و الذي هزم الأحزاب هو علي بن أبي طالب لأنه قتل بارعهم و فارسهم عمرا لما اقتحموا الخندق فأصبحوا صبيحة تلك الليلة هاربين مفلولين من غير حرب سوى قتل فارسهم و قد أومأ بعض شعراء الإمامية إلى هذه المقالة فجعلها من فضائله و ذلك قوله
إذا كنتم ممن يروم لحاقه فهلا برزتم نحو عمرو و مرحب
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 8و كيف فررتم يوم أحد و خيبر و يوم حنين مهربا بعد مهرب أ لم تشهدوا يوم الإخاء و بيعة الغدير و كل حضر غير غيب فكيف غدا صنو النفيلي ويحه أميرا على صنو النبي المرجب و كيف علا من لا يطأ ثوب أحمد على من علا من أحمد فوق منكب إمام ت له الشمس جهرة فصلى أداء عصره بعد مغرب و من قبله أفنى سليمان خيله رجاء فلم يبلغ بها نيل مطلب يجل عن الأفهام كنه صفاته و يرجع عنها الذهن رجعة أخيب فليس بيان القول عنه بكاشف غطاء و لا فصل الخطاب بمعرب و حق لقبر ضم أعضاء حيدر و غودر منه في صفيح م شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 9يكون ثراه سر قدس ممنع و حصباؤه من نور وحي محجب و تغشاه من نور الإله غمامة تغاديه من قدس الجلال بصيب و تنقض أسراب النجوم عواكفا على حجرتيه كوكب بعد كوكب فلولاك لم ينج ابن متى و لا خبا سعير لإبراهيم بعد تلهب و لا فلق البحر اان بالعصا و لا فرت الأحزاب عن أهل يثرب و لا قبلت من عابد صلواته و لا غفر الرحمن زلة مذنب و لم يغل فيك المسلمون جهالة و لكن لسر في علاك مغيو قالوا أيضا إن بكريا و شيعيا تجادلا و احتكما إلى بعض أهل الذمة ممن لا هوى له مع أحد الرجلين في التفضيل فأنشدهما
كم بين من شك في عقيدته و بين من قيل إنه الله
طرق الإخبار عن الغيوب(6/5)


فأما الإخبار عن الغيوب فلمعترض أن يقول قد يقع الإخبار عن الغيوب من طريق النجوم فإن المنجمين قد اتفقوا على أن شكلا من أشكال الطالع إذا وقع لمولود اقتضى أن يكون صاحبه متمكنا من الإخبار عن الغيوب. و قد يقع الإخبار عن الغيوب من الكهان كما يحكى عن سطيح و شق و سواد بن قارب و غيرهم. شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 10و قد يقع الإخبار عن الغيوب لأصحاب زجر الطير و البهائم كما يحكى عن بني لهب في الجاهلية. و قد يقع الإخبار عن الغيوب للقافة كما يحكى عن بني مدلج. و قد يخبر أرباب النيرنجات و أرباب السحر و الطلسمات بالمغيبات ود يقع الإخبار عن الغيوب لأرباب النفس الناطقة القوية الصافية التي تتصل مادتها الروحانية على ما تقوله الفلاسفة و قد يقع الإخبار عن الغيوب بطريق المنامات الصادقة على ما رآه أكثر الناس و قد وردت الشريعة نصا به. و قد يقع الإخبار عن الغيوب بأمر صناعي يشبه الطبيعي كما رأيناه عن أبي البيان و ابنه. و قد يقع الإخبار عن الغيوب بواسطة إعلام ذلك الغيب إنسانا آخر لنفسه بنفس ذلك المخبر اتحاد أو كالاتحاد و ذلك كما يحكي أبو البركات بن ملكا الطبيب في كتاب المعتبر قال و المرأة العمياء التي رأيناها ببغداد و تكررت مشاهدتنا لها منذ مدة مديدة قدرها ما يقارب ثلاثين سنة و هي على ذلك إلى الآن تعرض عليها الخبايا فتدل عليها بأنواعها و أشكالها و مقاديرها و أعدادها غريبها و مألوفها دقيقها شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 11و جليلها تجيب على أثر السؤال من غير توقف و لا استعانة بشي ء من الأشيالا أنها كانت تلتمس أن ترى الذي يسأل عنه أبوها أو يسمعه في بعض الأوقات دون بعض و عند قوم دون قوم فيتصور في أمرها أن الذي تقوله بإشارة من أبيها و كان الذي تقوله يبلغ من الكثرة إلى ما يزيد على عشرين كلمة إذا قيل بصريح الكلام الذي هو الطريق الأخصر و إنما كان أبوها يقول إذا رأى ما يراه من أشياء كثيرة مختلفة الأنواع و الأشكال في(6/6)


مدة واحدة كلمة واحدة و أقصاه كلمتان و هي التي يكررها في كل قول و مع كل ما يسمع و يرى سلها و سلها تخبرك أو قولي له أو قولي يا صغيرة. قال أبو البركات و لقد عاندته يوما و حاققته في ألا يتكلم البتة و أريته عدة أشياء فقال لفظة واحدة فقلت له الشرط أملك فاغتاظ و احتد طيشه عن أن يملك نفسه فباح بخبيئته قال و مثلك يظن أنني أشرت إلى هذا كله بهذه اللفظة فاسمع الآن ثم التفت إليها و أخذ يشير بإصبعه إلى شي ء و هو يقول تلك الكلمة و هي تقول هذا كذا و هذا ذا على الاتصال من غير توقف و هو يقول تلك الكلمة لا زيادة عليها و هي لفظة واحدة بلحن واحد و هيئة واحدة حتى ضجرنا و اشتد تعجبنا و رأينا أن هذه الإشارة لو كانت تتضمن هذه الأشياء لكانت أعجب من كل ما تقوله العمياء. قال أبو البركات و من عجيب ما شاهدناه من أمرها أن أباها كان يغلط في شي ء يعتقده على خلاف ما هو به فتخبر هي عنه على معتقد أبيها كان نفسها هي نفسه. قال أبو البركات و رأيناها تقول ما لا يعلمه أبوها من خبيئة في الخبيئة التي اطلع عليها أبوها فكانت تطلع على ما قد علمه أبوها و على ما لم يعلمه أبوها و هذا أعج و أعجب.(6/7)


شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 12قال أبو البركات و حكاياتها أكثر من أن تعد و عند كل أحد من الناس من حديثها ما ليس عند الآخر لأنها كانت تقول من ذلك على الاتصال لشخص شخص جوابا بحسب السؤال. قال و ما زلت أقول إن من يأتي بعدنا لا يصدق ما رأيناه منها فإن قلت لي أر أن تفيدني العلة في معرفة المغيبات هذه قلت لك العلة التي تصلح في جواب لم في نسبة المحمول إلى الموضوع تكون الحد الأوسط في القياس و هذه فالعلة الفاعلة الموجبة لذلك فيها هي نفسها بقوتها و خاصتها فما الذي أقوله في هذا و هل لي أن أجعل ما ليس بعلة علة. و اعلم أنا لا ننكر أن يكون في نوع البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب و لكن كل ذلك مستند إلى البارئ سبحانه بإقداره و تمكينه و تهيئة أسبابه فإن كان المخبر عن الغيوب ممن يدعي النبوة لم يجز أن يكون ذلك إلا بإذن الله سبحانه و تمكينه و أن يريد به تعالى استدلال المكلفين على صدق مدعى النبوة لأنه لو كان كاذبا لكان يجوز أن يمكن الله تعالى الجن من تعليمه ذلك إضلالا للمكلفين و كذلك لا يجوز أن يمكن سبحانه الكاذب في ادعاء النبوة من الإخبار عن الغيب بطريق السحر و تسخير الكواكب و الطلسمات و لا بالزجر و لا بالقيافة و لا بغير ذلك من الطرق المذكورة لما فيه من استفساد البشر و إغوائهم. و أما إذا لم يكن المخبر عن الغيوب مدعيا للنبوة نظر في حاله فإن كان ذلك من الصالحين الأتقياء نسب ذلك إلى أنه كرامة أظهرها الله تعالى على يده إبانة له و تمييزا شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 13من غيره كما في حق علي ع إن لم يكن كذلك أمكن أن يكون ساحرا أو كاهنا أو نحو ذلك. و بالجملة فصاحب هذه الخاصية أفضل و أشرف ممن لا تكون فيه من حيث اختصاصه بها فإن كان للإنسان العاري منها مزية أخرى يختص بها توازيها أو تزيد عليها فنرجع إلى التمييل و الترجيح بينهما و إلا فالمختص بهذه الخاصية أرجح و أعظم من الخالي منها على جميع الأحوال(6/8)


شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 5914- و قال لما قتل الخوارجو قيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم
كَلَّا وَ اللَّهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ قَرَارَاتِ النِّسَاءِ وَ كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلَّابِينَ
نجم ظهر و طلع قرارات النساء كناية لطيفة عن الأرحام. و من الكنايات اللطيفة الجارية هذا المجرى قوله تعالى أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ يعني الجماع. و قوله تعالى إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً. و قوله شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ يعني الفروج شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 1و قول رسول الله ص للحادي يا أنجشة رفقا بالقوارير
يعني النساء
الكناية و الرموز و التعريض مع ذكر مثل منها
و الكناية إبدال لفظة يستحى من ذكرها أو يستهجن ذكرها أو يتطير بها و يقتضي الحال رفضها لأمر من الأمور بلفظة ليس فيها ذلك المانع و من هذا الباب قول إمرئ القيس
سموت إليها بعد ما نام أهلها سمو حباب الماء حالا على حال فقالت لك الويلات إنك فاضحي أ لست ترى السمار و الناس أحوالي فلما تنازعنا الحديث و أسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال فصرنا إلى الحسنى و رق كلامنا و رضت فذلت صعبة أي إذلقوله فصرنا إلى الحسنى كناية عن الرفث و مقدمات الجماع. و قال ابن قتيبة تمازح معاوية و الأحنف فما رئي مازحان أوقر منهما قال شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 16معاوية يا أبا بحر ما الشي ء الملفف في البجاد فقال السخينة يا أمير المؤمنين و إنما كنى معاوية عن رمي بنييم بالنهم و حب الأكل بقول القائل(6/9)

72 / 148
ع
En
A+
A-