شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 271و رماه عروة بن المغيرة بن شعبة بالسهام و قد كان الحجاج جعله في ثلاثمائة رام من أهل الشام ردءا له كي لا يؤتى من ورائه فصاح شبيب في أصحابه. يا أهل الإسلام إنما شريتم لله و من يكن شراؤه لله لم يضره ما أصابه من ألم و أذى لله أبو الصبر الصبر شدة كشداتكم الكريمة في مواطنكم المشهورة. فشدوا شدة عظيمة فلم يزل أهل الشام عن مراكزهم فقال شبيب الأرض دبوا دبيبا تحت تراسكم حتى إذا صارت أسنة أصحاب الحجاج فوقها فأذلقوها صعدا و ادخلوا تحتها و اضربوا سوقهم و أقدامهم و هي الهزيمة بإذن الله فأقبلوا يدبون دبيبا تحت الحجف صمدا صمدا نحو أصحاب الحجاج. فقال خالد بن عتاب بن ورقاء أيها الأمير أنا موتور و لا أتهم في نصيحتي فأذن لي حتى آتيهم من ورائهم فأغير على معسكرهم و ثقلهم فقال افعل ذلك فخرج في جمع من مواليه و شاكريته و بني عمه حتى صار من ورائهم فالتقى بمصاد أخي شبيب فقتله و قتل غزالة امرأة شبيب و ألقى النار في معسكرهم و التفت شبيب و الحجاج فشاهدا النار فأما الحجاج فكبر و كبر أصحابه و أما شبيب فوثب هو و كل راجل من أصحابه على خيولهم مرعوبين فقال الحجاج لأصحابه شدوا عليهم فقد أتاهم ما أرعبهم فشدوا عليهم فهزموهم و تخلف شبيب في خاصة الناس حتى خرج من الجسر و تبعه خيل الحجاج و غشيه النعاس فجعل يخفق برأسه و الخيل تطلبه. قال أصغر الخارجي كنت معه ذلك اليوم فقلت يا أمير المؤمنين التفت شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 272فانظر من خلفك فالتفت غير مكترث و جعل يخفق برأسه ق و دنوا منا فقلت يا أمير المؤمنين قد دنا القوم منك فالتفت و الله ثانية غير مكترث بهم و جعل يخفق برأسه و بعث الحجاج خيلا تركض تقول دعوه يذهب في حرق الله فتركوه و انصرفوا عنه. و مضى شبيب بأصحابه حتى قطعوا جسر المدائن فدخلوا ديرا هناك و خالد بن عتاب يقفوهم فحصرهم في الدير فخرج شبيب إليه فهزمه و أصحابه نحوا من فرسخين حتى ألقى(5/221)


خالد نفسه في دجلة هو و أصحابه بخيولهم فمر به شبيب فرآه في دجلة و لواؤه في يده فقال قاتله الله فارسا و قاتل فرسه فرس هذا أشد الناس قوة و فرسه أقوى فرس في الأرض و انصرف فقيل له بعد انصرافه إن الفارس الذي رأيت هو خالد بن عتاب بن ورقاء فقال معرق في الشجاعة لو علمت لأقحمت خلفه و لو دخل النار. ثم دخل الحجاج الكوفة بعد هزيمة شبيب فصعد المنبر و قال و الله ما قوتل شبيب قط قبل اليوم ولى هاربا و ترك امرأته يكسر في استها القصب. ثم دعا حبيب بن عبد الرحمن فبعثه في أثره في ثلاثة آلاف من أهل الشام و قال احذر بياته و حيثما لقيته فنازله فإن الله تعالى قد فل حده و قصم نابه فخرج حبيب في أثره حتى نزل الأنبار و بعث الحجاج إلى العمال أن دسوا إلى أصحاب شبيب من جاءنا منكم فهو آمن فكان كل من ليست له بصيرة في دين الخوارج ممن هزه القتال و كرهه ذلك اليوم يجي ء فيؤمن و قبل ذلك كان الحجاج نادى يوم هزم شبيب من جاءنا فهو آمن فتفرق عن شبيب ناس كثير من أصحابه. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 273و بلغ شبيبا منزل حبيب بن عبد الرحمن بالأنبار فأقبل بأصحابه حتى دنا منه فقال يزيد السكسكي كنت مع أهل الشام بالأنبار ليلة جاءنا شبيب فبيتنا فلما أمسينا جمعنا حبيب بن عبد الرحمن فجعلنا أرباعا و جعل على كل ربع أميرا و قال لنا لي كل ربع منكم جانبه فإن قتل هذا الربع فلا يعنهم الربع الآخر فإنه بلغني أن الخوارج منكم قريب فوطنوا أنفسكم على أنكم مبيتون فمقاتلون قال فما زلنا على تعبيتنا حتى جاءنا شبيب تلك الليلة فبيتنا فشد على ربع منا فصابرهم طويلا فما زالت قدم إنسان منهم ثم تركهم و أقبل إلى ربع آخر فقاتلهم طويلا فلم يظفر بشي ء ثم طاف بنا يحمل علينا ربعا ربعا حتى ذهب ثلاثة أرباع الليل و لصق بنا حتى قلنا لا يفارقنا ثم ترجل فنازلنا راجلا نزالا طويلا هو و أصحابه فسقطت و الله بيننا و بينهم الأيدي و الأرجل و فقئت الأعين و كثرت القتلى(5/222)


فقتلنا نهم نحو ثلاثين و قتلوا منا نحو مائة و ايم الله لو كانوا أكثر من مائتي رجل لأهلكونا ثم فارقونا و قد مللناهم و ملونا و كرهناهم و كرهونا و لقد رأيت الرجل منا يضرب الرجل منهم بالسيف فما يضره من الإعياء و الضعف و لقد رأيت الرجل منا يقاتل جالسا ينفخ بسيفه ما يستطيع أن يقوم من الإعياء و البهر حتى ركب شبيب و قال لأصحابه الذين نزلوا معه اركبوا و توجه بهم منصرفا عنا. فقال فروة بن لقيط الخارجي و كان شهد معه مواطنه كلها قال لنا ليلتئذ و قد رأى شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 274بنا كآبة ظاهرة و جراحات شديدة ما أشد هذا الذينا لو كنا نطلب الدنيا و ما أيسر هذا في طاعة الله و ثوابه فقال أصحابه صدقت يا أمير المؤمنين. قال فروة بن لقيط و سمعته تلك الليلة يحدث سويد بن سليم و يقول له لقد قتلت منهم أمس رجلين من أشجع الناس خرجت عشية أمس طليعة لكم فلقيت منهم ثلاثة نفر دخلوا قرية يشترون منها حوائجهم فاشترى أحدهم حاجته و خرج قبل أصحابه فخرجت معه فقال لي أراك لم تشتر علفا فقلت إن لي رفقاء قد كفوني ذلك ثم قلت له أين ترى عدونا هذا نزل فقال بلغني أنه قد نزل قريبا منا و ايم الله لوددت أني لقيت شبيبهم هذا قلت أ فتحب ذلك قال إي و الله قلت فخذ حذرك فأنا و الله شبيب و انتضيت السيف فخر و الله ميتا فقلت له ارتفع ويحك و ذهبت أنظر فإذا هو قد مات فانصرفت راجعا فاستقبلت الآخر خارجا من القرية فقال أين تذهب هذه الساعة التي يرجع فيها الناس إلى معسكرهم فلم أكلمه و مضيت فنفرت بي فرسي و ذهبت تتمطر فإذا به في أثري حتى لحقني فعطفت عليه و قلت ما بالك قال أظنك و الله من عدونا قلت أجل و الله قال إذا لا تبرح حتى أقتلك أو تقتلني فحملت عليه و حمل علي فاضطربنا بسيفينا ساعة فو الله ما فضلته في شدة نفس و لا إقدام إلا أن سيفي كان أقطع من سيفه فقتلته. و بلغ شبيبا أن جند الشام الذي مع حبيب حملوا معهم حجرا و حلفوا لا يفرون حتى يفر(5/223)


هذا الحجر فأراد أن يكذبهم فعمد إلى أربعة أفراس و ربط في أذنابها ترسة
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 275في ذنب كل فرس ترسين ثم ندب ثمانية نفر من أصحابه و غلاما له يقال له حيان كان شجاعا فاتكا و أمره أن يحمل معه إداوة من ماء ثم سار ليلا حتى أتى ناحية من عسكر أهل الشام فأمر أصحابه أن يكونوا في نواحي العسكر الأربع و أن يكون مع كلجلين فرس ثم يلبسوها الحديد حتى تجد حره ثم يخلوها في العسكر و واعدهم تلعة قريبة من العسكر و قال من نجا منكم فإن موعده التلعة فكره أصحابه الإقدام على ما أمرهم فنزل بنفسه حتى صنع بالخيل ما أمرهم به حتى دخلت في العسكر و دخل هو يتلوها و يشد خلفها شدا محكما فتفرقت في نواحي العسكر و اضطرب الناس فضرب بعضهم بعضا و ماجوا و نادى حبيب بن عبد الرحمن ويحكم إنها مكيدة فالزموا الأرض حتى يتبين لكم الأمر ففعلوا و حصل شبيب بينهم فلزم الأرض معهم حتى رآهم قد سكنوا و قد أصابته ضربة عمود أوهنته. فلما هدأ الناس و رجعوا إلى مراكزهم خرج في غمارهم حتى أتى التلعة فإذا مولاه حيان فقال أفرغ ويحك على رأسي من هذه الإداوة فلما مد رأسه ليصب عليه من الماء هم حيان بضرب عنقه و قال لنفسه لا أجد مكرمة لي و لا ذكرا أرفع من هذا في هذه الخلوة و هو أماني من الحجاج فأخذته الرعدة حين هم بما هم به فلما أبطأ عليه قال له ويحك ما انتظارك بحلها ناولنيها و تناول السكين من موزجه فخرقها به ثم ناوله إياها فأفرغ عليه من الماء فكان حيان بعد ذلك يقول لقد هممت فأخذتني الرعدة فجبنت عنه و ما كنت أعهد نفسي جبانا. ثم إن الحجاج أخرج الناس إلى شبيب و قسم فيهم أموالا عظيمة و أعطى الجرحى و كل ذي بلاء و أمر سفيان بن الأبرد أن يسير بهم فشق ذلك على حبيب شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 276بن عبد الرحمن و قال تبعث سفيان إلى رجل قد فللته و قتلت فرسانه و كان شبيب قد أقام بكرمان حتى جبر و استراش هو و أصحابه فمضى سفيان بالرجال و(5/224)


استقبله يب بدجيل الأهواز و عليه جسر معقود فعبر إلى سفيان فوجده قد نزل بالرجال و جعل مهاصر بن صيفي على خيله و بشر بن حسان الفهري على ميمنته و عمر بن هبيرة الفزاري على ميسرته و أقبل شبيب في ثلاثة كراديس هو في كتيبة و سويد بن سليم في كتيبة و قعنب في كتيبة و خلف المحلل في عسكره فلما حمل سويد و هو في ميمنته على ميسرة سفيان و قعنب و هو في ميسرته على ميمنة سفيان حمل هو على سفيان ثم اضطربوا مليا حتى رجعت الخوارج إلى مكانها الذي كانوا فيه. فقال يزيد السكسكي و كان من أصحاب سفيان يومئذ كر علينا شبيب و أصحابه أكثر من ثلاثين كرة و لا يزول من صفنا أحد فقال لنا سفيان لا تحملوا عليهم متفرقين و لكن لتزحف عليهم الرجال زحفا ففعلنا و ما زلنا نطاعنهم حتى اضطررناهم إلى الجسر فقاتلونا عليه أشد قتال يكون لقوم قط ثم نزل شبيب و نزل معه نحو مائة رجل فما هو إلا أن نزلوا حتى أوقعوا بنا من الضرب و الطعن شيئا ما رأينا مثله قط و لا ظنناه يكون فلما رأى سفيان أنه لا يقدر عليهم و لا يأمن ظفرهم دعا الرماة فقال ارشقوهم بالنبل و ذلك عند المساء و كان الالتقاء ذلك اليوم نصف النهار فرشقهم أصحابه و قد كان سفيان صفهم على حدة و عليهم أمير فلما رشقوهم شدوا عليهم فشددنا نحن و شغلناهم عنهم فلما رأوا ذلك ركب شبيب و أصحابه و كروا على أصحاب النبل كرة شديدة صرعوا منهم فيها أكثر من ثلاثين راميا ثم عطف علينا يطاعننا بالرماح حتى اختلط الظلام ثم انصرف عنا فقال سفيان بن الأبرد لأصحابه(5/225)

70 / 148
ع
En
A+
A-