إنما استبعد هذا عنه لأنه كان أجل قدرا من أن يذهب عليه الفرق بين الصورتين. و يبأس مضارع بئس و جاء فيه يبئس بالكسر و هو شاذ كشذوذ يحسب و ينعم و معنى يبأس يصيبه البؤس و هو الشقاء(7/327)

31 / 149
ع
En
A+
A-