شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 24و روى أبو بكر بن دريد في كتاب الأمالي عن أبي حاتم عن العتبي عن أبيه أنه عرض على معاوية فرس و عنده عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص فقال كيف ترى هذا الفرس يا أبا مطرف قال أراه أجش هزيما قال معاوية أجل لكنه لا يطلع على الكنائن ل يا أمير المؤمنين ما استوجبت منك هذا الجواب كله قال قد عوضتك عنه عشرين ألفا. قال أبو بكر بن دريد أراد عبد الرحمن التعريض بمعاوية بما قاله النجاشي في أيام صفين
و نجا ابن حرب سابح ذو علالة أجش هزيم و الرماح دواني إذا قلت أطراف الرماح تنوشه مرته له الساقان و القدمانفلم يحتمل معاوية منه هذا المزاح و قال لكنه لا يطلع على الكنائن لأن عبد الرحمن كان يتهم بنساء إخوته. و روى ابن دريد أيضا في كتاب الأمالي عن أبي حاتم النخعي أن النجاشي دخل على معاوية فقال له كيف قلت و نجا ابن حرب سابح و قد علمت أن الخيل لا تجري بمثلي فرارا قال إنما عنيت عتبة أخاك و عتبة جالس فلم يقل معاوية و لا عتبة شيئا.
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 25و ورد إلى البصرة غلام من بني فقعس كان يجلس في المربد فينشد شعرا و يجمع الناس إليه فذكر ذلك للفرزدق فقال لأسوءنه فجاء إليه فسمع شيئا من شعره فحسده عليه فقال ممن أنت قال من بني فقعس قال كيف تركت القنان فقال مقابل لصاف فقال يا غل هل أنجدت أمك قال بل أنجد أبي. قال أبو العباس المبرد أراد الفرزدق قول الشاعر
ضمن القنان لفقعس سوآتها إن القنان لفقعس لمعمر
و القنان جبل في بلاد فقعس يريد أن هذا الجبل يستر سوآتهم و أراد الغلام قول أبي المهوش
و إذا يسرك من تميم خلة فلما يسوءك من تميم أكثرأكلت أسيد و الهجيم و دارم أير الحمار و خصيتيه العنبرقد كنت أحسبهم أسود خفية فإذا لصاف يبيض فيه الحمر(6/15)
و لصاف جبل في بلاد بني تميم و أراد بقوله هل أنجدت أمك أي إن كانت شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 26أنجدت فقد أصابها أبي فخرجت تشبهني فقال بل أنجد أبي يريد بل أبي أصاب أمك فوجدها بغيا. قال عبد الله بن سوار كنا على مائدة إسحاق بن عيسى بن علي الهاشمي فأتينا بحريرقد عملت بالسكر و السمن و الدقيق فقال معد بن غيلان العبدي يا حبذا السخينة ما أكلت أيها الأمير سخينة ألذ من هذه فقال إلا أنها تولد الرياح في الجوف كثيرا فقال إن المعايب لا تذكر على الخوان. أراد معد ما كانت العرب تعير به قريشا في الجاهلية من أكل السخينة و قد قدمنا ذكره و أراد إسحاق بن عيسى ما يعير به عبد القيس من الفسو قال الشاعر
و عبد القيس مصفر لحاها كان فساءها قطع الضباب
و كان سنان بن أحمس النميري يساير الأمير عمر بن هبيرة الفزاري و هو على بغلة له فتقدمت البغلة على فرس الأمير فقال اغضض بغلتك يا سنان فقال أيها الأمير إنها مكتوبة فضحك الأمير أراد عمر بن هبيرة قول جرير
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت و لا كلابا
و أراد سنان قول ابن داره
لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك و اكتبها بأسيار(6/16)
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 27و كانت فزارة تعير بإتيان الإبل و لذلك قال الفرزدق يهجو عمر بن هبيرة هذا و يخاطب يزيد بن عبد الملكأمير المؤمنين و أنت بر تقي لست بالجشع الحريص أ أطعمت العراق و رافديه فزاريا أحذ يد القميص تفنق بالعراق أبو المثنى و علم قومه أكل الخبيص و لم يك قبلها راعي مخاض لتأمنه على وركي قلالرافدان دجلة و الفرات و أحذ يد القميص كناية عن السرقة و الخيانة و تفنق تنعم و سمن و جارية فنق أي سمينة. و البيت الآخر كناية عن إتيان الإبل الذي كانوا يعيرون به. و روى أبو عبيدة عن عبد الله بن عبد الأعلى قال كنا نتغدى مع الأمير عمر بن هبيرة فأحضر طباخه جام خبيص فكرهه للبيت المذكور السابق إلا أن جلده أدركه فقال ضعه يا غلام قاتل الله الفرزدق لقد جعلني أرى الخبيص فأستحي منه. قال المبرد و قد يسير البيت في واحد و يرى أثره عليه أبدا كقول أبي العتاهية شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 28في عبد الله بن معن بن زائدةفما تصنع بالسيف إذا لم تك قتالافكسر حلية السيف و صغها لك خلخالا
و كان عبد الله بن معن إذا تقلد السيف و رأى من يرمقه بان أثره عليه فظهر الخجل منه. و مثل ذلك ما يحكى أن جريرا قال و الله لقد قلت في بني تغلب بيتا لو طعنوا بعدها بالرماح في أستاههم ما حكوها و هو
و التغلبي إذا تنحنح للقرى حك استه و تمثل الأمثالا
و حكى أبو عبيدة عن يونس قال قال عبد الملك بن مروان يوما و عنده رجال هل تعلمون أهل بيت قيل فيهم شعر ودوا لو أنهم افتدوا منه بأموالهم فقال أسماء بن خارجة الفزاري نحن يا أمير المؤمنين قال و ما هو قال قول الحارث بن ظالم المري
و ما قومي بثعلبة بن سعد و لا بفزارة الشعر الرقابا(6/17)
فو الله يا أمير المؤمنين إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل لي أن شعر قفاي قد بدا منها. شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 29و قال هانئ بن قبيصة النميري نحن يا أمير المؤمنين قال و ما هو قال قول جريرفغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت و لا كلابا
كان النميري يا أمير المؤمنين إذا قيل له ممن أنت قال من نمير فصار يقول بعد هذا البيت من عامر بن صعصعة. و مثل ذلك ما يروى أن النجاشي لما هجا بني العجلان بقوله
إذا الله عادى أهل لؤم و قلة فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل قبيلة لا يغدرون بذمة و لا يظلمون الناس حبة خردل و لا يردون الماء إلا عشية إذا صدر الوراد عن كل منهل و ما سمي العجلان إلا لقوله خذ القعب فاحلب أيها العبد و اعفكان الرجل منهم إذا سئل عن نسبه يقول من بني كعب و ترك أن يقول عجلاني. و كان عبد الملك بن عمير القاضي يقول و الله إن التنحنح و السعال ليأخذني و أنا في الخلاء فأرده حياء من قول القائل
إذا ذات دل كلمته لحاجة فهم بأن يقضى تنحنح أو سعل
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 30و من التعريضات اللطيفة ما روي أن المفضل بن محمد الضبي بعث بأضحية هزيل إلى شاعر فلما لقيه سأله عنها فقال كانت قليله الدم فضحك المفضل و قال مهلا يا أبا فلان أراد الشاعر قول القائلو لو ذبح الضبي بالسيف لم تجد من اللؤم للضبي لحما و لا دما
و روى ابن الأعرابي في الأمالي قال رأى عقال بن شبة بن عقال المجاشعي على إصبع ابن عنبس وضحا فقال ما هذا البياض على إصبعك يا أبا الجراح فقال سلح النعامة يا ابن أخي أراد قول جرير
فضح العشيرة يوم يسلح قائما سلح النعامة شبة بن عقال(6/18)
و كان شبة بن عقال قد برز يوم الطوانة مع العباس بن الوليد بن عبد الملك إلى رجل من الروم فحمل عليه الرومي فنكص و أحدث فبلغ ذلك جريرا باليمامة فقال فيه ذلك. و لقي الفرزدق مخنثا يحمل قماشه كأنه يتحول من دار إلى دار فقال أين راحت عمتنا فقال قد نفاها الأغر يا أبا فراس يريد قول جرير في الفرزدق
نفاك الأغر ابن عبد العزيز و حقك تنفى من المسجد
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 31و ذلك أن الفرزدق ورد المدينة و الأمير عليها عمر بن عبد العزيز فأكرمه حمزة بن عبد الله بن الزبير و أعطاه و قعد عنه عبد الله بن عمرو بن عفان و قصر به فمدح الفرزدق حمزة بن عبد الله و هجا عبد الله فقالما أنتم من هاشم في سرها فاذهب إليك و لا بني العوام قوم لهم شرف البطاح و أنتم وضر البلاط موطئوا الأقدامفلما تناشد الناس ذلك بعث إليه عمر بن عبد العزيز فأمره أن يخرج عن المدينة و قال له إن وجدتك فيها بعد ثلاث عاقبتك فقال الفرزدق ما أراني إلا كثمود حين قيل لهم تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فقال جرير يهجوه
نفاك الأغر ابن عبد العزيز و حقك تنفى من المسجدو سميت نفسك أشقى ثمود فقالوا ضللت و لم تهتدو قد أجلوا حين حل العذاب ثلاث ليال إلى الموعدوجدنا الفرزدق بالموسمين خبيث المداخل و المشهد
و حكى أبو عبيدة قال بينا نحن على أشراف الكوفة وقوف إذ جاء أسماء بن خارجة الفزاري فوقف و أقبل ابن مكعبر الضبي فوقف متنحيا عنه فأخذ أسماء خاتما كان في يده فصه فيروز أزرق فدفعه إلى غلامه و أشار إليه أن يدفعه إلى ابن مكعبر فأخذ ابن مكعبر شسع نعله فربطه بالخاتم و أعاده إلى أسماء فتمازحا و لم يفهم أحد من الناس ما أرادا أراد أسماء بن خارجة قول الشاعر
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر كذا كل ضبي من اللؤم أزرق
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 32و أراد ابن مكعبر قول الشاعرلا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك و اكتبها بأسيار(6/19)