و روى المدائني قال بينا معاوية يوما جالسا عنده عمرو بن العاص إذ قال الآذن قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال عمرو و الله لأسوءنه اليوم فقال معاوية لا تفعل يا أبا عبد الله فإنك لا تنصف منه و لعلك أن تظهر لنا من منقبته ما هو خفي عنا و ما لا نحب أن نعلمه منه. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 296و غشيهم عبد الله بن جعفر فأدناه معاوية و قربه فمال عمرو إلى بعض جلساء معاوية فنال من علي ع جهارا غير ساتر له و ثلبه ثلبا قبيحا. فالتمع لون عبد الله بن جعفر و اعتراه أفكل حتى أرعدت خصائله ثم نزل عن السرير كالفنيق فقال عمرو مه يا أبا جعفر فقال له عبد الله مه لا أم لك ثم قال
أظن الحلم دل علي قومي و قد يستجهل الرجل الحليم(7/283)


ثم حسر عن ذراعيه و قال يا معاوية حتام نتجرع غيظك و إلى كم الصبر على مكروه قولك و سيئ أدبك و ذميم أخلاقك هبلتك الهبول أ ما يزجرك ذمام المجالسة عن القذع لجليسك إذا لم تكن لك حرمة من دينك تنهاك عما لا يجوز لك أما و الله لو عطفتك أواصر الأرحام أو حاميت على سهمك من الإسلام ما أرعيت بني الإماء المتك و العبيد الصك أعراض قومك. و ما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجفوة و إنك لتعرف وشائظ قريش و صبوة غرائزها فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطئك في سفك دماء المسلمين و محاربة أمير المؤمنين إلى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه فاقصد لمنهج الحق فقد طال عمهك عن سبيل الرشد و خبطك في بحور ظلمة الغي. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 297فإن أبيت إلا تتابعنا في قبح اختيارك لنفسك فأعفنا من سوء القالة فينا إذا ضمنا و إياك الندي و شأنك و ما تريد إذا خلوت و الله حسيبك فو الله لو لا ما جعل الله لنا في يديك لما أتيناك. ثم قال إنك إن كلفتني ما لم أطق ساءك ما سرك مني من خلق. فقال معاوية يا أبا جعفر أقسمت عليك لتجلسن لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره محمول لك ما قلت و لك عندنا ما أملت فلو لم يكن محمدك و منصبك لكان خلقك و خلقك شافعين لك إلينا و أنت ابن ذي الجناحين و سيد بني هاشم. فقال عبد الله كلا بل سيد بني هاشم حسن و حسين لا ينازعهما في ذلك أحد. فقال أبا جعفر أقسمت عليك لما ذكرت حاجة لك إلا قضيتها كائنة ما كانت و لو ذهبت بجميع ما أملك فقال أما في هذا المجلس فلا ثم انصرف. فأتبعه معاوية بصره و قال و الله لكأنه رسول الله ص مشيه و خلقه و خلقه و إنه لمن مشكاته و لوددت أنه أخي بنفيس ما أملك. ثم التفت إلى عمرو فقال أبا عبد الله ما تراه منعه من الكلام معك قال ما لا خفاء به عنك قال أظنك تقول إنه هاب جوابك لا و الله و لكنه ازدراك و استحقرك و لم يرك للكلام أهلا أ ما رأيت إقباله علي دونك ذاهبا بنفسه عنك. فقال عمرو فهل لك أن(7/284)


تسمع ما أعددته لجوابه قال معاوية اذهب إليك أبا عبد الله فلاة حين جواب سائر اليوم. و نهض معاوية و تفرق الناس
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 298عبد الله بن العباس و رجالات قريش في مجلس معاوية
و روى المدائني أيضا قال وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرة فقال معاوية لابنه يزيد و لزياد ابن سمية و عتبة بن أبي سفيان و مروان بن الحكم و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و سعيد بن العاص و عبد الرحمن ابن أم الحكم إنه قد طال العهد بعبد الله بن عباس و ما كان شجر بيننا و بينه و بين ابن عمه و لقد كان نصبه للتحكيم فدفع عنه فحركوه على الكلام لنبلغ حقيقة صفته و نقف على كنه معرفته و نعرف ما صرف عنا من شبا حده و زوي عنا من دهاء رأيه فربما وصف المرء بغير ما هو فيه و أعطي من النعت و الاسم ما لا يستحقه. ثم أرسل إلى عبد الله بن عباس فلما دخل و استقر به المجلس ابتدأه ابن أبي سفيان فقال يا ابن عباس ما منع عليا أن يوجه بك حكما فقال أما و الله لو فعل لقرن عمرا بصعبة من الإبل يوجع كفه مراسها و لأذهلت عقله و أجرضته بريقه و قدحت في سويداء قلبه فلم يبرم أمرا و لم ينفض ترابا إلا كنت منه بمرأى و مسمع فإن أنكأه أدميت قواه و إن أدمه فصمت عراه بغرب مقول لا يقل حده و أصالة رأي كمتاح الأجل لا وزر منه أصدع به أديمه و أفل به شبا حده و أشحذ به عزائم المتقين و أزيح به شبه الشاكين. فقال عمرو بن العاص هذا و الله يا أمير المؤمنين نجوم أول الشر و أفول آخر الخير و في حسمه قطع مادته فبادره بالحملة و انتهز منه الفرصة و اردع بالتنكيل به غيره و شرد به من خلفه. فقال ابن عباس يا ابن النابغة ضل و الله عقلك و سفه حلمك و نطق الشيطان على لسانك هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت نزال و تكافح الأبطال شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 299و كثرت الجراح و تقصفت الرماح و برزت إلى أمير المؤمنين مصلولا فانكفأ نحوك بالسيف حاملا فلما رأيت الكواشر من(7/285)


الموت أعددت حيلة السلامة قبل لقائه و الانكفاء عنه بعد إجابة دعائه فمنحته رجاء النجاة عورتك و كشفت له خوف بأسه سوأتك حذرا أن يصطلمك بسطوته و يلتهمك بحملته ثم أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته و حسنت له التعرض لمكافحته رجاء أن تكتفي مئونته و تعدم صورته فعلم غل صدرك و ما انحنت عليه من النفاق أضلعك و عرف مقر سهمك في غرضك. فاكفف غرب لسانك و اقمع عوراء لفظك فإنك لمن أسد خادر و بحر زاخر إن تبرزت للأسد افترسك و إن عمت في البحر قمسك. فقال مروان بن الحكم يا ابن عباس إنك لتصرف أنيابك و توري نارك كأنك ترجو الغلبة و تؤمل العافية و لو لا حلم أمير المؤمنين عنكم لتناولكم بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره و لعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه منكم و لئن عفا عن جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك. فقال ابن عباس و إنك لتقول ذلك يا عدو الله و طريد رسول الله و المباح دمه و الداخل بين عثمان و رعيته بما حملهم على قطع أوداجه و ركوب أثباجه أما و الله لو طلب معاوية ثأره لأخذك به و لو نظر في أمر عثمان لوجدك أوله و آخره. و أما قولك لي إنك لتصرف أنيابك و توري نارك فسل معاوية و عمرا يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلات و استخفافنا بالمعضلات و صدق جلادنا عند المصاولة و صبرنا(7/286)


شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 300على اللأواء و المطاولة و مصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة و مباشرتنا بنحورنا حد الأسنة هل خمنا عن كرائم تلك المواقف أم لم نبذل مهجنا للمتالف و ليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود و لا يوم مشهود و لا أثر معدود و إنهما شهدا ما لو شهدلأقلقك فأربع على ظلعك و لا تتعرض لما ليس لك فإنك كالمغروز في صفد لا يهبط برجل و لا يرقى بيد. فقال زياد يا ابن عباس إني لأعلم ما منع حسنا و حسينا من الوفود معك على أمير المؤمنين إلا ما سولت لهما أنفسهما و غرهما به من هو عند البأساء سلمهما و ايم الله لو وليتهما لأدأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما و لقل بمكانهما لبثهما. فقال ابن عباس إذن و الله يقصر دونهما باعك و يضيق بهما ذراعك و لو رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا صبرا على البلاء لا يخيمون عن اللقاء فلعركوك بكلاكلهم و وطئوك بمناسمهم و أوجروك مشق رماحهم و شفار سيوفهم و و خز أسنتهم حتى تشهد بسوء ما أتيت و تتبين ضياع الحزم فيما جنيت فحذار حذار من سوء النية فتكافأ برد الأمنية و تكون سببا لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما و سعيا في اختلافهما بعد ائتلافهما حيث لا يضرهما إبساسك و لا يغني عنهما إيناسك. فقال عبد الرحمن ابن أم الحكم لله در ابن ملجم فقد بلغ الأمل و أمن الوجل و أحد الشفرة و الآن المهرة و أدرك الثأر و نفى العار و فاز بالمنزلة العليا و رقي الدرجة القصوى. فقال ابن عباس أما و الله لقد كرع كأس حتفه بيده و عجل الله إلى النار بروحه شرح نهج البلاغة ج : 6 ص :01و لو أبدى لأمير المؤمنين صفحته لخالطه الفحل القطم و السيف الخذم و لألعقه صابا و سقاه سما و ألحقه بالوليد و عتبة و حنظلة فكلهم كان أشد منه شكيمة و أمضى عزيمة ففرى بالسيف هامهم و رملهم بدمائهم و قرى الذئاب أشلاءهم و فرق بينهم و بين أحبائهم أولئك حصب جهنم هم لها واردون و هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا و لا غرو إن ختل و(7/287)

23 / 149
ع
En
A+
A-