الله لعلى حق و ليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون و جنوده قلت فبايعني له على الإسلام فبسط يده فبايعته على الإسلام و خرجت عامدا لرسول الله ص فلما قدمت المدينة جئت إلى رسول الله ص و قد أسلم خالد بن الوليد و قد كان صحبني في الطريق إليه فقلت يا رسول الله أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي و لم أذكر ما تأخر
فقال بايع يا عمرو فإن الإسلام يجب ما قبله و إن الهجرة تجب ما قبلها
فبايعته و أسلمت. و ذكر أبو عمر في الإستيعاب أن إسلامه كان سنة ثمان و أنه قدم و خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة المدينة فلما رآهم رسول الله قال رمتكم مكة بأفلاذ كبدها. قال و قد قيل إنه أسلم بين الحديبية و خيبر و القول الأول أصح
بعث رسول الله عمرا إلى ذات السلاسل
قال أبو عمر و بعث رسول الله عمرا إلى ذات السلاسل من بلاد قضاعة في ثلاثمائة و كانت أم العاص بن وائل من بلي فبعث رسول الله ص عمرا إلى أرض بلي شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 320و عذرة يتألفهم بذلك و يدعوهم إلى الإسلام فسار حتى إذا كان على ماء أرض جذام يقال له الاسل و قد سميت تلك الغزاة ذات السلاسل خاف فكتب إلى رسول الله ص يستنجد فأمده بجيش فيه مائتا فارس فيه أهل الشرف و السوابق من المهاجرين و الأنصار فيهم أبو بكر و عمر و أمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح فلما قدموا على عمرو قال عمرو أنا أميركم و إنما أنتم مددي فقال أبو عبيدة بل أنا أمير من معي و أنت أمير من معك فأبى عمرو ذلك فقال أبو عبيدة إن رسول الله ص عهد إلي فقال إذا قدمت إلى عمرو فتطاوعا و لا تختلفا فإن خالفتني أطعتك قال عمرو فإني أخالفك فسلم إليه أبو عبيدة و صلى خلفه في الجيش كله و كان أميرا عليهم و كانوا خمسمائة
ولايات عمرو في عهد الرسول و الخلفاء(7/303)
قال أبو عمر ثم ولاه رسول الله ص عمان فلم يزل عليها حتى قبض رسول الله ص و عمل لعمر و عثمان و معاوية و كان عمر بن الخطاب ولاه بعد موت يزيد بن أبي سفيان فلسطين و الأردن و ولى معاوية دمشق و بعلبك و البلقاء و ولى سعيد بن عامر بن خذيم حمص ثم جمع الشام كلها لمعاوية و كتب إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر فسار إليها فافتتحها فلم يزل عليها واليا حتى مات عمر فأمره عثمان عليها أربع سنين و نحوها ثم عزله عنها و ولاها عبد الله بن سعد العامري. قال أبو عمر ثم إن عمرو بن العاص ادعى على أهل الإسكندرية أنهم قد نقضوا العهد الذي كان عاهدهم فعمد إليها فحارب أهلها و افتتحها و قتل المقاتلة و سبى الذرية فنقم ذلك عليه عثمان و لم يصح عنده نقضهم العهد فأمر برد السبي الذي سبوا من القرى إلى مواضعهم و عزل عمرا عن مصر و ولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 321ر بدله فكان ذلك بدو الشر بين عمرو بن العاص و عثمان بن عفان فلما بدا بينهما من الشر ما بدا اعتزل عمرو في ناحية فلسطين بأهله و كان يأتي المدينة أحيانا فلما استقر الأمر لمعاوية بالشام بعثه إلى مصر بعد تحكيم الحكمين فافتتحها فلم يزل بها إلى أن مات أميرا عليها في سنة ثلاث و أربعين و قيل سنة اثنتين و أربعين و قيل سنة ثمان و أربعين و قيل سنة إحدى و خمسين. قال أبو عمر و الصحيح أنه مات في سنة ثلاث و أربعين و مات يوم عيد الفطر من هذه السنة و عمره تسعون سنة و دفن بالمقطم من ناحية السفح و صلى عليه ابنه عبد الله ثم رجع فصلى بالناس صلاة العيد فولاه معاوية مكانه ثم عزله و ولى مكانه أخاه عتبة بن أبي سفيان. قال أبو عمر و كان عمرو بن العاص من فرسان قريش و أبطالهم في الجاهلية مذكورا فيهم بذلك و كان شاعرا حسن الشعر و أحد الدهاة المتقدمين في الرأي و الذكاء و كان عمر بن الخطاب إذا استضعف رجلا في رأيه و عقله قال أشهد أن خالقك و خالق عمرو واحد(7/304)
يريد خالق الأضداد
نبذ من كلام عمرو بن العاص
و نقلت أنا من كتب متفرقة كلمات حكمية تنسب إلى عمرو بن العاص استحسنتها و أوردتها لأني لا أجحد لفاضل فضله و إن كان دينه عندي غير مرضي. فمن كلامه ثلاث لا أملهن جليسي ما فهم عني و ثوبي ما سترني و دابتي ما حملت رحلي. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 322و قال لعبد ال بن عباس بصفين إن هذا الأمر الذي نحن و أنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء و قد بلغ الأمر منا و منكم ما ترى و ما أبقت لنا هذه الحرب حياة و لا صبرا و لسنا نقول ليت الحرب عادت و لكنا نقول ليتها لم تكن كانت فافعل فيما بقي بغير ما مضى فإنك رأس هذا الأمر بعد علي و إنما هو آمر مطاع و مأمور مطيع و مبارز مأمون و أنت هو. و لما نصب معاوية قميص عثمان على المنبر و بكى أهل الشام حوله قال قد هممت أن أدعه على المنبر فقال له عمرو إنه ليس بقميص يوسف أنه إن طال نظرهم إليه و بحثوا عن السبب وقفوا على ما لا تحب أن يقفوا عليه و لكن لذعهم بالنظر إليه في الأوقات. و قال ما وضعت سري عند أحد فأفشاه فلمته لأني أحق باللوم منه إذ كنت أضيق به صدرا منه. و قال ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر لكن العاقل من يعرف خير الشرين. و قال عمر بن الخطاب لجلسائه يوما و عمرو فيهم ما أحسن الأشياء فقال كل منهم ما عنده فقال ما تقول أنت يا عمرو فقال
الغمرات ثم ينجلينا(7/305)
و قال لعائشة لوددت أنك قتلت يوم الجمل قالت و لم لا أبا لك قال كنت تموتين بأجلك و تدخلين الجنة و نجعلك أكبر التشنيع على علي بن أبي طالب ع. و قال لبنيه يا بني اطلبوا العلم فإن استغنيتم كان جمالا و إن افتقرتم كان مالا. و من كلامه أمير عادل خير من مطر وابل و أسد حطوم خير من سلطان ظلوم و سلطان ظلوم خير من فتنة تدوم و زلة الرجل عظم يجبر و زلة اللسان لا تبقى و لا تذر و استراح من لا عقل له. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 323و كتب إليه عمر يسأله عن البحر فكتب إليه خلق عظيم يركبه خلق ضعيف. دود على عود بين غرق و نزق. و ق لعثمان و هو يخطب على المنبر يا عثمان إنك قد ركبت بهذه الأمة نهاية من الأمر و زغت فزاغوا فاعتدل أو اعتزل. و من كلامه استوحش من الكريم الجائع و من اللئيم الشبعان فإن الكريم يصول إذا جاع و اللئيم يصول إذا شبع. و قال جمع العجز إلى التواني فنتج بينهما الندامة و جمع الجبن إلى الكسل فنتج بينهما الحرمان. و روى عبد الله بن عباس قال دخلت على عمرو بن العاص و قد احتضر فقلت يا أبا عبد الله كنت تقول أشتهي أني أرى عاقلا يموت حتى أسأله كيف تجد فما ذا تجد قال أجد السماء كأنها مطبقة على الأرض و أنا بينهما و أراني كأنما أتنفس من خرق إبرة ثم قال اللهم خذ مني حتى ترضى ثم رفع يده فقال اللهم أمرت فعصينا و نهيت فركبنا فلا برئ فأعتذر و لا قوي فأنتصر و لكن لا إله إلا الله فجعل يرددها حتى فاض. و قد روى أبو عمر بن عبد البر هذا الخبر في كتاب الإستيعاب قال لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال اللهم أمرتني فلم آتمر و زجرتني فلم أنزجر و وضع يده في موضع الغل ثم قال اللهم لا قوي فأنتصر و لا برئ فأعتذر و لا مستكبر بل مستغفر لا إله إلا أنت فلم يزل يرددها حتى مات. قال أبو عمر و حدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال سمعت الشافعي يقول دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في(7/306)
مرضه فسلم عليه فقال كيف أصبحت يا أبا عبد الله قال أصبحت و قد أصلحت من دنياي قليلا و أفسدت من ديني كثيرا فلو كان الذي أصلحت هو الذي شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 324أفسدت و الذي أفسدت هو الذي أصلحلفزت و لو كان ينفعني أن أطلب طلبت و لو كان ينجيني أن أهرب هربت فقد صرت كالمنخنق بين السماء و الأرض لا أرقى بيدين و لا أهبط برجلين فعظني بعظة أنتفع بها يا ابن أخي فقال ابن عباس هيهات أبا عبد الله صار ابن أخيك أخاك و لا تشاء أن تبلى إلا بليت كيف يؤمر برحيل من هو مقيم فقال عمرو على حينها من حين ابن بضع و ثمانين تقنطني من رحمة ربي اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى فقال ابن عباس هيهات أبا عبد الله أخذت جديدا و تعطى خلقا قال عمرو ما لي و لك يا ابن عباس ما أرسل كلمة إلا أرسلت نقيضها. و روى أبو عمر في كتاب الإستيعاب أيضا عن رجال قد ذكرهم و عددهم أن عمرا لما حضرته الوفاة قال له ابنه عبد الله و قد رآه يبكي لم تبكي أ جزعا من الموت قال لا و الله و لكن لما بعده فقال له لقد كنت على خير فجعل يذكره صحبة رسول الله ص و فتوحه بالشام فقال له عمرو تركت أفضل من ذلك شهادة أن لا إله إلا الله إني كنت على ثلاثة أطباق ليس منها طبق إلا عرفت نفسي فيه كنت أول أمري كافرا فكنت أشد الناس على رسول الله ص فلو مت حينئذ وجبت لي النار فلما بايعت رسول الله ص كنت أشد الناس حياء منه فما ملأت منه عيني قط فلو مت يومئذ قال الناس هنيئا لعمرو أسلم و كان على خير و مات على خير أحواله فسرحوا له بالجنة ثم تلبثت بعد ذلك بالسلطان و بأشياء فلا أدري(7/307)