شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 277يا قوم دعوهم لا تتبعوهم يا قوم دعوهم لا تتبعوهم حتى نصبحهم قال فكففنا عنهم و ليس شي ء أحب إلينا من أن ينصرفوا عنا. قال فروة بن لقيظ الخارجي فلما انتهينا إلى الجسر قال شبيب اعبروا معاشر المسلمين فإذا أصبحنا باكرناهم إن شاء ا تعالى قال فعبرنا أمامه و تخلف في آخرنا و أقبل يعبر الجسر و تحته حصان جموح و بين يديه فرس أنثى ماذيانة فنزا حصانه عليها و هو على الجسر فاضطربت الماذيانة و زل حافر فرس شبيب عن حرف السفينة فسقط في الماء فسمعناه يقول لما سقط ليقضي الله أمرا كان مفعولا و اغتمس في الماء ثم ارتفع فقال ذلك تقدير العزيز العليم ثم اغتمس في الماء فلم يرتفع. هكذا روى أكثر الناس و قال قوم إنه كان مع شبيب رجال كثير بايعوه في الوقائع التي كان يهزم الجيش فيها و كانت بيعتهم إياه على غير بصيرة و قد كان أصاب عشائرهم و ساداتهم فهم منه موتورون فلما تخلف في أخريات الناس يومئذ قال بعضهم لبعض هل لكم أن نقطع به الجسر فندرك ثارنا الساعة فقالوا هذا هو الرأي فقطعوا الجسر فمالت به السفينة ففزع حصانه و نفر فسقط في الماء و غرق. و الرواية الأولى أشهر فحدث قوم من أصحاب سفيان قالوا سمعنا صوت الخوارج يقولون غرق أمير المؤمنين فعبرنا إلى عسكرهم فإذا هو ليس فيه صافر و لا أثر فنزلنا فيه و طلبنا شبيبا حتى استخرجناه من الماء و عليه الدرع فيزعم الناس أنهم شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 278شقوا بطنه و أخرجوا قلبه فكان مجتمعا صلبا كالصخرة و أنه كان يضرب به الأرض فينبو و ب قامة الإنسان. و يحكى أن أم شبيب كانت لا تصدق أحدا نعاه إليها و قد كان قيل لها مرارا إنه قد قتل فلا تقبل فلما قيل لها إنه قد غرق بكت فقيل لها في ذلك فقالت رأيت في المنام حين ولدته أنه خرج من فرجي نار ملأت الآفاق ثم سقطت في ماء فخمدت فعلمت أنه لا يهلك إلا بالغرق(5/226)
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 3الجزء الخامس تتمة الخطب و الأوامر
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله أجمعين
58- و قال ع لما عزم على حرب الخوارج و قيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان
مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ وَ اللَّهِ لَا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَ لَا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ
قال الرضي رحمه الله يعنى بالنطفة ماء النهر و هي أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جما و قد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما أشبهه
هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره و نقل الناس كافة له و هو من معجزاته و أخباره المفصلة عن الغيوب. و الأخبار على قسمين أحدهما الأخبار المجملة و لا إعجاز فيها نحو أن يقول الرجل لأصحابه إنكم شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 4ستنصرون على هذه الفئالتي تلقونها غدا فإن نصر جعل ذلك حجة له عند أصحابه و سماها معجزة و إن لم ينصر قال لهم تغيرت نياتكم و شككتم في قولي فمنعكم الله نصره و نحو ذلك من القول و لأنه قد جرت العادة أن الملوك و الرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر و النصر و يمنونهم الدول فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمن إعجاز. و القسم الثاني في الأخبار المفصلة عن الغيوب مثل هذا الخبر فإنه لا يحتمل التلبيس لتقييده بالعدد المعين في أصحابه و في الخوارج و وقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة و لا نقصان و ذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول الله ص و عرفه رسول الله ص من جهة الله سبحانه و القوة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا و لقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره. و بمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته و أحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا حتى نسب إلى أن الجوهر الإلهي حل في بدنه كما قالت النصارى في عيسى ع و قد أخبره النبي ص بذلك
فقال يهلك فيك رجلان محب غال و مبغض قال(6/1)
و قال له تارة أخرى و الذي نفسي بيده لو لا أني أشفق أن يقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة
شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 5ذكر الخبر عن ظهور الغلاةو أول من جهر بالغلو في أيامه عبد الله بن سبإ قام إليه و هو يخطب فقال له أنت أنت و جعل يكررها فقال له ويلك من أنا فقال أنت الله فأمر بأخذه و أخذ قوم كانوا معه على رأيه.
و روى أبو العباس أحمد بن عبيد الله عن عمار الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه و عن غيره من مشيخته أن عليا قال يهلك في رجلان محب مطر يضعني غير موضعي و يمدحني بما ليس في و مبغض مفتر يرميني بما أنا منه بري ء و قال أبو العباس و هذا تأويل الحديث المروي عن النبي ص فيه و هو
قوله إن فيك مثلا من عيسى ابن مريم أحبته النصارى فرفعته فوق قدره و أبغضته اليهود حتى بهتت أمه
قال أبو العباس و قد كان علي عثر على قوم خرجوا من محبته باستحواذ الشيطان عليهم إلى أن كفروا بربهم و جحدوا ما جاء به نبيهم و اتخذوه ربا و إلها و قالوا أنت خالقنا و رازقنا فاستتابهم و توعدهم فأقاموا على قولهم فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها طمعا في رجوعهم فأبوا فحرقهم بالنار
و قال
أ لا ترون قد حفرت حفرا إني إذا رأيت أمرا منكراوقدت ناري و دعوت قنبرا
. شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 6و روى أصحابنا في كتب المقالات أنه لما حرقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهورا بينا أنك أنت الإله لأن ابن عمك الذي أرسلته قال لا يعذب بالنار إلا رب النار(6/2)
و روى أبو العباس عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه و مشيخته أن عليا مر بهم و هم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال أ سفر أم مرضى قالوا و لا واحدة منهما قال أ فمن أهل الكتاب أنتم قالوا لا قال فما بال الأكل في شهر رمضان نهارا قالوا أنت أنت لم يزيدوه على ذلك ففهم مرادهم فنزل عن فرسه فألصق خده بالتراب ثم قال ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله و ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على أمرهم فنهض عنهم ثم قال شدوهم وثاقا و علي بالفعلة و النار و الحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا و الأخرى مكشوفة و ألقى الحطب في المكشوفة و فتح بينهما فتحا و ألقى النار في الحطب فدخن عليهم و جعل يهتف بهم و يناشدهم ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فأمر بالحطب و النار و ألقى عليهم فاحترقوا
فقال الشاعر(6/3)
لترم بي المنية حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين إذا ما حشتا حطبا بنار فذاك الموت نقدا غير دينقال فلم يبرح واقفا عليهم حتى صاروا حمما. قال أبو العباس ثم إن جماعة من أصحاب علي منهم عبد الله بن عباس شفعوا في عبد الله بن سبإ خاصة و قالوا يا أمير المؤمنين إنه قد تاب فاعف عنه فأطلقه بعد أن اشترط عليه ألا يقيم بالكوفة فقال أين أذهب قال المدائن فنفاه إلى المدائن شرح نهج البلاغة ج : 5 ص : 7فلما قتل أمير المؤمنين ع أظهر مقالته و صارت له طائفة و فرقة يصدقونه و يتبعونه و قال لما بلغه قتل علي و الله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة لعلمنا أنه لم يمت و لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه فلما بلغ ابن عباس ذلك قال لو علا أنه يرجع لما تزوجنا نساءه و لا قسمنا ميراثه. قال أصحاب المقالات و اجتمع إلى عبد الله بن سبإ بالمدائن جماعة على هذا القول منهم عبد الله بن صبرة الهمداني و عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي و آخرون غيرهما و تفاقم أمرهم. و شاع بين الناس قولهم و صار لهم دعوة يدعون إليها و شبهة يرجعون إليها و هي ما ظهر و شاع بين الناس من إخباره بالمغيبات حالا بعد حال فقالوا إن ذلك لا يمكن أن يكون إلا من الله تعالى أو ممن حلت ذات الإله في جسده و لعمري إنه لا يقدر على ذلك إلا بإقدار الله تعالى إياه عليه و لكن لا يلزم من إقداره إياه عليه أن يكون هو الإله أو تكون ذات الإله حالة فيه و تعلق بعضهم بشبهة ضعيفة نحو قول عمر و قد فقأ علي عين إنسان ألحد في الحرم ما أقول في يد الله فقأت عينا في حرم الله و نحو
قول علي و الله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية بل بقوة إلهية
و نحو قول رسول الله ص لا إله إلا الله وحده صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده(6/4)