لا وصمة إن قتل فإنا لكما قال دريد بن الصمة
فإنا للحم السيف غير مكره و نلحمه طورا و ليس بذي نكريغار علينا واترين فيشتفى بنا إن أصبنا أو نغير على وتر
فقال المغيرة بن شعبة أما و الله لقد أشرت على علي بالنصيحة فآثر رأيه و مضى على غلوائه فكانت العاقبة عليه لا له و إني لأحسب أن خلقه يقتدون بمنهجه. فقال ابن عباس كان و الله أمير المؤمنين ع أعلم بوجوه الرأي و معاقد الحزم و تصريف الأمور من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه و عنف عليه قال سبحانه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ و لقد وقفك على ذكر مبين و آية متلوة قوله تعالى وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 302عُداً و هل كان يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين و في ء المؤمنين من ليس بمأمون عنده و لا موثوق به في نفسه هيهات هيهات هو أعلم بفرض الله و سنة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلا للتقية و لات حين تقية مع وضوح الحق و ثبوت الجنان و كثرة الأنصار يمضي كالسيف المصلت ف أمر الله مؤثرا لطاعة ربه و التقوى على آراء أهل الدنيا. فقال يزيد بن معاوية يا ابن عباس إنك لتنطق بلسان طلق ينبئ عن مكنون قلب حرق فاطو ما أنت عليه كشحا فقد محا ضوء حقنا ظلمة باطلكم. فقال ابن عباس مهلا يزيد فو الله ما صفت القلوب لكم منذ تكدرت بالعداوة عليكم و لا دنت بالمحبة إليكم مذ نأت بالبغضاء عنكم لا رضيت اليوم منكم ما سخطت بالأمس من أفعالكم و إن تدل الأيام نستقض ما سد عنا و نسترجع ما ابتز منا كيلا بكيل و وزنا بوزن و إن تكن الأخرى فكفى بالله وليا لنا و وكيلا على المعتدين علينا. فقال معاوية إن في نفسي منكم لحزازات يا بني هاشم و إني لخليق أن أدرك فيكم الثأر و أنفي العار فإن دماءنا قبلكم و ظلامتنا فيكم. فقال ابن عباس و الله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسدا مخدرة و أفاعي(7/288)
مطرقة لا يفثؤها كثرة السلاح و لا يعضها نكاية الجراح يضعون أسيافهم على عواتقهم يضربون قدما قدما من ناوأهم يهون عليهم نباح الكلاب و عواء الذئاب شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 303لا يفاتون بوتر و لا يسبقون إلى كريم ذكر قد وطنوا على الموت أنفسهم و سمت بهم إلى العلياء هممهم كما قالت الأزديةقوم إذا شهدوا الهياج فلا ضرب ينهنههم و لا زجرو كأنهم آساد غينة قد غرثت و بل متونها القطر
فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك و كان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك و لو لا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم و بذلوا دونك مهجهم حتى إذا ذاقوا وخز الشفار و أيقنوا بحلول الدمار رفعوا المصاحف مستجيرين بها و عائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء تسفي عليك رياحها و يعتورك ذبابها. و ما أقول هذا أريد صرفك عن عزيمتك و لا إزالتك عن معقود نيتك لكن الرحم التي تعطف عليك و الأوامر التي توجب صرف النصيحة إليك. فقال معاوية لله درك يا ابن عباس ما تكشف الأيام منك إلا عن سيف صقيل و رأي أصيل و بالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم و لو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قد كثرهم. ثم نهض فقام ابن عباس و انصرف. و روى أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في أماليه أن عمرو بن العاص قال لعتبة بن أبي سفيان يوم الحكمين أ ما ترى ابن عباس قد فتح عينيه و نشر أذنيه و لو قدر أن يتكلم بهما فعل و إن غفلة أصحابه لمجبورة بفطنته و هي ساعتنا الطولى فاكفنيه. قال عتبة بجهدي. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 304قال فقمت فقعدت إلى جانبه فلما أخذ القوم في الكلام أقبلت عليه بالحديث فقرع يدي و قال ليست ساعة حديث قال فأظهرت غضبا و قلت يا ابن عباس إن ثقتك بأحلام أسرعت بك إلى أعراضنا و قد و الله تقدم من قبل العذر و كثر منا الصبر ثم أقذعته فجاش لي مرجله و ارتفعت أصواتنا فجاء القوم فأخذوا بأيدينا فنحوه عني و نحوني عنه فجئت فقربت من عمرو بن العاص فرماني بمؤخر عينيه و(7/289)
قال ما صنعت فقلت كفيتك التقوالة فحمحم كما يحمحم الفرس للشعير قال و فات ابن عباس أول الكلام فكره أن يتكلم في آخره. و قد ذكرنا نحن هذا الخبر فيما تقدم في أخبار صفين على وجه آخر غير هذا الوجه
عمارة بن الوليد و عمرو بن العاص في الحبشة
فأما خبر عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي أخي خالد بن الوليد مع عمرو بن العاص فقد ذكره ابن إسحاق في كتاب المغازي قال كان عمارة بن الوليد بن المغيرة و عمرو بن العاص بن وائل بعد مبعث رسول الله ص خرجا إلى أرض الحبشة على شركهما و كلاهما كان شاعرا عارما فاتكا. و كان عمارة بن الوليد رجلا جميلا وسيما تهواه النساء صاحب محادثة لهن فركبا البحر و مع عمرو بن العاص امرأته حتى إذا صاروا في البحر ليالي أصابا من خمر معهما فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص قبليني فقال لها عمرو قبلي ابن عمك فقبلته فهويها عمارة و جعل يراودها عن نفسها فامتنعت منه ثم إن عمرا جلس على منجاف شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 305السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر فلما وقع عمرو سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة فقال له عمارة أما و الله لو علمت أنك سابح ما طرحتك و لكنني كنت أظن أنك لا تحسن السباحة فضغن عو عليه في نفسه و علم أنه كان أراد قتله و مضيا على وجههما ذلك حتى قدما أرض الحبشة فلما نزلاها كتب عمرو إلى أبيه العاص بن وائل أن اخلعني و تبرأ من جريرتي إلى بني المغيرة و سائر بني مخزوم و خشي على أبيه أن يتبغ بجريرته فلما قدم الكتاب على العاص بن وائل مشى إلى رجال بني المغيرة و بني مخزوم فقال إن هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم و كلاهما فاتك صاحب شر غير مأمونين على أنفسهما و لا أدري ما يكون منهما و إني أبرأ إليكم من عمرو و جريرته فقد خلعته فقال عند ذلك بنو المغيرة و بنو مخزوم و أنت تخاف عمرا على عمارة و نحن فقد خلعنا عمارة و تبرأنا إليك من جريرته فحل بين الرجلين قال قد فعلت فخلعوهما و برئ كل قوم(7/290)
من صاحبهم و ما يجري منه. قال فلما اطمأنا بأرض الحبشة لم يلبث عمارة بن الوليد أن دب لامرأة النجاشي و كان جميلا صبيحا وسيما فأدخلته فاختلف إليها و جعل إذا رجع من مدخله ذلك يخبر عمرا بما كان من أمره فيقول عمرو لا أصدقك أنك قدرت على هذا إن شأن هذه المرأة أرفع من ذلك فلما أكثر عليه عمارة بما كان يخبره و كان عمرو قد علم صدقه و عرف أنه دخل عليها و رأى من حاله و هيئته و ما تصنع المرأة به إذا كان معها و بيتوتته عندها حتى يأتي إليه مع السحر ما عرف به ذلك و كانا في منزل واحد و لكنه كان يريد أن يأتيه بشي ء لا يستطاع دفعه إن هو رفع شأنه إلى النجاشي فقال له في بعض شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 306ما يتذاكران من أمرها إن كنت صادقا فقل لها فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره فإني أعرفه و ائتني بشي ء منه حتى أصدقك قال أفعل. فجاء في بعض ما يدخل إليها فسألها ذلك فدهنته منه و أعطته شيئا في قارورة فلما شمه عمرو عرفه ل أشهد أنك قد صدقت لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد من العرب مثله قط و نلت من امرأة الملك شيئا ما سمعنا بمثل هذا و كانوا أهل جاهلية و شبانا و ذلك في أنفسهم فضل لمن أصابه و قدر عليه. ثم سكت عنه حتى اطمأن و دخل على النجاشي فقال أيها الملك إن معي سفيها من سفهاء قريش و قد خشيت أن يعرني عندك أمره و أردت أن أعلمك بشأنه و ألا أرفع ذلك إليك حتى استثبت أنه قد دخل على بعض نسائك فأكثر و هذا دهنك قد أعطته و ادهن به. فلما شم النجاشي الدهن قال صدقت هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي فلما أثبت أمره دعا بعمارة و دعا نسوة أخر فجردوه من ثيابه ثم أمرهن أن ينفخن في إحليله ثم خلى سبيله. فخرج هاربا في الوحش فلم يزل في أرض الحبشة حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب فخرج إليه رجال من بني المغيرة منهم عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة و كان اسم عبد الله قبل أن يسلم بجيرا فلما أسلم سماه رسول الله ص عبد الله فرصدوه على(7/291)
ماء بأرض الحبشة كان يرده مع الوحش فزعموا أنه أقبل في حمر من حمر الوحش ليرد معها فلما وجد ريح الإنس هرب منه حتى إذا أجهده العطش ورد فشرب حتى تملأ و خرجوا في طلبه. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 307قال عبد الله بن أبي ربيعة فسبقت إليه فالتته فجعل يقول أرسلني أني أموت إن أمسكتني قال عبد الله فضبطته فمات في يدي مكانه فواروه ثم انصرفوا. و كان شعره فيما يزعمون قد غطى كل شي ء منه فقال عمرو بن العاص يذكر ما كان صنع به و ما أراد من امرأته تعلم عمار أن من شر سنة على المرء أن يدعى ابن عم له ابنماأ أن كنت ذا بردين أحوى مرجلا فلست براع لابن عمك محرماإذا المرء لم يترك طعاما يحبه و لم ينه قلبا غاويا حيث يمماقضى وطرا منه يسيرا و أصبحت إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
أمر عمرو بن العاص مع جعفر بن أبي طالب في الحبشة(7/292)