شبيب لأصحابه إني حامل على ميسرتهم مما يلي النهر فإذا هزمتها فليحمل صاحب ميسرتي على ميمنتهم و لا يبرح صاحب القلب حتى يأتيه أمري ثم حمل في ميمنة أصحابه مما يلي النهر على ميسرة عثمان بن قطن فانهزموا و نزل عقيل بن شداد مع طائفة من أهل الحفاظ فقاتل حتى قتل و قتلوا معه. و دخل شبيب عسكرهم و حمل سويد بن سليم في ميسرة شبيب على ميمنة عثمان بن قطن فهزمها و عليها خالد بن نهيك الكندي فنزل خالد و قاتل قتالا شديدا فحمل عليه شبيب من ورائه فلم ينثن حتى علاه بالسيف فقتله و مشى عثمان بن قطن و قد نزلت معه العرفاء و الفرسان و أشراف الناس نحو القلب و فيه أخو شبيب في نحو من ستين رجلا فلما دنا منهم عثمان شد عليهم في الأشراف و أهل الصبر فضربهم مصاد و أصحابه حتى فرقوا بينهم و حمل شبيب من ورائهم بالخيل فما شعروا إلا و الرماح في أكتافهم تكبهم لوجوههم و عطف عليهم سويد بن سليم أيضا في خيله و قاتل عثمان فأحسن القتال. ثم إن الخوارج شدوا عليهم فأحاطوا بعثمان و حمل عليه مصاد أخو شبيب فضربه ضربة بالسيف فاستدار لها و سقط و قال و كان أمر الله قدرا مقدورا فقتل و قتل معه العرفاء و وجوه الناس و قتل من كندة يومئذ مائة و عشرون رجلا و قتل من سائر الناس نحو ألف و وقع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث إلى الأرض فعرفه شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 260ابن أبي سبرة فنزل و أركبه و صار رديفا له و قال له عبد الرحمن ناد في الناس ألحقوا بدير ابن أبي مريم فنادى بذلك و انطلقا ذاهبين و أمر شبيب أصحابه فرفعوا عن الناس السيف و دعاهم إلى البيعة فأتاه من بقي من الرجال فبايعوه و بات عبالرحمن بدير اليعار فأتاه فارسان ليلا فخلا به أحدهما يناجيه طويلا و قام الآخر قريبا منهما ثم مضيا و لم يعرفا فتحدث الناس أن المناجي له كان شبيبا و أن الذي كان يرقبهما كان مصادا أخاه و اتهم عبد الرحمن بمكاتبة شبيب من قبل. ثم خرج عبد الرحمن آخر الليل فسار حتى أتى(5/211)
دير ابن أبي مريم فإذا هو بالناس قبله قد سبقوه و قد وضع لهم ابن أبي سبرة صبر الشعير و ألقت كأنها القصور و نحر لهم من الجزور ما شاءوا و اجتمع الناس إلى عبد الرحمن فقالوا له إن علم شبيب بمكانك أتاك فكنت له غنيمة قد تفرق الناس عنك و قتل خيارهم فالحق أيها الرجل بالكوفة. فخرج و خرج معه الناس حتى دخل الكوفة مستترا من الحجاج إلى أن أخذ له الأمان بعد ذلك. ثم إن شبيبا اشتد عليه الحر و على أصحابه فأتى ماه بهراذان فصيف بها ثلاثة أشهر و أتاه ناس ممن كان يطلب الدنيا و الغنيمة كثير و لحق به ناس ممن كان يطلبهم شرح نه البلاغة ج : 4 ص : 261الحجاج بمال و تبعة فمنهم رجل يقال له الحر بن عبد الله بن عوف كان قتل دهقانين من أهل نهر درقيط كانا أساءا إليه و لحق بشبيب حتى شهد معه مواطنه إلى أن هلك و له مقام عند الحجاج و كلام سلم به من القتل و هو أن الحجاج بعد هلاك شبيب أمن كل م خرج إليه ممن كان يطلبهم الحجاج بمال أو تبعة فخرج إليه الحر فيمن خرج فجاء أهل الدهقانين يستعدون عليه الحجاج فأحضره و قال يا عدو الله قتلت رجلين من أهل الخراج فقال قد كان أصلحك الله مني ما هو أعظم من هذا قال و ما هو قال خروجي عن الطاعة و فراقي الجماعة ثم إنك أمنت كل من خرج عليك و هذا أماني و كتابك لي. فقال الحجاج قد لعمري فعلت ذلك أولى لك و خلى سبيله. ثم لما باخ الحر و سكن عن شبيب خرج من ماه نهروان في نحو من ثمانمائة رجل فأقبل نحو المدائن و عليها المطرف بن المغيرة بن شعبة فجاء حتى نزل قناطر حذيفة بن اليمان فكتب ماذراسب و هو عظيم بابل مهروذ إلى الحجاج يخبره خبر شبيب و قدومه إلى قناطر حذيفة فقام الحجاج في الناس و خطبهم و قال أيها الناس لتقاتلن عن بلادكم و فيئكم أو لأبعثن إلى قوم هم أطوع و أسمع و أصبر على البلاء منكم فيقاتلون عدوكم و يأكلون فيئكم يعني جند الشام. فقام إليه الناس من كل جانب يقولون بل نحن نقاتلهم و نغيث الأمير(5/212)
ليندبنا إليهم فإنا حيث يسره. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 262و قام إليه زهرة بن حوية و هو يومئذ شيخ كبير لا يستتم قائما حتى يؤخذ بيده فقال أصلح الله الأمير إنك إنما تبعث الناس متقطعين فاستنفر إهم الناس كافة و ابعث عليهم رجلا متينا شجاعا مجربا يرى الفرار هضما و عارا و الصبر مجدا و كرما فقال الحجاج فأنت ذاك فاخرج. فقال أصلح الله الأمير إنما يصلح لهذا الموقف رجل يحمل الرمح و الدرع و يهز السيف و يثبت على متن الفرس و أنا لا أطيق ذلك قد ضعفت و ضعف بصرى و لكن ابعثني مع أمير تعتمده فأكون في عسكره و أشير عليه برأيي. فقال جزاك الله عن الإسلام و الطاعة خيرا لقد نصحت و صدقت و أنا مخرج الناس كافة ألا فسيروا أيها الناس. فانصرف الناس يتجهزون و ينتشرون و لا يدرون من أميرهم. و كتب الحجاج إلى عبد الملك أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن شبيبا قد شارف المدائن و إنما يريد الكوفة و قد عجز أهل العراق عن قتاله في مواطن كثيرة في كلها تقتل أمراؤهم و يفل خيولهم و أجنادهم فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث إلي جندا من جند الشام ليقاتلوا عدوهم و يأكلوا بلادهم فعل إن شاء الله. فلما أتى عبد الملك كتابه بعث إليه سفيان بن الأبرد في أربعة آلاف و بعث إليه حبيب بن عبد الرحمن الحكمي من مذحج في ألفين و سرحهم نحوه حين أتاه الكتاب.(5/213)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 263و قد كان الحجاج بعث إلى عتاب بن ورقاء الرياحي ليأتيه و كان على خيل الكوفة مع المهلب و دعا الحجاج أشراف أهل الكوفة منهم زهرة بن حوية و قبيصة بن والق فقال من ترون أن أبعث على هذا الجيش قالوا رأيك أيها الأمير أفضل قال إني قد بع إلى عتاب بن ورقاء و هو قادم عليكم الليلة فيكون هو الذي يسير بالناس فقال زهرة بن حوية أصلح الله الأمير رميتهم بحجرهم لا و الله لا يرجع إليك حتى يظفر أو يقتل. فقال قبيصة بن والق و إني مشير عليك أيها الأمير برأي اجتهدته نصيحة لك و لأمير المؤمنين و لعامة المسلمين إن الناس قد تحدثوا أن جيشا قد وصل إليك من الشام لأن أهل الكوفة قد هزموا و هان عليهم الفرار و العار من الهزيمة فكأنما قلوبهم في صدور قوم آخرين فإن رأيت أن تبعث إلى الجيش الذي قد أمددت به من أهل الشام فليأخذوا حذرهم و لا يثبتوا بمنزل إلا و هم يرون أنهم يبيتون فعلت فإن فعلت فإنك إنما تحارب حولا قلبا محلالا مظعانا إن شبيبا بينا هو في أرض إذا هو في أخرى و لا آمن أن يأتيهم و هم غارون فإن يهلكوا يهلك العراق كله. فقال الحجاج لله أبوك ما أحسن ما رأيت و ما أصح ما أشرت به فبعث إلى الجيش الوارد عليه من الشام كتابا قرءوه و قد نزلوا هيت و هو أما بعد فإذا حاذيتم هيت فدعوا طريق الفرات و الأنبار و خذوا على عين التمر حتى تقدموا الكوفة إن شاء الله. فأقبل القوم سراعا و قدم عتاب بن ورقاء في الليلة التي قال الحجاج إنه فيها قادم فأمره الحجاج فخرج بالناس و عسكر بحمام أعين و أقبل شبيب حتى انتهى شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 264إلى كلواذا فقطع منها دجلة و أقبل حتى نزل بهرسير و صار بينه و بين مطرف بن المغيرة بن شعبة جسر دجلة فقطع مطرف الجسر و رأى رأيا صالحا كاد به شبيبا حتى حبسه عن وجهه و ذلك أنه بعث إليه أن ابعث إلي رجالا من فقهاء حابك و قرائهم و أظهر له أنه يريد أن يدارسهم القرآن و ينظر فيما(5/214)
يدعون إليه فإن وجد حقا اتبعه فبعث إليه شبيب رجالا فيهم قعنب و سويد و المحلل و وصاهم ألا يدخلوا السفينة حتى يرجع رسوله من عند مطرف و أرسل إلى مطرف أن ابعث إلي من أصحابك و وجوه فرسانك بعدة أصحابي ليكونوا رهنا في يدي حتى ترد على أصحابي فقال مطرف لرسوله القه و قل له كيف آمنك الآن على أصحابي إذ أبعثهم إليك و أنت لا تأمنني على أصحابك فأبلغه الرسول فقال قل له قد علمت أنا لا نستحل الغدر في ديننا و أنتم قوم غدر تستحلون الغدر و تفعلونه فبعث إليه مطرف جماعة من وجوه أصحابه فلما صاروا في يد شبيب سرح إليه أصحابه فعبروا إليه في السفينة فأتوه فمكثوا أربعة أيام يتناظرون و لم يتفقوا على شي ء فلما تبين لشبيب أن مطرفا كاده و أنه غير متابع له تعبى للمسير و جمع إليه أصحابه و قال لهم إن هذا الثقفي قطعني عن رأيي منذ أرعة أيام و ذلك أني هممت أن أخرج في جريدة من الخيل حتى ألقى هذا الجيش المقبل من الشام و أرجو أن أصادف غرتهم قبل أن يحذروا و كنت ألقاهم منقطعين عن المصر ليس عليهم أمير كالحجاج يستندون إليه و لا لهم مصر كالكوفة يعتصمون به و قد جاءني عيون أن أوائلهم قد دخلوا عين التمر فهم الآن قد شارفوا الكوفة و جاءني أيضا عيون من نحو عتاب أنه نزل بحمام أعين بجماعة أهل الكوفة و أهل البصرة فما أقرب ما بيننا و بينهم فتيسروا بنا للمسير إلى عتاب.(5/215)