بمانع من إيقاعه على هذا الوجه لأن المراد من هذا و أمثاله هو التخويف و الزجر. و أما قولهم الآخرة ليست دار تكليف فلقائل أن يقول لهم لم قلتم إنه تكليف و لم لا يجوز أن يكون المكلفون مضطرين إلى سلوكه اضطرارا فالمؤمن يخلق الله فيه الثبات و السكينة و الحركة السريعة فينجو و يسلم و الكافر يخلق فيه ضد ذلك فيهوي و يعطب و لا مانع من ذلك. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 266يقال مكان دحض و دحض بالتحريك أي زلق و أدحضته أنا أزلقته فدحض هو. و الأهاويل الأمور المفزعة تارات أهواله كقوله دفعات أهواله و إنما جعل أهواله تارات لأن الأمور الهائلة إذا استمرت لم تكن في الإزعاج و الترويع كما تكون إذا طرأت تارة و سكنت تارة. و انصب الخوف بدنه أتعب و النصب التعب و التهجد هنا صلاة الليل و أصله السهر و قد جاء التهجد بمعنى النوم أيضا و هو من الأضداد. الغرار قلة النوم و أصله قلة لبن الناقة و يقال غارت الناقة تغار غرارا قل لبنها. فإن قلت كيف توصف قلة النوم بالسهر و إنما يوصف بالسهر الإنسان نفسه قلت هذا من مجازات كلامهم كقولهم ليل ساهر و ليل نائم. و الهواجر جمع هاجرة و هي نصف النهار عند اشتداد الحر يقال قد هجر النهار و أتينا أهلنا مهجرين أي سائرين في الهاجرة. و ظلف منع و ظلفت نفس فلان بالكسر عن كذا أي كفت. و أوجف أسرع كأنه جعل الذكر لشدة تحريكه اللسان موجفا به كما توجف الناقة براكبها و الوجيف ضرب من السير. ثم قال و قدم الخوف لأمانه اللام هاهنا لام التعليل أي قدم خوفه ليأمن و المخالج الأمور المختلجة أي الجاذبة خلجه و اختلجه أي جذبه. و أقصد المسالك أقومها و طريق قاصد أي مستقيم. و فتله عن كذا أي رده و صرفه و هو قلب لفت. و يروى قد عبر معبر العاجلة حميدا و قدم زاد الآجلة سعيدا. شرح نهج البلاغج : 6 ص : 267و أكمش أسرع و مثله انكمش و رجل كمش أي سريع و قد كمش بالضم كماشة فهو كمش و كميش و كمشته تكميشا أعجلته. قوله و رغب في(7/233)
طلب و ذهب عن هرب أي و رغب فيما يطلب مثله و فر عما يهرب من مثله فأقام المصدر مقام ذي المصدر. و نظر قدما أمامه أي و نظر ما بين يديه مقدما لم ينثن و لم يعرج و الدال مضمومة هاهنا. قال الشاعر يذم امرأة
تمضي إذا زجرت عن سوأة قدما كأنها هدم في الجفر منقاض
و من رواه بالتسكين جاز أن يعنى به هذا و يكون قد خفف كما قالوا حلم و حلم. و جاز أن يجعله مصدرا من قدم الرجل بالفتح يقدم قدما أي تقدم قال الله تعالى يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي يتقدمهم إلى ورودها كأنه قال و نظر بين يديه متقدما لغيره و سابقا إياه إلى ذلك و الباء في بالجنة و بالنار و بالله و بالكتاب زائدة و التقدير كفى الله و كفى الكتاب شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 26أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ احْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي الآْذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى وَ وَعَدَ فَمَنَّى وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَ اسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَ اسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ
أعذر بما أنذر ما هاهنا مصدرية أي أعذر بإنذاره و يجوز أن تكون بمعنى الذي. و العدو المذكور الشيطان. و قوله نفذ في الصدور و نفث في الآذان كلام صحيح بديع و في قوله نفذ في الصدور مناسبة
لقوله ص الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم
و النجي الذي يساره و الجمع الأنجية قال
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه(7/234)
و قد يكون النجي جماعة مثل الصديق قال الله تعالى خَلَصُوا نَجِيًّا أي متناجين. القرينة هاهنا الإنسان الذي قارنه الشيطان و لفظه لفظ التأنيث و هو مذكر أراد القرين قال تعالى فَبِئْسَ الْقَرِينُ و يجوز أن يكون أراد بالقرينة النفس و يكون شرح نهج البلاغة ج : 6 : 269الضمير عائدا إلى غير مذكور لفظا لما دل المعنى عليه لأن قوله فأضل و أردى و وعد فمنى معناه أضل الإنسان و أردى و وعده فمنى فالمفعول محذوف لفظا و إليه رجع الضمير على هذا الوجه و يقال غلق الرهن إذا لم يفتكه الراهن في الوقت المشروط فاستحقه المرتهن. و هذا الكلام مأخوذ من قوله تعالى وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ الآية(7/235)
وَ مِنْهَا فِي صِفَةِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَ شُغُفِ الْأَسْتَارِ نُطْفَةً دِهَاقاً وَ عَلَقَةً مِحَاقاً وَ جَنِيناً وَ رَاضِعاً وَ وَلِيداً وَ يَافِعاً ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَ لِسَاناً لَافِظاً وَ بَصَراً لَاحِظاً لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَ يُقَصِّرَ مُزْدَجِراً حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَ اسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَ خَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ ثُمَّ لَا يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً وَ لَا يَخْشَعُ تَقِيَّةً فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً وَ عَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً لَمْ يُفِدْ عِوَضاً وَ لَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ فَظَلَّ سَادِراً وَ بَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الآْلَامِ وَ طَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَ الْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَ وَالِدٍ شَفِيقٍ لا و تاركا لما وعظهم به بل أتلو عليكم نبأ هذا الإنسان الذي حاله كذا. الشغف بالغين المعجمة جمع شغاف بفتح الشين و أصله غلاف القلب يقال شغفه الحب أي بلغ شغافه و قرئ قَدْ شَغَفَها حُبًّا. و الدهاق المملوءة و يروى دفاقا من دفقت الماء أي صببته. قال و علقة محاقا المحاق ثلاث ليال من آخر الشهر و سميت محاقا لأن القمر يمتحق فيهن أي يخفى و تبطل صورته و إنما جعل العلقة محاقا هاهنا لأنها لم تحصل لها الصورة الإنسانية بعد فكانت ممحوة ممحوة ممحوقة. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 271و اليافع الغلام المرتفع أيفع و هو يافع و هذا من النوادر و غلام يفع و يفعة و غلمان أيفاع و يفعة أيضا. قوله و خبط سادرا خبط البعير إذا ضرب بيديه إلى الأرض و مشى لا يتوقى شيئا. و السادر المتحير و السادر أيضا الذي لا يهتم و لا(7/236)
يبالي ما صنع و الموضع يحتمل كلا التفسيرين. و الماتح الذي يستقي الماء من البئر و هو على رأسها و المائح الذي نزل البئر إذا قل ماؤها فيملأ الدلاء و سئل بعض أئمة اللغة عن الفرق بين الماتح و المائح فقال اعتبر نقطتي الإعجام فالأعلى للأعلى و الأدنى للأدنى و الغرب الدلو العظيمة و الكدح شدة السعي و الحركة قال تعالى يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً. قوله و بدوات أي ما يخطر له من آرائه التي تختلف فيها دواعيه فتقدم و تحجم و مات غريرا أي شابا و يمكن أن يراد به أنه غير مجرب للأمور. و الهفوة الزلة هفا يهفو لم يفد عوضا أي لم يكتسب. و غبر جماحة بقاياه قال أبو كبير الهذلي
و مبرإ من كل غبر حيضة و فساد مرضعة و داء مغيل(7/237)