تعالى وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ و قال تعالى فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ و تقدير الكلام خلف لكم عبرا من القرون السالفة منها تمتعهم بنصيبهم من الدنيا ثم فناؤهم و منها فسحة خناقهم و طول إمهالهم ثم كانت عاقبتهم الهلكة. و أرهقتهم المنايا أدركتهم مسرعة.
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 260و المرهق الذي أدرك ليقتل و شذبهم عنها قطعهم و فرقهم من تشذيب الشجرة و هو تقشيرها. و تخرمت زيدا المنية استأصلته و اقتطعته. ثم قال لم يمهدوا في سلامة الأبدان أي لم يمهدوا لأنفسهم من تمهيد الأمور و هو تسويتها و إصلاحها. و أنف اوان أوله يقال روضة أنف لم ترع قبل و كأس أنف لم يشرب بها قبل
فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ وَ أَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلَّا نَوَازِلَ السَّقَمِ وَ أَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلَّا آوِنَةَ الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ وَ أُزُوفِ الِانْتِقَالِ وَ عَلَزِ الْقَلَقِ وَ أَلَمِ الْمَضَضِ وَ غُصَصِ الْجَرَضِ وَ تَلَفُّتِ الِاسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَ الْأَقْرِبَاءِ وَ الْأَعِزَّةِ وَ الْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ وَ قَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَ فِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ وَ أَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ وَ عَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ وَ مَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَ صَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا وَ الْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا وَ الْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لَا تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَ لَا تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا(7/228)
شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 261البضاضة مصدر من بضضت يا رجل بضضت بالفتح و الكسر بضاضة و بضوضة و رجل بض أي ممتلئ البدن رقيق الجلد و امرأة بضة. و حواني الهرم جمع حانية و هي العلة التي تحني شطاط الجسد و تميله عن الاستقامة. و الهرم الكبر و الغضارة طيب العيش و ه المثل أباد الله غضراءهم أي خيرهم و خصبهم. و آونة الفناء جمع أوان و هو الحين كزمان و أزمنة و فلان يصنع ذلك الأمر آونة كقولك تارات أي يصنعه مرارا و يدعه مرارا. و الزيال مصدر زايله مزايلة و زيالا أي فارقه. و الأزوف مصدر أزف أي دنا. و العلز قلق و خفة و هلع يصيب الإنسان و قد علز بالكسر و بات علزا أي وجعا قلقا و المضض الوجع أمضني الجرح و مضني لغتان و قد مضضت يا رجل بالكسر. و الغصص جمع غصة و هي الشجا و الغصص بالفتح مصدر قولك غصصت يا رجل تغص بالطعام فأنت غاص و غصان و أغصصته أنا. و الجريض الريق يغص به جرض بريقه بالفتح يجرض بالكسر مثل كسر يكسر و هو أن يبلع ريقه على هم و حزن بالجهد و الجريض الغصة و في المثل حال شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 262الجريض دون القريض و فلان يجرض بنفسه إذا كان يموت و أجرضه الله بريقه أغصه. و الحفدة الأعوان و الخدم و قيل ولد الولد واحدهم حافد الباء في بنصرة الحفدة متعلق بالاستعانة يقول إن الميت عند نزول الأمر به يتلفت مستغيثا بنصرة أهله و ولده أي يستنصر يستصرخ بهم. و النواحب جمع ناحبة و هي الرافعة صوتها بالبكاء و يروى النوادب. و الهوام جمع هامة و هي ما يخاف ضرره من الأحناش كالعقارب و العناكب و نحوها و النواهك جمع ناهكة و هي ما ينهك البدن أي يبليه. و عفت درست و يروى بالتشديد و شحبة هالكة و الشحب الهلاك شحب الرجل بالكسر يشحب و جاء شحب بالفتح يشحب بالضم أي هلك و شحبة الله يشحبه يتعدى و لا يتعدى. و نخرة بالية و الأعباء الأثقال واحدها عب ء. و قال مونة بغيب أنبائها لأن الميت يعلم بعد موته ما يصير إليه حاله من جنة أو(7/229)
نار. ثم قال إنها لا تكلف بعد ذلك زيادة في العمل الصالح و لا يطلب منها التوبة من العمل القبيح لأن التكليف قد بطل
أَ وَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَ الآْبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ الْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَ تَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لَاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 263الِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَ كَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا
القدة بالدال المهملة و بكسر القاف الطريقة و يقال لكل فرقة من الناس إذا كانت ذات هوى على حدة قدة و منه قوله تعالى كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً و من رواه و يركبون قذتهم بالذال المعجمة و ضم القاف أراد الواحدة من قذذ السهم و هي ريشة يقال حذو القذة بالقذة و يكون معنى و تركبون قذتهم تقتفون آثارهم و تشابهون بهم في أفعالهم. ثم قال و تطئون جادتهم و هذه لفظة فصيحة جدا. ثم ذكر قساوة القلوب و ضلالها عن رشدها و قال كأن المعني سواها
هذا مثل قول النبي ص كأن الموت فيها على غيرنا كتب و كأن الحق فيها على غيرنا وجب(7/230)
وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَ مَزَالِقِ دَحْضِهِ وَ أَهَاوِيلِ زَلَلِهِ وَ تَارَاتِ أَهْوَالِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ وَ أَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ وَ أَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ وَ أَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ وَ ظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 264وَ أَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ وَ قَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ وَ تَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ وَ سَلَكَ أَقْصَدالْمَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلَاتُ الْغُرُورِ وَ لَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى وَ رَاحَةِ النُّعْمَى فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَ آمَنِ يَوْمِهِ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَ قَدَّمَ زَادَ الآْجِلَةِ سَعِيداً وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ أَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَ رَغِبَ فِي طَلَبٍ وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَ رَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ وَ رُبَّمَا نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَ نَوَالًا وَ كَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالًا وَ كَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِيراً وَ كَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَ خَصِيماً(7/231)
و قال أصحابنا رحمهم الله تعالى الصراط الوارد ذكره في الكتاب العزيز هو الطريق لأهل الجنة إلى الجنة و لأهل النار إلى النار بعد المحاسبة قالوا لأن أهل الجنة ممرهم على باب النار فمن كان من أهل النار عدل به إليها و قذف فيها و من كان من أهل الجنة مر بالنار مرورا نجا منها إلى الجنة و هو معنى قوله تعالى وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها لأن ورودها هو القرب منها و الدنو إليها و قد دل القرآن على سور مضروب بين مكان النار و بين الموضع الذي يجتازون منه إلى الجنة في قوله فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ. شرح نهج البلاغة ج : 6 ص : 265قالوا و لا يصح ما روي في بعض الأخبار أن الصراط أدق من الشعر و أحد من السيف و أن المؤمن يقطعه كمرور البرق الخاطف و الكافر يمشي عليه حبوا و أنه ينتفض بالذين عليه حتى تتزايل مفاهم قالوا لأن مثل ذلك لا يكون طريقا للماشي و لا يتمكن من المشي عليه و لو أمكن لم يصح التكليف في الآخرة ليؤمر العقلاء بالمرور عليه على وجه التعبد. ثم سأل أصحابنا أنفسهم فقالوا أي فائدة في عمل هذا السور و أي فائدة في كون الطريق الذي هو الصراط منتهيا إلى باب النار منفرجا منها إلى الجنة أ لستم تعللون أفعال البارئ تعالى بالمصالح و الآخرة ليست دار تكليف ليفعل فيها هذه الأفعال للمصالح. و أجابوا بأن شعور المكلفين في الدنيا بهذه الأشياء مصالح لهم و ألطاف في الواجبات العقلية فإذا أعلم المكلفون بها وجب إيقاعها على حسب ما وعدوا و أخبروا به لأن الله صادق لا خلف في إخباره. و عندي أنه لا يمتنع أن يكون الصراط على ما وردت به الأخبار و لا مانع من ذلك قولهم لا يكون طريقا للماشي و لا يتمكن من المشي عليه مسلم و لكن لم لا يجوز أن يكون في جعله على هذا الوجه و الإخبار عن كيفيته هذه مصلحة للمكلفين في الدنيا و ليس عدم تمكن الإنسان من المشي عليه(7/232)