و الجماح الشرة و ارتكاب الهوى و سنن مراحه السنن الطريقة و المراح شدة الفرج و النشاط. قوله فظل سادرا السادر هاهنا غير السادر الأول لأنه هاهنا المغمى عليه كأنه شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 272سكران و أصله من سدر البعير من شدة الحر و كثرة الطلاء بالقطران فيكون كالنائم لا يحس و مراده ع هاهنا أنه بدأ به المرض و لادمة للصدر ضاربة له و التدام النساء ضربهن الصدور عند النياحة سكرة ملهثة تجعل الإنسان لاهثا لشدتها لهث يلهث لهثانا و لهاثا و يروى ملهية بالياء أي تلهي الإنسان و تشغله. و الكارثة فاعلة من كرثه الغم يكرثه بالضم أي اشتد عليه و بلغ منه غاية المشقة. الجذبة جذب الملك الروح من الجسد أو جذب الإنسان إذا احتضر ليسجى. و السوقة من سياق الروح عند الموت و المبلس الذي ييئس من رحمة الله و منه سمي إبليس و الإبلاس أيضا الانكسار و الحزن و السلس السهل المقادة و الأعواد خشب الجنازة و رجيع وصب الرجيع المعنى الكال و الوصب الوجع وصب الرجل يوصب فهو واصب و أوصبه الله فهو موصب و الموصب بالتشديد الكثير الأوجاع و النضو الهزيل و حشدة الإخوان جمع حاشد و هو المتأهب المستعد و دار غربته قبره و كذلك منقطع زورته لأن الزيارة تنقطع عنده. و مفرد وحشته نحو ذلك لانفراده بعمله و استيحاش الناس منه حتى إذا انصرف المشيع و هو الخارج مع جنازته أقعد في حفرته هذا تصريح بعذاب القبر و سنذكر ما يصلح ذكره في هذا الموضع. و النجي المناجي و نزول الحميم و تصلية الجحيم من الألفاظ الشريفة القرآنية. ثم نفى ع أن يكون في العذاب فتور يجد الإنسان معه راحة أو سكون يزيح عنه الألم أي يزيله أو أن الإنسان يجد في نفسه قوة تحجز بينه و بين الألم أي تمنع و يموت موتا ناجزا معجلا فيستريح أو ينام فيسلو وقت نومه عما أصابه من الألم في اليقظة كما في دار الدنيا. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 273ثم قال بين أطوار الموتات و هذا في ظاهره متناقض لأنه نفى الموت(7/238)


مطلقا ثم قال بين أطوار الموتات و الجواب أنه أراد بالموتات الآلام العظيمة فسماها موتات لأن العرب تسمي المشقة العظيمة موتا كما قال
إنما الميت ميت الأحياء
و يقولون الفقر الموت الأحمر و استعمالهم مثل ذلك كثير جدا. ثم قال إنا بالله عائذون عذت بفلان و استعذت به أي التجأت إليه
فصل في ذكر القبر و سؤال منكر و نكير
و اعلم أن لقاضي القضاة في كتاب طبقات المعتزلة في باب القبر و سؤال منكر و نكير كلاما أنا أورد هاهنا بعضه قال رحمه الله تعالى إن عذاب القبر إنما أنكره ضرار بن عمرو و لما كان ضرار من أصحاب واصل بن عطاء ظن كثير من الناس أن ذلك مما أنكرته المعتزلة و ليس الأمر كذلك بل المعتزلة رجلان أحدهما يجوز عذاب القبر و لا يقطع به و هم الأقلون و الآخر يقطع على ذلك و هم أكثر أصحابنا لظهور الأخبار الواردة فيه و إنما تنكر المعتزلة قول طائفة من الجهلة إنهم يعذبون و هم موتى لأن العقل يمنع من ذلك و إذا كان الإنسان مع قرب العهد بموته و لما يدفن يعلمون أنه لا يسمع و لا يبصر و لا يدرك و لا يألم و لا يلتذ فكيف يجوز عليه ذلك و هو ميت في قبره و ما روي من أن الموتى يسمعون لا يصح إلا أن يراد به أن الله تعالى أحياهم و قوى حاسة سمعهم فسمعوا و هم أحياء. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 274قال رحمه الله تعالى و أنكر أيضا مشايخنا أن يكون عذاب القبر دائما في كل حال لأن الأخبار إنما وردت بذلك في الجملة فالذي يقال به هو قدر ما تقتضيه الأخبار دون ما زاد عليه مما لا دليل عليه و لذلك لسنا نوقت في التعذيب وقتا و إن كان الأقرب في الأخبار أنها الأوقات المقارنة للدفن و إن كان لا نعنيها بأعيانها. هكذا قال قاضي القضاة و الذي أعرفه أنا من مذهب كثير من شيوخنا قبل قاضي القضاة أن الأغلب أن يكون عذاب القبر بين النفختين. ثم إن قاضي القضاة سأل نفسه فقال إذا كانت الآخرة هي وقت المجازاة فكيف يعذب في القبر في أيام الدنيا. و أجاب بأن(7/239)


القليل من العقاب المستحق قد يجوز أن يجعله الله في الدنيا لبعض المصالح كما فعل في تعجيل إقامة الحدود على من يستحقها فلا يمنع منه تعالى أن يفعل ذلك بالإنسان إذا كان من أهل النار. ثم سأل نفسه فقال إذا كان بالموت قد زال عنه التكليف فكيف يقولون يكون ذلك من مصالحه. و أجاب بأنا لم نقل إن ذلك من مصالحه و هو ميت و إنما نقول إنه مصلحة أن نعلم في الدنيا ذلك من حال الموتى لأنه إذا تصور أنه مات عوجل بضرب من العقاب في القبر كان أقرب إلى أن ينصرف عن كثير من المعاصي و قد يجوز أن يكون ذلك لطفا للملائكة الذين يتولون هذا التعذيب. فأما القول في منكر و نكير فإنه سأل نفسه رحمه الله تعالى و قال كيف يجوز أن يسموا بأسماء الذم و عندكم أن الملائكة أفضل من الأنبياء. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 275و أجاب فقال إن التسمية إذا كانت لقبا لم يقع بها ذم لأن الذم إنما يقع لفائدة الاسم و الألقاب كالإشارات لا فائدة تحتها و لذا يلقب الرجل المسلم بظالم و كلب و نحو ذلك فيجوز أن يكون هذان الاسمان من باب الألقاب و يجوز أن يسميا بذلك من حيث يهجمان على الإنسان عند إكمال الله تعالى عقله على وجه ينكره و يرتاع منه فسميا منكرا و نكيرا. قال و قد روي في المساءلة في القبر أخبار كثيرة و كل ذلك مما لا قبح فيه بل يجوز أن يكون من مصالح المكلفين فلا يصح المنع عنه. و جملة الأمر أن كل ما ثبت من ذلك بالتواتر و الإجماع و ليس بمستحيل في القدرة و لا قبيح في الحكمة يجب القول به و ما عداه مما وردت به آثار و أخبار آحاد يجب أن يجوز و يقال إنه مظنون ليس بمعلوم إذا لم يمنع منه الدليل(7/240)


عِبَادَ اللَّهِ أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَ عُلِّمُوا فَفَهِمُوا وَ أُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَ سُلِّمُوا فَنَسُوا أُمْهِلُوا طَوِيلًا وَ مُنِحُوا جَمِيلًا وَ حُذِّرُوا أَلِيماً وَ وُعِدُوا جَسِيماً احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ وَ الْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْعَافِيَةِ وَ الْمَتَاعِ هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلَاصٍ أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلَاذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ وَ إِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَ الْعَرْضِ قِيدُ قَدِّهِ مُنْعَفِراً عَلَى خَدِّهِ الآْنَ عِبَادَ اللَّهِ وَ الْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَ الرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ الْإِرْشَادِ وَ رَاحَةِ شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 276الْأَجْسَادِ وَ بَاحَةِ الِاحْتِشَادِ وَ مَهَلِ الْبَقِيَّةِ وَ أَنْفِ الْمَشِيَّةِ وَ إِنْظَارَ التَّوْبَةِ وَ انْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَ الْمَضِيقِ وَ الرَّوْعِ وَ الزُّهُوقِ وَ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ وَ أَخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ
قال الرضي رحمه الله و في الخبر أنه ع لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود و بكت العيون و رجفت القلوب و من الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء
نعم الرجل ينعم ضد قولك بئس و جاء شاذا نعم ينعم بالكسر و أنظروا أمهلوا و الذنوب المورطة التي تلقي أصحابها في الورطة و هي الهلاك قال رؤبة
فأصبحوا في ورطة الأوراط(7/241)


و أصله أرض مطمئنة لا طريق فيها و قد أورطت زيدا و ورطته توريطا فتورط ثم قال ع أولي الأبصار و الأسماع ناداهم نداء ثانيا بعد النداء الذي في أول الفصل و هو قوله عباد الله فقال يا من منحهم الله أبصارا و أسماعا و أعطاهم عافية و متعهم متاعا هل من مناص و هو الملجأ و المفر يقال ناص عن قرنه مناصا أي فر و راوغ قال سبحانه وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 277و المحار المرجع من حار يحور أي رجع قال تعالى إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. و يؤفكون يقلبون أفكه يأفكه عن كذا قلبه عنه إلى غيره و مثله يصرفون. و قيد قده مقدار قده يقال قرب منه قيد رمح و قاد رمح و المراد هاهنا هو القبر لأنه بمقدار قامة الإنسان. و المنعفر الذي قد لامس العفر و هو التراب. ثم قال ع الآن و الخناق مهمل تقديره اعملوا الآن و أنتم مخلون متمكنون لم يعقد الحبل في أعناقكم و لم تقبض أرواحكم. و الروح يذكر و يؤنث و الفينة الوقت و يروى و فينة الارتياد و هو الطلب. و أنف المشية أول أوقات الإرادة و الاختيار. قوله و انفساح الحوبة أي سعة وقت الحاجة و الحوبة الحاجة و الأرب قال الفرزدق
فهب لي خنيسا و اتخذ فيه منة لحوبة أم ما يسوغ شرابها
و الغائب المنتظر هو الموت. قال شيخنا أبو عثمان رحمه الله تعالى حدثني ثمامة قال سمعت جعفر بن يحيى و كان من أبلغ الناس و أفصحهم يقول الكتابة ضم اللفظة إلى أختها أ لم تسمعوا قول شاعر لشاعر و قد تفاخرا أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه و أنت تقول البيت و ابن عمه ثم قال و ناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب ع هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 278
قال أبو عثمان و كان جعفر يعجب أيضا بقول علي ع أين من جد و اجتهد و جمع و احتشد و بنى فشيد و فرش فمهد و زخرف فنجد(7/242)

14 / 149
ع
En
A+
A-