و عمرة هذه أم النعمان و فيها قيل هذا النسيب. و قد روي عن جماعة من الصحابة و التابعين اللعب بالنرد و الشطرنج و منهم من روي عنهم شرب النبيذ و سماع الغناء المطرب. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 337فأما أمير المؤمنين علي ع فإذا نظرت إلى كتب الحديث و السير لم تجد دا من خلق الله عدوا و لا صديقا روى عنه شيئا من هذا الفن لا قولا و لا فعلا و لم يكن جد أعظم من جده و لا وقار أتم من وقاره و ما هزل قط و لا لعب و لا فارق الحق و الناموس الديني سرا و لا جهرا و كيف يكون هازلا
و من كلامه المشهور عنه ما مزح امرؤ مزحة إلا و مج معها من عقله مجة
و لكنه خلق على سجية لطيفة و أخلاق سهلة و وجه طلق و قول حسن و بشر ظاهر و ذلك من فضائله ع و خصائصه التي منحه الله بشرفها و اختصه بمزيتها و إنما كانت غلظته و فظاظته فعلا لا قولا و ضربا بالسيف لا جبها بالقول و طعنا بالسنان لا عضها باللسان كما قال الشاعر
و تسفه أيدينا و يحلم رأينا و نشتم بالأفعال لا بالتكلم
نبذ و أقول في حسن الخلق و مدحه
فأما سوء الخلق فلم يكن من سجاياه
فقد قال النبي ص خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل و سوء الخلق
و قال الله تعالى لنبيه ص وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ و قال أيضا وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.
و قيل لرسول الله ص ما الشؤم فقال سوء الخلق
و صحب جابر رجلا في طريق مكة فآذاه سوء خلقه فقال جابر إني لأرحمه نحن نفارقه و يبقى معه سوء خلقه. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 338و قيل لعبد الله بن جعفر كيف تجاور بني زهرة و في أخلاقهم زعارة قال لا يكون لي قبلهم شي ء إلا تركته و لا يطلبون مني شيئا إلا أعطيت
و في الحديث المرفوع أنه ص قال أ لا أنبئكم بشر الناس قالوا بلى يا رسول الله قال من نزل وحده و منع رفده و ضرب عبده ثم قال أ لا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى قال من لم يقل عثرة و لا يقبل معذرة(7/318)


و قال إبراهيم بن عباس الصولي لو وزنت كلمة رسول الله ص بمحاسن الخلق كلها لرجحت
قوله إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم
و في الخبر المرفوع حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه و الزمام بيد الملك و الملك يجره إلى الخير و الخير يجره إلى الجنة و سوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه و الزمام بيد الشيطان و الشيطان يجره إلى الشر و الشر يجره إلى النار
و روى الحسن بن علي ع عن النبي ص أن الرجل يدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم و إنه ليكتب جبارا و لا يملك إلا أهله
و روى أبو موسى الأشعري قال بينا رسول الله ص يمشي و امرأة بين يديه فقلت الطريق لرسول الله ص فقالت الطريق معرض إن شاء أخذ يمينا و إن شاء أخذ شمالا فقال ص دعوها فإنها جبارة
و قال بعض السلف الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب و السيئ الخلق أجنبي عند أهله. و من كلام الأحنف أ لا أخبركم بالمحمدة بلا مذمة الخلق السجيح و الكف عن القبيح أ لا أخبركم بأدوأ الداء الخلق الدني ء و اللسان البذي ء. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : و في الحديث المرفوع أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن
و جاء مرفوعا أيضا المؤمن هين لين كالجمل الأنف إن قيد انقاد و إن أنيخ على صخرة استناخ
و جاء مرفوعا أيضا أ لا أخبركم بأحبكم إلي و أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون و يؤلفون أ لا أخبركم بأبغضكم إلي و أبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون
أبو رجاء العطاردي من سره أن يكون مؤمنا حقا فليكن أذل من قعود كل من مر به ادعاه. فضيل بن عياض لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق لأن الفاسق إذا حسن خلقه خف على الناس و أحبوه و العابد إذا ساء خلقه ثقل على الناس و مقتوه.(7/319)


دخل فرقد و محمد بن واسع على رجل يعودانه فجرى ذكر العنف و الرفق فروى فرقد عن رسول الله ص أنه قيل له على من حرمت النار يا رسول الله قال على الهين اللين السهل القريب فلم يجد محمد بن واسع بياضا يكتب ذلك فيه فكتبه على ساقه
عبد الله بن الداراني ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
عائشة قال رسول الله ص إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم باب رفق
و عنها عنه ص من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا و الآخرة
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 340 جرير بن عبد الله البحلي رفعه أن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق فإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفقو كان يقال ما دخل الرفق في شي ء إلا زانه. أبو عون الأنصاري ما تكلم الإنسان بكلمة عنيفة إلا و إلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها. سئلت عائشة عن خلق رسول الله ص فقالت كان خلقه القرآن خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ
و سئل ابن المبارك عن حسن الخلق فقال بسط الوجه و كف الأذى و بذل الندى.
ابن عباس أن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد و أن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل
علي ع ما من شي ء في الميزان أثقل من خلق حسن و عنه ع عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه
و عنه ع مرفوعا عليكم بحسن الخلق فإنه في الجنة و إياكم و سوء الخلق فإنه في النار
قال المنصور لأخيه أبي العباس في بني حسن لما أزمعوا الخروج عليه آنسهم يا أمير المؤمنين بالإحسان فإن استوحشوا فالشر يصلح ما يعجز عنه الخير و لا تدع محمدا يمرح في أعنة العقوق فقال أبو العباس يا أبا جعفر إنه من شدد نفر و من لان ألف و التغافل من سجايا الكرام
فصل في ذكر أسباب الغلظة و الفظاظة(7/320)


و نحن نذكر بعد كلاما كليا في سبب الغلظة و الفظاظة و هو الخلق المنافي للخلق الذي كان عليه أمير المؤمنين فنقول شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 341إنه قد يكون لأمر عائد إلى المزاج الجسماني و قد يكون لأمر راجع إلى النفس فأما الأول فإنما يكون من غلبة الأخلاط السوداة و ترمدها و عدم صفاء الدم و كثرة كدرته و عكره فإذا غلظ الدم و ثخن غلظ الروح النفساني و ثخن أيضا لأنه متولد من الدم فيحدث منه نوع مما يحدث لأصحاب الفطرة من الاستيحاش و النبوة عن الناس و عدم الاستئناس و البشاشة و صار صاحبه ذا جفاء و أخلاق غليظة و يشبه أن يكون هذا سببا ماديا فإن الذي يقوى في نفسي أن النفوس إن صحت و ثبتت مختلفة بالذات. و أما الراجع إلى النفس فأن يجتمع عندها أسقاط و أنصباء من قوى مختلفة مذمومة نحو أن تكون القوة الغضبية عندها متوافرة و ينضاف إليها تصور الكمال في ذاتها و توهم النقصان في غيرها فيعتقد أن حركات غيره واقعة على غير الصواب و أن الصواب ما توهمه. و ينضاف إلى ذلك قلة أدب النفس و عدم الضبط لها و استحقارها للغير و يقل التوقير له و ينضاف إلى ذلك لجاج و ضيق في النفس و حدة و استشاطة و قلة صبر عليه فيتولد من مجموع هذه الأمور خلق دني و هو الغلظة و الفظاظة و الوعورة و البادرة المكروهة و عدم حبه الناس و لقاؤهم بالأذى و قلة المراقبة لهم و استعمال القهر في جميع الأمور و تناول الأمر من السماء و هو قادر على أن يتناوله من الأرض. و هذا الخلق خارج عن الاعتدال و داخل في حيز الجور و لا ينبغي أن يسمى بأسماء المدح و أعني بذلك أن قوما يسمون هذا النوع من العنف و الخلق الوعر رجولية و شدة و شكيمة و يذهبون به مذهب قوة النفس و شجاعتها الذي هو بالحقيقة مدح و شتان بين الخلقين فإن صاحب هذا الخلق الذي ذممناه تصدر عنه أفعال كثيرة يجور فيها على نفسه ثم على إخوانه على الأقرب فالأقرب من معامليه حتى ينتهي إلى عبيده و حرمه فيكون عليهم سوط(7/321)


عذاب لا يقيلهم عثرة و لا يرحم لهم عبرة و إن كانوا برآء الذنوب غير مجرمين و لا مكتسبي سوء بل يتجرم عليهم و يهيج من أدنى سبب يجد به طريقا إليهم شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 342حتى يبسط يده و لسانو هم لا يمتنعون منه و لا يتجاسرون على رده عن أنفسهم بل يذعنون له و يقرون بذنوب لم يقترفوها استكفافا لعاديته و تسكينا لغضبه و هو في ذلك يستمر على طريقته لا يكف يدا و لا لسانا. و أصل هذا الخلق الذي ذكرناه أنه مركب من قوى مختلفة من شدة القوة الغضبية فهي الحاملة لصاحب هذا الخلق على ما يصدر عنه من البادرة المكروهة و الجبة و القحة و قد رأينا و شاهدنا من تشتد القوة الغضبية فيه فيتجاوز الغضب على نوع الإنسان إلى البهائم التي لا تعقل و إلى الأواني التي لا تحس و ربما قام إلى الحمار و إلى البرذون فضربهما و لكمهما و ربما كسر الآنية لشدة غضبه و ربما عض القفل إذا تعسر عليه و ربما كسر القلم إذا تعلقت به شعره من الدواة و اجتهد في إزالتها فلم تزل. و يحكى عن بعض ملوك اليونان المتقدمين أنه كان يغضب على البحر إذا هاج و اضطرب و تأخرت سفنه عن النفوذ فيه فيقسم بمعبوده ليطمنه و ليطرحن الجبال فيه حتى يصير أرضا و يقف بنفسه على البحر و يهدده بذلك و يزجره زجرا عنيفا حتى تدر أوداجه و يشتد احمرار وجهه و منهم من لا يسكن غضبه حتى يصب عليه ماء بارد أو حتى يبول و لهذا ورد في الشريعة الأمر لمن اشتد غضبه أن يتوضأ للصلاة و يصلي. و كان عمر بن الخطاب إذا غضب على واحد من أهله لا يسكن غضبه حتى يعض يده عضا شديدا حتى يدميها. و ذكر الزبير بن بكار في الموفقيات أن سرية جاءت لعبد الرحمن أو لعبيد الله(7/322)

30 / 149
ع
En
A+
A-