بأفعاله و تمام الآية أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ. قال هذا حكم الصديقين الذين يستشهدون به لا عليه يعني الذين استدلوا عليه بنفس الوجود و لم يفتقروا إلى التعلق بأفعاله في إثبات ربوبيته الفصل الثالث في أن هويته تعالى غير هوية البشر
و ذلك معنى قوله ع و امتنع على عين البصير و قوله و لا قلب من أثبته يبصره و قوله و لم يطلع العقول على تحديد صفته فنقول إن جمهور المتكلمين زعموا أنا نعرف حقيقة ذات الإله و لم يتحاشوا من القول بأنه تعالى لا يعلم من ذاته إلا ما نعلمه نحن منها و ذهب ضرار بن عمرو أن لله تعالى ماهية لا يعلمها إلا هو و هذا هو مذهب شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 223الفلاسفة و قد حكي عن أبي حنيفة و أصحابه أيضا و هو الظاهر من كلام أمير المؤمنين ع في هذا الفصلالفصل الرابع في نفي التشبيه عنه تعالى(4/192)
و هو معنى قوله ع بعد و قرب أي في حال واحدة و ذلك يقتضي نفي كونه تعالى جسما و كذلك قوله ع فلا استعلاؤه باعده و لا قربه ساواهم في المكان به فنقول إن مذهب جمهور المتكلمين نفي التشبيه و هذا القول يتنوع أنواعا. النوع الأول نفي كونه تعالى جسما مركبا أو جوهرا فردا غير مركب و المراد بالجوهر هاهنا الجرم و الحجم و هو قول المعتزلة و أكثر محققي المتكلمين من سائر الفرق و إليه ذهبت الفلاسفة أيضا. و قال قوم من مستضعفي المتكلمين خلاف ذلك فذهب هشام بن الحكم إلى أنه تعالى جسم مركب كهذه الأجسام و اختلفت الحكاية عنه فروي عنه أنه قال إنه يشبر نفسه سبعة أشبار و روي عنه أنه قال إنه على هيئة السبيكة و روي عنه أنه قال إنه على هيئة البلورة الصافية المستوية الاستدارة من حيث أتيتها رأيتها على هيئة واحدة و روي عنه أيضا قال إنه ذو صورة و أصحابه من الشيعة يدفعون اليوم هذه الحكايات عنه و يزعمون أنه لم يزد على قوله أنه جسم لا كالأجسام و أنه إنما أراد بإطلاق هذا اللفظ عليه إثباته. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 224و صدقوا عنه أنه كان يطلق عليه كونه نورا لقول الله سبحانه اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ. و حكي عن محمد بن النعن الأحول المعروف بشيطان الطاق و هشام بن سالم المعروف بالجواليقي و أبي مالك بن الحضرمي أنه نور على صورة الإنسان و أنكروا مع ذلك أن يكون جسما و هذه مناقضة ظاهرة. و حكي عن علي بن ميثم مثله و قد حكي عنه أنه كان يقول بالصورة و الجسم. و حكي عن مقاتل بن سليمان و داود الجواربي و نعيم بن حماد المصري أنه في صورة الإنسان و أنه لحم و دم و له جوارح و أعضاء من يد و رجل و لسان و رأس و عينين و هو مع ذلك لا يشبه غيره و لا يشبهه غيره وافقهم على ذلك جماعة من العامة و من لا نظر له. و حكي عن داود الجواربي أنه قال اعفوني من الفرج و اللحية و سلوني عما وراء ذلك و حكي عنه أنه قال هو أجوف من فيه(4/193)
إلى صدره و ما سوى ذلك مصمت. و حكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم الجواليقي كان يقول إن له وفرة سوداء. و ذهب جماعة من هؤلاء إلى القول بالمؤانسة و الخلوة و المجالسة و المحادثة. و سئل بعضهم عن معنى قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ فقال يقعد معه على سريره و يغلفه بيده. و قال بعضهم سألت معاذا العنبري فقلت أ له وجه فقال نعم حتى عددت شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 225جميع الأعضاء من أنف و فم و صدر و بطن و استحييت أن أذكر الفرج فمأت بيدي إلى فرجي فقال نعم فقلت أ ذكر أم أنثى فقال ذكر. و يقال إن ابن خزيمة أشكل عليه القول في أنه أ ذكر أم أنثى فقال له بعض أصحابه إن هذا مذكور في القرآن و هو قوله تعالى وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى فقال أفدت و أجدت و أودعه كتابه. و دخل إنسان على معاذ بن معاذ يوم عيد و بين يديه لحم في طبيخ سكباج فسأله عن البارئ تعالى في جملة ما سأله فقال هو و الله مثل هذا الذي بين يدي لحم و دم. و شهد بعض المعتزلة عند معاذ بن معاذ فقال له لقد هممت أن أسقطك لو لا أني سمعتك تلعن حماد بن سلمة فقال أما حماد فلم ألعنه و لكني ألعن من يقول إنه سبحانه ينزل ليلة عرفة من السماء إلى الأرض على جمل أحمر في هودج من ذهب فإن كان حماد يروي هذا أو يقوله فعليه لعنة الله فقال أخرجوه فأخرج. و قال بعضهم خرجنا يوم عيد إلى المصلى فإذا جماعة بين يدي أمير و الطبول تضرب و الأعلام تخفق فقال واحد من خلفنا اللهم لا طبل إلا طبلك فقل له لا تقل هكذا فليس لله تعالى طبل فبكى و قال أ رأيتم هو يجي ء وحده و لا يضرب بين يديه طبل و لا ينصب على رأسه علم فإذن هو دون الأمير. و روى بعضهم أنه تعالى أجرى خيلا فخلق نفسه من مثلها. و روى قوم منهم أنه نظر في المرآة فرأى ورة نفسه فخلق آدم عليها. و رووا أنه يضحك حتى تبدو نواجذه.(4/194)
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 226و رووا أنه أمرد جعد قطط في رجليه نعلان من ذهب و أنه في روضة خضراء على كرسي تحمله الملائكة. و رووا أنه يضع رجلا على رجل و يستلقي فإنها جلسة الرب. و رووا أنه خلق الملائكة من زغب ذراعيه و أنه اشتكى عينه فعادته الملائكة و أنه يتر بصورة آدم و يحاسب الناس في القيامة و له حجاب من الملائكة يحجبونه.
و رووا عن النبي ص أنه قال رأيت ربي في أحسن صورة فسألته عما يختلف فيه الملأ الأعلى فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها فعلمت ما اختلفوا فيه(4/195)
و رووا أنه ينزل إلى السماء الدنيا في نصف شعبان و أنه جالس على العرش قد فضل منه أربع أصابع من كل جانب و أنه يأتي الناس يوم القيامة فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك فيقول لهم أ فتعرفونه إن رأيتموه فيقولون بيننا و بينه علامة فيكشف لهم عن ساقه و قد تحول في الصورة التي يعرفونها فيخرون له سجدا. و رووا أنه يأتي في غمام فوقه هواء و تحته هواء. و كان بطبرستان قاص من المشبهة يقص على الناس فقال يوما في قصصه إن يوم القيامة تجي ء فاطمة بنت محمد معها قميص الحسين ابنها تلتمس القصاص من يزيد بن معاوية فإذا رآها الله تعلى من بعيد دعا يزيد و هو بين يديه فقال له ادخل تحت قوائم العرش لا تظفر بك فاطمة فيدخل و يختبئ و تحضر فاطمة فتتظلم و تبكي فيقول سبحانه انظري يا فاطمة إلى قدمي و يخرجها إليها و به جرح من سهم نمرود شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 227فيقول هذا جرح نمرود في قدمي و عفوت عنه أ فلا تعفين أنت عن يزيد فتقول هي أشهد يا رب أني قد عفوت عنه. و ذهب بعض متكلمي المجسمة إلى أن البارئ تعالى مركب من أعضاء على حروف المعجم. و قال بعضهم إنه ينزل على حمار في صورة غلام أمرد في رجليه نعلان من ذهب و على وجهه فراش من ذهب يتطاير. و قال بعضهم إنه في صورة غلام أمرد صبيح الوجه عليه كساء أسود ملتحف به. و سمعت أنا في عصري هذا من قال في قوله تعالى وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ إنهم قيام على رأسه بسيوفهم و أسلحتهم فقال له آخر على سبيل التهكم به يحرسونه من المعتزلة أن يفتكوا به فغضب و قال هذا إلحاد. و رووا أن النار تزفر و تتغيظ تغيظا شديدا فلا تسكن حتى يضع قدمه فيها فتقول قط قط أي حسبي حسبي و يرفعون هذا الخبر مسندا و قد ذكر شبيه به في الصحاح. و روي في الكتب الصحاح أيضا أن الله خلق آدم على صورته و قيل إن في التوراة نحو ذلك في السفر الأول. و اعلم أن أهل التوحيد يتأولون ما يحتمل التأويل من(4/196)