ليس عمرو بتارك ذكره الحارث بالسوء أو يلاقي علياواضع السيف فوق منكبه الأيمن لا يحسب الفوارس شياليت عمرا يلقاه في حومة النقع و قد أمست السيوف عصياحيث يدعو للحرب حامية القوم إذا كان بالبراز مليافالقه إن أردت مكرمة الدهر أو الموت كل ذاك عليا
فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمرا فأقسم بالله ليلقين عليا و لو مات ألف موتة فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه فتقدم علي ع و هو مخترط سيفا شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 314معتقل رمحا فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغرا بريه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا وجهه مستدبرا له فعد الناس ذلك من مكارمه و سؤدده و ضرب بها المثل. قال نصر و حدثني محمد بن إسحاق قال اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان و الوليد بن عقبة و مروان بن الحكم و عبد الله بن عامر و ابن طلحة الطلحات الخزاعي فقال عتبة إن أمرنا و أمر علي بن أبي طالب لعجب ما فينا إلا موتور مجتاح. أما أنا فقتل جدي عتبة بن ربيعة و أخي حنظلة و شرك في دم عمي شيبة يوم بدر. و أما أنت يا وليد فقتل أباك صبرا و أما أنت يا ابن عامر فصرع أباك و سلب عمك. و أما أنت يا ابن طلحة فقتل أباك يوم الجمل و أيتم إخوتك و أما أنت يا مروان فكما قال الشاعر
و أفلتهن علباء جريضا و لو أدركنه صفر الوطاب
فقال معاوية هذا الإقرار فأين الغير قال مروان و أي غير تريد قال أريد أن تشجروه بالرماح قال و الله يا معاوية ما أراك إلا هاذيا أو هازئا و ما أرانا إلا ثقلنا عليك فقال ابن عقبة(7/298)
يقول لنا معاوية بن حرب أ ما فيكم لواتركم طلوب يشد على أبي حسن علي بأسمر لا تهجنه الكعوب شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 315فيهتك مجمع اللبات منه و نقع الحرب مطرد يئوب فقلت له أ تلعب يا ابن هند كأنك بيننا رجل غريب أ تغرينا بحية بطن واد إذا نهشت فليس لها طبيب و ما ضبع يدب ببطن واد أتيح له به أسد مهيب بأضعف حيلة منا إذا ما لقيناه و لقياه عجيب و وقته خصيتاه و كان لقلبه منه وجيب كان القوم لما عاينوه خلال النقع ليس لهم قلوب لعمر أبي معاوية بن حرب و ما ظني ستلحقه العيوب لقد ناداه في الهيجا علي فأسمعه و لكن لا يجفغضب عمرو و قال إن كان الوليد صادقا فليلق عليا أو فليقف حيث يسمع صوته. و قال عمرو
يذكرني الوليد دعا علي و نطق المرء يملؤه الوعيدمتى تذكر مشاهده قريش يطر من خوفه القلب الشديدفأما في اللقاء فأين منه معاوية بن حرب و الوليدو عيرني الوليد لقاء ليث إذا ما شد هابته الأسودلقيت و لست أجهله عليا و قد بلت من العلق اللبودفأطعنه و يطعني خلاسا و ما ذا بعد طعنته أريدفرمها منه يا ابن أبي معيط و أنت الفارس البطل النجيدو أقسم لو سمعت ندا علي لطار القلب و انتفخ الوريد(7/299)
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 316و لو لاقيته شقت جيوب عليك و لطمت فيك الخدوو ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب في باب بسر بن أرطاة قال كان بسر من الأبطال الطغاة و كان مع معاوية بصفين فأمره أن يلقى عليا ع في القتال و قال له إني سمعتك تتمنى لقاءه فلو أظفرك الله به و صرعته حصلت على الدنيا و الآخرة و لم يزل يشجعه و يمنيه حتى رأى عليا في الحرب فقصده و التقيا فصرعه علي ع و عرض له معه مثل ما عرض له مع عمرو بن العاص في كشف السوأة. قال أبو عمر و ذكر ابن الكلبي في كتابه في أخبار صفين أن بسر بن أرطاة بارز عليا يوم صفين فطعنه علي ع فصرعه فانكشف له فكف عنه كما عرض له مثل ذلك مع عمرو بن العاص. قال و للشعراء فيهما أشعار مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب منها فيما ذكر ابن الكلبي و المدائني قول الحارث بن نضر الخثعمي و كان عدوا لعمرو بن العاص و بسر بن أرطاة(7/300)
أ في كل يوم فارس لك ينتهي و عورته وسط العجاحة باديه يكف لها عنه علي سنانه و يضحك منها في الخلاء معاوية شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 317بدت أمس من عمرو فقنع رأسه و عورة بسر مثلها حذو حاذيه فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا لنفسكما لا تلقيا الليث ثانيه و لا تحمدا إلا الحيا و خصاكما هما كانتا و الله للنفس واقيه و لولاهما لم تنجوا من سنانه و تلك بما فيها إلى العويه متى تلقيا الخيل المغيرة صبحة و فيها علي فاتركا الخيل ناحيه و كونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا نحوركما إن التجارب كافيو روى الواقدي قال قال معاوية يوما بعد استقرار الخلافة له لعمرو بن العاص يا أبا عبد الله لا أراك إلا و يغلبني الضحك قال بما ذا قال أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأزريت نفسك فرقا من شبا سنانه و كشفت سوأتك له فقال عمرو أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك و ربا لسانك في فمك و غصصت بريقك و ارتعدت فرائصك و بدا منك ما أكره ذكره لك فقال معاوية لم يكن هذا كله و كيف يكون و دوني عك و الأشعريون قال إنك لتعلم أن الذي وصفت دون ما أصابك و قد نزل ذلك بك و دونك عك و الأشعريون فكيف كانت حالك لو جمعكما مأقط الحرب فقال يا أبا عبد الله خض بنا الهزل إلى الجد إن الجبن و الفرار من علي لا عار على أحد فيهما(7/301)
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 318خبر إسلام عمرو بن العاصفأما القول في إسلام عمرو بن العاص فقد ذكره محمد بن إسحاق في كتاب المغازي قال حدثني زيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي عن حبيب بن أبي أوس قال حدثني عمرو بن العاص من فيه قال لما انصرفنا مع الأحزاب من الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأيي و يسمعون مني فقلت لهم و الله إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا و إني قد رأيت رأيا فما ترون فيه فقالوا ما رأيت فقلت أرى أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومه أقمنا عند النجاشي فأن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد فإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتنا منهم إلا خير قالوا إن هذا الرأي فقلت فاجمعوا ما نهدي له و كان أحب ما يأتيه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدما كثيرا ثم خرجنا حتى قدمنا عليه فو الله إنا لعنده إذ قدم عمرو بن أمية الضمري و كان رسول الله ص بعثه إليه في شأن جعفر بن أبي طالب و أصحابه. قال فدخل عليه ثم خرج من عنده فقلت لأصحابي هذا عمرو بن أمية لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد قال فدخلت عليه فسجدت له فقال مرحبا بصديقي شرح نهج البلاغة ج : ص : 319أهديت إلي من بلادك شيئا قلت نعم أيها الملك قد أهديت لك أدما كثيرا ثم قربته إليه فأعجبه و اشتهاه ثم قلت له أيها الملك إني قد رأيت رجلا خرج من عندك و هو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا و خيارنا. فغضب الملك ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك و الله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه فقال أ تسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله فقلت أيها الملك أ كذلك هو فقال إي و الله أطعني ويحك و اتبعه فإنه و(7/302)