كان الذي يأتي السري لحاجة أباح إليه بالذي جاء يطلب إذا ما ابن عبد الله خلى مكانه فقد حلقت بالجود عنقاء مغرب شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 48و قال دريد بن الصمفإن يك عبد الله خلى مكانه فما كان وقافا و لا طائش اليد
و كثير ممن لا يفهم يعتقد أنه أراد بقوله خلى مكانه فر و لو كان كذلك لكان هجاء. و يقولون وقع في حياض غتيم و هو اسم للموت. و يقولون طار من ماله الثمين يريدون الثمن يقال ثمن و ثمين و سبع و سبيع و ذلك لأن الميت ترث زوجته من ماله الثمن غالبا قال الشاعر يذكر جوده بماله و يخاطب امرأته
فلا و أبيك لا أولى عليها لتمنع طالبا منها اليمين فإني لست منك و لست مني إذا ما طار من مالي الثمينأي إذا مت فأخذت ثمنك من تركتي. و قالوا لحق باللطيف الخبير قال
و من الناس من يحبك حبا ظاهر الود ليس بالتقصيرفإذا ما سألته ربع فلس ألحق الود باللطيف الخبير
و قال أبو العلاء
لا تسل عن عداك أين استقروا لحق القوم باللطيف الخبير
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 49و يقولون قرض رباطه أي كاد يموت جهدا و عطشا. و قالوا في الدعاء عليه لا عد من نفره أي إذا عد قومه فلا عد معهم و إنما يكون كذلك إذا مات قال إمرؤ القيسفهو لا تنمي رميته ما له لا عد من نفره
و هذا إنما يريد به وصفه و التعجب منه لا أنه يدعو عليه حقيقة كما تقول لمن يجيد الطعن شلت يده ما أحذقه. و قالوا في الكناية عن الدفن أضلوه و أضلوا به قال الله تعالى وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي إذا دفنا في الأرض. و قال المخبل السعدي
أضلت بنو قيس بن سعد عميدها و سيدها في الدهر قيس بن عاصم
و يقولون للمقتول ركب الأشقر كناية عن الدم و إليه أشار الحارث بن هشام المخزومي في شعره الذي يعتذر به عن فراره يوم بدر عن أخيه أبي جهل بن هشام حين قتل
الله يعلم ما تركت قتالهم حتى علوا فرسي بأشقر مزبد(6/30)
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 50و علمت أني إن أقاتل واحدا أقتل و لا يضرر عدوي مشهدي فصددت عنهم و الأحبة فيهم طمعا لهم بعقاب يوم مرأراد بدم أشقر فحذف الموصوف و أقام الصفة مقامه كناية عنه و العرب تقيم الصفة مقام الموصوف كثيرا كقوله تعالى وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ أي على سفينة ذات ألواح و كقول عنترة
تمكو فريصته كشدق الأعلم
أي كشدق الإنسان الأعلم أو البعير الأعلم. و يقولون ترك فلان بجعجاع أي قتل قال أبو قيس بن الأسلت
من يذق الحرب يجد طعمها مرا و تتركه بجعجاع
أي تتركه قتيلا مخلى بالفضاء. و مما كنوا عنه قولهم للمقيد هو محمول على الأدهم و الأدهم القيد قال الشاعر
أوعدني بالسجن و الأداهم رجلي و رجلي شثنة المناسم
و قال الحجاج للغضبان بن القبعثرى لأحملنك على الأدهم فتجاهل عليه و قال مثل الأمير حمل على الأدهم و الأشهب. شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 51و قد كنوا عن القيد أيضا بالأسمر أنشد ابن عرفة لبعضهمفما وجد صعلوك بصنعاء موثق بساقيه من سمر القيود كبول قليل الموالي مسلم بجريرة له بعد نومات العيون غليل يقول له البواب أنت معذب غداة غد أو رائح فقتيل بأكثر من وجدي بكم يوم راعني فراق حبيب ما إليه سبو هذا من لطيف شعر العرب و تشبيهها. و من كناياتهم عنه ركب ردعه و أصله في السهم يرمى به فيرتدع نصله فيه يقال ارتدع السهم إذا رجع النصل في السنخ متجاوزا فقولهم ركب ردعه أي وقص فدخل عنقه في صدره قال الشاعر و هو من شعر الحماسة
تقول و صكت صدرها بيمينها أ بعلي هذا بالرحا المتقاعس فقلت لها لا تعجلي و تبيني بلاي إذا التفت علي الفوارس أ لست أرد القرن يركب ردعه و فيه سنان ذو غرارين يابس لعمر أبيك الخير إني لخادم لضيفي و إني إن ركبت لفاو أنشد الجاحظ في كتاب البيان و التبيين لبعض الخوارج
و مسوم للموت يركب ردعه بين الأسنة و القنا الخطاريدنو و ترفعه الرماح كأنه شلو تنشب في مخالب ضاري(6/31)
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 52فثوى صريعا و الرماح تنوشه إن الشراة قصيرة الأعماو قد تطيرت العرب من لفظة البرص فكنوا عنه بالوضح فقالوا جذيمة الوضاح يريدون الأبرص و كني عنه بالأبرش أيضا و كل أبيض عند العرب وضاح و يسمون اللبن وضحا يقولون ما أكثر الوضح عند بني فلان. و مما تفاءلوا به قولهم للفلاة التي يظن فيها الهلاك مفازة اشتقاقا من الفوز و هو النجاة و قال بعض المحدثين
أحب الفأل حين رأى كثيرا أبوه عن اقتناء المجد عاجزفسماه لقلته كثيرا كتلقيب المهالك بالمفاوز
فأما من قال إن المفازة مفعلة من فوز الرجل أي هلك فإنه يخرج هذه اللفظة من باب الكنايات. و من هذا تسميتهم اللديغ سليما قال
كأني من تذكر ما ألاقي إذا ما أظلم الليل البهيم سليم مل منه أقربوه و أسلمه المجاور و الحميم شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 53و قال أبو تمام في الشيبشعلة في المفارق استودعتني في صميم الأحشاء ثكلا صميماتستثير الهموم ما اكتن منها صعدا و هي تستثير الهمومادقة في الحياة تدعى جلالا مثلما سمي اللديغ سليماغرة بهمة ألا إنما كنت أغرا أيام كنت بهيماحلمتني زعمتم و أراني قبل هذا التحليم كنت حليما
و من هذا قولهم للأعور ممتع كأنهم أرادوا أنه قد متع ببقاء إحدى عينيه و لم يحرم ضوءهما معا. و من كناياتهم على العكس قولهم للأسود يا أبا البيضاء و للأسود أيضا يا كافور و للأبيض يا أبا الجون و للأقرع يا أبا الجعد. و سموا الغراب أعور لحدة بصره قال ابن ميادة
إلا طرقتنا أم عمرو و دونها فياف من البيداء يعشى غرابها(6/32)
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 54خص الغراب بذلك لحدة نظره أي فكيف غيره. و مما جاء في تحسين اللفظ ما روي أن المنصور كان في بستان داره و الربيع بين يديه فقال له ما هذه الشجرة فقال وفاق يا أمير المؤمنين و كانت شجرة خلاف فاستحسن منه ذلك. و مثل هذا استحسان الرشيدول عبد الملك بن صالح و قد أهدي إليه باكورة فاكهة في أطباق خيزران بعثت إلى أمير المؤمنين في أطباق قضبان تحمل من جنايا باكورة بستانه ما راج و أينع فقال الرشيد لمن حضر ما أحسن ما كنى عن اسم أمنا. و يقال إن عبد الملك سبق بهذه الكناية و إن الهادي قال لابن دأب و في يده عصا ما جنس هذه فقال من أصول القنا يعني الخيزران و الخيزران أم الهادي و الرشيد معا. و شبيه بذلك ما يقال إن الحسن بن سهل كان في يده ضغث من أطراف الأراك فسأله المأمون عنه ما هذه فقال محاسنك يا أمير المؤمنين تجنبا لأن يقول مساوئك و هذا لطيف. و من الكنايات اللطيفة أن عبد الملك بعث الشعبي إلى أخيه عبد العزيز بن مروان و هو أمير مصر يومئذ ليسبر أخلاقه و سياسته و يعود إليه فيخبره بحاله فلما عاد سأله فقال وجدته أحوج الناس إلى بقائك يا أمير المؤمنين و كان عبد العزيز يضعف. و من الألفاظ التي جاءت عن رسول الله ص من باب الكنايات
قوله ص بعثت إلى الأسود و الأحمر
يريد إلى العرب و العجم فكنى عن العرب بالسود و عن العجم بالحمر و العرب تسمى العجمي أحمر لأن الشقرة تغلب عليه. شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 55قال ابن قتيبة خطب إلى عقيل بن علفة المري ابنته هشام بن إسماعيل المخزومي و كان والي المدينة و خال هشام بن عبد الملك فر لأنه كان أبيض شديد البياض و كان عقيل أعرابيا جافيا غيورا مفرط الغيرة و قال
رددت صحيفة القرشي لما أبت أعراقه إلا احمرارا
فرده لأنه توسم فيه أن بعض أعراقه ينزع إلى العجم لما رأى من بياض لونه و شقرته. و منه قول جرير يذكر العجم(6/33)
يسموننا الأعراب و العرب اسمنا و أسماؤهم فينا رقاب المزاود
و إنما يسمونهم رقاب المزاود لأنها حمراء. و من كناياتهم تعبيرهم عن المفاخرة بالمساجلة و أصلها من السجل و هي الدلو الملي ء كان الرجلان يستقيان فأيهما غلب صاحبه كان الفوز و الفخر له قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب و أنا الأخضر من يعرفني أخضر الجلدة من بيت العرب من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب برسول الله و ابني عمه و بعباس بن عبد المطلو يقال إن الفرزدق مر بالفضل و هو ينشد من يساجلني فقال أنا أساجلك شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 56و نزع ثيابه فقال الفضل برسول الله و ابن عمه فلبس الفرزدق ثيابه و قال أعض الله من يساجلك بما نفت المواسي من بظر أمه و رواها أبو بكر بن دريد بما أبقت المواسي. و قدزل القرآن العزيز على مخرج كلام العرب في المساجلة فقال تبارك و تعالى فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ الذنوب الدلو و المراد ما ذكرناه. و قال المبرد المراد بقوله و أنا الأخضر أي الأسمر و الأسود و العرب كانت تفتخر بالسمرة و السواد و كانت تكره الحمرة و الشقرة و تقول إنهما من ألوان العجم. و قال ابن دريد مراده أن بيتي ربيع أبدا مخصب كثير الخير لأن الخصب مع الخضرة و قال الشاعر
قوم إذا اخضرت نعالهم يتناهقون تناهق الحمر
أي إذا أعشبت الأرض اخضرت نعالهم من وطئهم إياها فأغار بعضهم على بعض و التناهق هاهنا أصواتهم حين ينادون للغارة و يدعو بعضهم بعضا و نظير هذا البيت قول الآخر
قوم إذا نبت الربيع لهم نبتت عداوتهم مع البقل
أي إذا أخصبوا و شبعوا غزا بعضهم بعضا و مثله قول الآخر
يا ابن هشام أهلك الناس اللبن فكلهم يغدو بسيف و قرن(6/34)